البعض يتاح لهم الحج مجاناً .. وآخررن يتكبدون في ذلك أموالاً طائلة
تبذل الدولة جهودا عظيمة وأموالا كثيرة لتوفير الراحة والأمان لضيوف الرحمن ونلاحظ التطوير المستمر لأداء خدمات الحجيج وزيادة الإنفاق بسخاء من عام إلى آخر.
ومن مستجدات هذا العام ما قامت به الجهات المعنية بتنظيم الحج من مطالبة حجاج الداخل من مواطنين ومقيمين بالحصول على تصريح لأداء مناسك الحج. وهذا القرار ليس وليد اللحظة فقد جرى العمل به منذ سنوات إلا أن بعض المواطنين والمقيمين قاموا بالتحايل لأداء النسك والدخول إلى المشاعر دون تصريح إما عن طريق التسلل عبر منافذ ترابية أو بواسطة معرفين أو بغض الطرف من قبل رجال الأمن الذين يرون دخول المواطنين للمشاعر دون تصريح نوعا من تسهيل أمور الحجيج.
ولكي توضع حلول منطقية قابلة للتطبيق يجب معرفة أبعاد هذه الظاهرة عن طريق حصر الأسباب الحقيقية التي تدفع بعض الحجاج إلى أداء النسك دون تصريح. حسب المعلومات البسيطة التي بين أيدينا، يمكن تقسيم الحجاج الذين يتسللون إلى المشاعر إلى فئتين. فئة اعتادت الحج كل عام بسبب سهولة الوصول إلى الأماكن المقدسة ولقناعات أخرى لا يتسع المكان لذكرها حتى أصبح الحج عادة سنوية يبذلون من أجلها الغالي والنفيس. أما الفئة الأخرى فترى أن تكاليف حملات الحج مبالغ فيها ومن حقهم الحج لأن البعض يتمكن من أداء النسك مجاناً.
وبناء على ذلك, فإن السيطرة على منافذ المشاعر من تسلل الحجيج أمر في غاية الصعوبة لأساب عدة منها:
1. عدم إدراك بعض المواطنين بما تمثله الأعداد الهائلة من صعوبة تواجه الجهات الرسمية عند تفويج الحجيج إدارة الجموع.
2. عندما يقترب الموسم, فإن رجال الأمن لن يولوا مهمة التصاريح أهمية تذكر, لأنه سيظهر بين أيديهم ما هو أهم وأعظم من فحص تصاريح الحجاج، كما أن هذه الشريحة مأمونة الجانب ولا تمثل مصدر قلق، وبذا يركزون جهودهم لما هو أهم مثل مراقبة شواذ الحجاج الذين يستغلون المكان والزمان لأهداف مبطنة خارجة عن نطاق الحج.
3. عدم قناعة البعض بهذا الأمر ويرون أنه من حقهم الحج دون تصريح بسبب قرب المكان، وسهولة الوصول إليه، والمبالغة في أسعار الحملات, وحتى نتغلب على هذه الظاهرة ونضع المواطن في صف الجهات المعنية بتنظيم الحج أرى مراعاة البنود التالية:
1. مراقبة أسعار حملات الحج حتى تكون في متناول السواد الأعظم من الناس, خصوصا أن كثيرا من المواطنين قد تضرروا من التقلبات الاقتصادية المحلية والدولية وانهيار سوق الأسهم عدة مرات وقيام مساهمات وهمية استولت على أموال الناس بالباطل في عدد من مناطق المملكة. إننا نخشى لو استمرت أسعار الحملات في الارتفاع سنويا دون ضابط أن يتحول موسم الحج إلى تجارة رابحة تسيل لها لعاب الراغبين في تعظيم الثروة.
2. بعض حجاج الداخل يتيسر لهم الحج مجانا ولعدة مرات والبعض الآخر يتكبدون أموالا طائلة في سبيل حجة واحدة. هناك فئة من المواطنين السعوديين يصعب عليهم تحمل تكاليف الحج عند الرغبة في أداء النسك بطريقة نظامية وهذه الشريحة عادة تمثل الأسر السعودية أصحاب الدخول المتدنية إلى المتوسطة. فلكي تحصل العائلة على تصريح بالحج يتعين عليها التسجيل في حملة تقدر قيمة الخدمة للفرد الواحد بخمسة آلاف ريال في المتوسط, وبذا تكون تكلفة حج أسرة مكونة من خمسة أفراد ما يقارب 30 ألف ريال تشمل تكاليف الحملة، قيمة الأضحية وتكاليف المعيشة لبقية أفراد الأسرة الذين لم يحالفهم الحظ بالحج، ثمن الهدايا فليس من المنطق أن تعود من الحج دون تذكار لمناسبة تاريخية كهذه، وهنا يظهر السؤال التالي: ما الذي يمنع من تمكين هذه الفئة من الحج على حساب الدولة أسوة بغيرهم؟
3. تفعيل دور "معهد أبحاث الحج" لدراسة مثل هذه الأمور وتقديم التوصيات لدعم القرار قبل اتخاذه فزمن القرارات العشوائية لم يعد له وجود واتخاذ قرار دون دراسة ميدانية متأنية يكون نهايته عادة الفشل، والدليل بين أيدينا, فأمر منع التدخين في المرافق العامة والإدارات الحكومية استحال تطبيقه، وإنك لترى المواطنين من مدنيين وعسكريين ينتهكونه علانية, ويدخنون في المطارات والمرافق العامة، والإدارات الحكومية. وأظن أن قرار "الحج بتصريح مطلب شرعي" سيؤول إلى المصير نفسه إذا لم يكن قد بني على دراسات استطلاعية وبيانات موضوعية.
كما نأمل الابتعاد عن إحراج العلماء ورجال الدين وعدم الزج بهم في قضية تنظيمية وإدارية ليس لهم علاقة مباشرة بها، فظاهرة كهذه يمكن علاجها عن طريق تغيير سلوكيات وقناعات الناس, وليس لأحكام الحج فيها باب واضح ولا أظن أحدا يجرؤ على الفتوى أن الحصول على تصريح يعد ركنا من أركان الحج أو واجبا من واجباته، كما أن هذا الخلط قد يسبب خلافا بين العلماء, لأن بعضهم يرى أن الحج سنويا فضل يجب اغتنامه.
نسأل الله العلى القدير أن يتقبل من الحجاج نسكهم, وأن يعيدهم إلى أوطانهم وذويهم غانمين سالمين موفقين، وأن يعين القائمين على هذه الشعِيرة ويجزيهم خير الجزاء على ما يقدمونه للإسلام والمسلمين.