ناقوس الحذر من مستصغر الشرر
دقت "الاقتصادية" بما دأبت عليه من طرح جيد, ناقوس حذر بالغ الأهمية في عددها ليوم السبت الماضي غرة ذي الحجة حول احتمال توريط شركات التقسيط السوق السعودية في أزمة ائتمان مشابهة لما تعرضت له الولايات المتحدة وورطت معها العالم في أزمة مالية عالمية ما زال يبحث عن أطواق نجاة منها. وهذا التحذير الذي أطلقته "الاقتصادية" في تحقيق موسع وموثق, يوجب التحرك الفوري من الجهات الاقتصادية المسؤولة عن الشأن الاقتصادي في بلادنا لتقصيه بدقة من أجل محاصرة أي تفاعلات سلبية له على اقتصادنا المحلي حتى لا تتحول إلى كرة ثلج متدحرجة وتكبر شيئا فشيئا. وعلى الرغم من التصريحات العديدة للمسؤولين من أن بلادنا بعيدة عن التأثر بالأزمة العالمية المالية, وأن إدارة اقتصادنا احتاطت مسبقا لحمايته من أي هزة محتملة عبر عدة إجراءات سبق أن اتخذت واعتمدت كسياسة مالية لمراقبة ومتابعة أداء السوق, وعدم الانجراف خلف مطالبات سابقة بتعديل سياستنا النقدية, وهو ما تأكد خلال هذه الأزمة العالمية, إلا أن كثيرا من الاقتصاديين والمتابعين للشأن الاقتصادي كانوا وما زالوا خائفين من وجود ثغرات غير مرئية قد تبرز في أي لحظة وتتفاعل مع الأزمة المالية العالمية ليحدث ما لا يحمد عقباه, وكانت بل وما زالت الأنظار موجهة للبنوك خوفا من أن تكون قد تورطت بشكل أو بآخر في مسببات هذه الأزمة العالمية, أو بسبب انجرافها في الفترة الماضية أثناء موجة صعود سوق الأسهم في تقديم قروض بلا حدود لمستثمرين بشروط مجحفة أقلها امتلاك البنك حق تصفية المحفظة الاستثمارية حالما تهبط السوق وتحويل المستثمر من مقترض إلى مدين, وهو ما حدث فعلا لكثيرين وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف وقد خسروا مدخراتهم ورساميلهم مضافا إليه دين تورطوا فيه بسبب تسهيلات بنكية خادعة, ولكن الأضرار التي كان يخشى أن تأتي من البنوك حصرت في نطاق ضيق ولم تتسع لتشمل اقتصادنا كما حدث في الولايات المتحدة, بل وقعت الأضرار في أفراد يتحملون الجزء الأكبر من مسؤولية الانخداع بالتسهيلات البنكية, التي كانت في واقع الأمر مجرد فخاخ نصبت لهم ووقع فيها كثيرون.
ما نبهت له "الاقتصادية" مشكورة فيما يخص شركات التقسيط يجعلنا بالفعل نشعر بعدم الاطمئنان الكامل من تفاعلات عديدة غير منتبه لها وغير ملاحظة وتجري خارج إطار السياسة النقدية مثل شركات التقسيط التي توسعت, كما جاء في التحقيق, توسعا كبيرا وانتشرت انتشارا شمل كل السلع والاحتياجات, التي لا شك أنها أسهمت في توفير مصدر تمويل لشريحة كبيرة من الناس, خاصة من هم من ذوي الدخل المحدود على الرغم من إجحافها بفرض العمولة المرتفعة, إلا أنها ربما تشكل مكمن أزمة ـ لا قدر الله.
إلا إن ما يدفعنا إلى أن نطمئن على وضعنا الاقتصادي هو أنه يقف على أرض صلبة وأسس وقواعد قادرة على تجاوز وتخطي الأزمات. إضافة إلى أن ما وصف في فترة سابقة بتحفظ سياستنا النقدية والمالية هو ما أسهم في إبعاد اقتصادنا من أن يتأثر سلبا بالأزمة المالية العالمية, كما يؤكده المتخصصون الاقتصاديون, وهو ما أثبته واقعنا الاقتصادي القوي حينما لم يصب بما أصيب به اقتصاد دول عديدة على الرغم من أننا جزء أساسي وفاعل في الاقتصاد العالمي. ولكن هذا الاطمئنان وهذه الثقة باقتصادنا الوطني يجب ألا يجعلانا نغفل عن بعض التعاملات المالية التي تجري هنا وهناك وقد تؤدي إلى نشوء أزمات اقتصادية تؤثر تحديدا وبداية في المواطن الذي يضطر تحت الحاجة وبعدم وعي بالمخاطر المالية عليه من التسهيلات المشروطة بشروط صعبة وعمولات مكلفة وإغراءاتها, إلى الوقوع فيها دون أن يحسب هو ومن يقدم له تلك التسهيلات نتائج الإفراط فيها. المواطن في ظل عدم تمكن دخله من الإيفاء بمتطلبات معيشية تعودها وارتفعت تكلفتها بسبب موجة الغلاء من ناحية, وعدم توافر مصادر تمويل لتحقيق متطلبات معيشية, خاصة أساسية منها كالسكن مثلا, من جانب آخر, فهو قد يضطر إلى اللجوء إلى مصادر تمويل لا تخضع لأنظمة وشروط وفق سياسة الدولة النقدية والضابطة لحركة السوق, ولا لمراقبة مالية تحد من نسبة المخاطر كما فعل مع البنوك, الذي كان من حسنات مؤسسة النقد أنها لجمت شهوتها المالية وحمتنا بذلك من أن نتورط في أزمة مالية, وهنا مصدر الخشية على اقتصادنا, فالنار من مستصغر الشرر.
هذا الحذر المطلوب ليس معناه القلق على اقتصادنا, بل السعي إلى حمايته ودعم أسسه ليستمر في طريقه بقوة وفاعلية, ومن لديه خشية أو قلق فعليه أن يطالع حديث خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لجريدة "السياسة" الكويتية, لكي ينام وفي بطنه بطيخة صيفي على الرغم من أننا مقبلون على موسم الشتاء.