قمة العشرين .. ماذا بعد الالتزام؟
مجموعة من النتائج كشف النقاب عنها مطلع الأسبوع الحالي عقب اجتماع قمة مجموعة العشرين الاقتصادية في العاصمة الأمريكية واشنطن. نتائج من الأهمية بمكان قراءتها من ثلاث زوايا. الزاوية الأولى التزام اقتصادات الدول العشرين الاقتصادية ذات العلاقة بمجموعة العشرين، التي التزمت بها في اتفاقية أكورد للتنمية المستدامة ACCORD الموقعة عام 2004 في العاصمة الاقتصادية الألمانية برلين. الزاوية الثانية الانعكاسات الإيجابية والسلبية للأزمة المالية العالمية الحالية على اقتصادات أعضاء مجموعة العشرين. والزاوية الثالثة تعهدات أعضاء مجموعة العشرين في طبيعة دورها المقترح لمعالجة الأزمة المالية العالمية الحالية.
التزمت اقتصادات أعضاء مجموعة العشرين قبل أربعة أعوام بمجموعة من الالتزامات الشمولية الهادفة إلى استدامة نمو الاقتصاد العالمي بما يضمن تحقيق مبدأ العدالة والمساواة بين شعوب دول العالم. تباينت هذه الالتزامات من التزامات القيام بإصلاحات رئيسة في عناصر الاقتصاد الكلي، ومثلها جزئية في عناصر الاقتصاد الجزئي، حيث التزمت اقتصادات آسيا بمراجعة أنظمتها المالية بما يضمن عدم تكرار حدوث أزمة الأسواق المالية، فالتزمت إندونيسيا بتقليص العجز في الموازنة العامة، إصلاح السوق المالية، والنظام الرقابي. والتزمت كوريا بتحسين النظام المالي، سوق العمل، ونظام الضمان الاجتماعي. والتزمت أستراليا بإصلاح سوق العمل، النظام الضريبي، وتطوير سياسات الاقتصاد الكلي. والتزمت اليابان بإصلاح النظام المالي، النظام المراقبي، ودعم التخصيص.
أما الصين فقد ألقي على عاتقها مجموعة كبيرة من الإصلاحات، من أهمها تحسين إدارة الأصول والشركات العامة، دعم القطاع الخاص، القطاع الزراعي، إصلاح النظام الضريبي، النظام المالي، نظام الاستثمار، ودعم سياسة توزيع الدخل القومي.
لا يمكن النظر إلى هذه الاقتصادات الآسيوية والتزاماتها دون قراءة الالتزامات من اقتصادات جاراتها في الشرق الأوسط وإفريقيا. السبب الرئيس في ذلك العلاقة المترابطة بين هذه الاقتصادات مجتمعة في تطوير عناصر الاقتصاد الجزئي.
فالتزمت الهند بتقليص العجز في الموازنة العامة، تنمية موارد مشاريع البنى التحتية في المناطق النائية، إصلاح النظام الضريبي، نظام التعليم، نظام الصحة، والقطاع العام. بينما التزمت روسيا باستدامة معدل النمو الاقتصادي، إصلاح القطاع المصرفي، والنظام القضائي.
أما تركيا فقد التزمت بدعم القطاع الخاص، إصلاح القطاع المصرفي، نظام الضمان الاجتماعي، النظام الضريبي، وتحسين بيئة الأعمال. بينما التزمت جنوب إفريقيا بإعطاء الأولوية للاستثمار في مشاريع البنى التحتية، دعم نظام الادخار، وإصلاح القطاع العام.
تشارك اقتصادات أمريكا اللاتينية اقتصادات آسيا والشرق الأوسط في تقويم دورها المنشود في نمو الاقتصاد العالمي، حيث التزمت الأرجنتين بإصلاح القطاع المصرفي، وآليات معالجة عجز الموازنة العامة. بينما التزمت البرازيل بإصلاح سياسات الاقتصاد الجزئي، إعطاء الأولوية للاستثمار في مشاريع البنى التحتية، وإصلاح السوق المالية.
ننتقل إلى النصف الشمالي من الاقتصاد العالمي لقراءة التزامات الاتحاد الأوروبي وأعضائه في مجموعة العشرين، حيث التزمت إيطاليا بإعادة هيكلة القطاعات الصناعية، وتحسين البيئة التنافسية لأسواق السلع والخدمات. والتزمت ألمانيا بإصلاح النظام الضريبي، سوق العمل، نظام التقاعد، ونظام التأمين الصحي. والتزمت المملكة المتحدة بدعم معدل التنمية المستدامة، دعم الاستثمار في مشاريع الخدمات العامة، والإسراع في إقرار سياسات الاقتصاد الجزئي. بينما التزمت فرنسا بإصلاح سوق العمل، نظام الرعاية الصحية، وتقنين المشاريع العامة.
تضاف جميع هذه الالتزامات إلى التزامات الاتحاد الأوروبي عطفا على العضوية المشتركة بين الاقتصادات الأوروبية منفردة واتحادها، حيث التزم الاتحاد الأوروبي بإصلاح سوق العمل، إيجاد آليات لتمويل مشاريع البنى التحتية، إصلاح نظام التقاعد، والإسراع في إكمال مشروع السوق الأوروبية المشتركة.
التزمت الكتلة الثانية في النصف الشمالي من الاقتصاد العالمي أيضا بمجموعة من الالتزامات، حيث التزمت كندا بتحسين معدلات المعيشة، الإسراع في إقرار سياسة التوازن الاقتصادي، وإعادة هيكلة سياسات الإنفاق الحكومي. بينما التزمت المكسيك بدعم الاستثمار في مشاريع البنى التحتية، وإصلاح النظام المالي. والتزمت الولايات المتحدة بتقليص العجز في الموازنة العامة، إصلاح نظام التأمين الصحي، نظام التقاعد، ونظام الادخار.
لا يمكن النظر إلى انعكاسات هذه الالتزامات على نمو الاقتصاد السعودي واستدامته دون مدارسة التزامات الاقتصاد السعودي في 2004 وتطوراته في السنوات الأخيرة. التزم الاقتصاد السعودي من ذلك التاريخ بستة مشاريع رئيسة: دعم القطاع الخاص، تحسين بيئة الاستثمار الأجنبي، إعطاء الأولوية للاستثمار في مشاريع البنى التحتية، وإيجاد وظائف للشاب السعودي، وتطوير سوق ثانوية للسندات والصكوك.
يكون الوفاء بجميع هذه الالتزامات أكثر فاعلية على المستويين الدولي والمحلي عندما يكون هناك مراجعة للعلاقات الدولية بين الاقتصاد السعودي وشركائه الدوليين، فالشريك الدولي الملتزم بالتزامات مشابهة لالتزام الاقتصاد السعودي يصبح من الصعب توثيق العلاقة معه، عطفا على عنصر المنافسة الدولية المطلوب تنميته من جانب الاقتصاد السعودي للانتقال من حالة شبه النشأة إلى التقدم، وبالتالي فإنه من الأهمية بمكان مراجعة توجهات اقتصادات دول مجموعة العشرين والتزاماتها والبحث عن فرص علاقات دولية جديدة لم تعهد في الماضي، بهدف الوصول إلى مزيج من العلاقات الدولية الداعمة لتوجهات الاقتصاد السعودي في المقبلة.