تحقيق الاستفادة القصوى من تدفقات رأس المال
برز سؤال محوري مع الاندماج المتزايد الذي تحققه اقتصادات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في أسواق رأس المال العالمية: كيف تستطيع البلدان أن تحصد منافع تدفقات رأس المال الداخلة إليها، مع اتقاء مخاطر التحولات السوقية المفاجئة؟
ويمكن أن تتخذ تدفقات رأس المال أشكالا متعددة، كالاستثمار الأجنبي المباشر، وتدفقات الحافظة، والتمويل بالجملة إلى المصارف. ويحلل آخر عدد من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي تطور تدفقات رأس المال إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان MENAP وإلى البلدان في القوقاز وآسيا الوسطى CCA، مع البحث في كيفية مساهمتها في النمو الاقتصادي بأعلى درجات الفعالية.
"في بيئة عالمية تتزايد فيها التحديات من الضروري لبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان MENAP والقوقاز وآسيا الوسطى CCA أن تجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتحقق أقصى استفادة منه". و"سيكون هذا الأمر بالغ الأهمية بالنسبة للمنطقة وهي تسعى إلى تحقيق نمو أعلى يوفر قدرا كبيرا من فرص العمل".
كيف تطورت تدفقات رأس المال في العقد الماضي؟
حدث تباطؤ عالمي في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو اتجاه عام ظهر بصورة أوضح في بلدان MENAP وCCA. ففي عام 2008 وصل الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 115 مليار دولار في المنطقتين، لكنه تراجع بين عامي 2015 و2018 إلى 46 مليار دولار سنويا في المتوسط. وفي الوقت نفسه تستمر زيادة تدفقات استثمار الحافظة، وهي مشتريات الأجانب من الأسهم والسندات. ومثلت بلدان المنطقتين 20 في المائة من تدفقات الحافظة الداخلة إلى كل الأسواق الصاعدة بين عامي 2016 و2018، صعودا من 5 في المائة فقط قبل الأزمة المالية العالمية عام 2008.
ويلاحظ أن الزيادة الهائلة في تدفقات الحافظة تتسم بالقوة في البلدان المصدرة للنفط على وجه الخصوص؛ حيث ارتفعت من عشرة مليارات دولار في 2008 إلى 40 مليار دولار في 2018، ما ساعد على تعويض الهبوط الحاد في الاستثمار الأجنبي المباشر. وبالنسبة للبلدان المستوردة للنفط ساعد على ملء هذا الفراغ حدوث طفرة في أشكال أخرى من تدفقات رأس المال بما في ذلك زيادة الودائع الأجنبية والتمويل بالجملة في النظام المصرفي المحلي، من تسعة مليارات دولار في 2008 إلى نحو 23 مليار دولار في 2018.
وتأتي هذه التطورات في وقت يواجه فيه كثير من البلدان تحديات في المالية العامة، ولحسن الحظ، فإن تدفقات الحافظة والتدفقات المصرفية الداخلة ساعدت على تمويل المالية العامة وعجز موازين المدفوعات في هذه البلدان، ما جنبها الوقوع في ضائقة تمويلية مفاجئة، الأمر الذي كان من شأنه إحداث هبوط ضار في الاستهلاك والاستثمار. فعلى سبيل المثال، ساعدت تدفقات رأس المال الداخلة إلى البحرين وعمان وهما بلدان مصدران للنفط على تلبية الاحتياجات التمويلية لدى الحكومة في الفترة التي كانت تعمل فيها على تحسين مركز ماليتها العامة.
غير أن أبحاث الصندوق تفيد بأن تدفقات الحافظة الداخلة إلى منطقتي MENAP وCCA أكثر حساسية للتغيرات في تصورات المخاطر العالمية، أي أن شدة الاعتماد على تدفقات الحافظة تأتي مصحوبة بمخاطرها، ولا سيما وسط البيئة الاقتصادية العالمية الحالية التي زادت فيها التحديات.
ما السبل التي تتيح للبلدان تحقيق الاستفادة القصوى من تدفقات رأس المال؟
تنشيط الاستثمار الأجنبي المباشر يمكن أن يعزز الإنتاجية من خلال نقل التكنولوجيا الجديدة، ويسهم في إيجاد الوظائف للسكان الذين يتزايدون بمعدل سريع، ويكون بمنزلة مصدر مستقر لتمويل البلدان. وتعد إزالة القيود أمام الاستثمار وزيادة سبل الحماية والفرص للمستثمرين عوامل أساسية لتحقيق هذا الهدف.
وهناك بوادر مشجعة في أوزبكستان، التي قامت أخيرا بمنح المستثمرين الأجانب ترتيبات سفر تفضيلية، وكذلك في البحرين والإمارات، حيث يسمح الآن بأن تكون حصة ملكية الأجانب 100 في المائة في مجموعة موسعة من القطاعات الاقتصادية. وعلى المدى الطويل ستكون زيادة النمو المحتمل وتعزيز الحوكمة بما في ذلك سيادة القانون وتحسين جودة التعليم والعمل على تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، عوامل مساعدة لكل بلدان المنطقة على جذب مزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر.
ويمكن أن تتخذ البلدان خطوات أيضا للحد من مواطن الضعف القائمة. فبناء الاحتياطيات الأجنبية، وكذلك السماح لأسعار الصرف، حيثما أمكن، بأن تتعدل وتستوعب الصدمات، كل ذلك يمكن أن يساعد على وقاية الاقتصادات من تأثير تقلب تدفقات رأس المال. ويعد الاستمرار في تطوير الأسواق المالية عاملا حيويا أيضا في مساعدة البلدان على استيعاب التقلبات الكبيرة في تدفقات رأس المال والصدمات الاقتصادية المصاحبة لها. وتمثل الأطر التنظيمية القوية عنصرا ضروريا في هذه الجهود. وعمل كل من البحرين والسعودية والإمارات على تحديث قوانين الإفلاس، ويلزم إجراء مزيد من الإصلاحات المماثلة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
ومع جذب مزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر واتخاذ خطوات للوقاية من تقلب تدفقات الحافظة، يمكن أن تسهم تدفقات رأس المال بدور أساس في إطلاق الإمكانات الاقتصادية لكل بلدان المنطقة.