رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إيقاف "الأسواق" يعني "الحجر" عليها!

فاجأتنا جارتنا الشقيقة الكويت بقرار المحكمة فيها بإيقاف التداول في بورصتها بهدف وقف الخسائر كما ورد في الأخبار، وذلك بناء على طلب بعض المستثمرين نتيجة عدم سماع الحكومة الكويتية مطالبهم منذ بداية التراجع الحاد في البورصة تزامناً مع الأزمة المالية العالمية كما يقولون. ومن ثم تم الاستئناف من قبل الحكومة وتمت إعادة التداول يوم الإثنين، حيث سجل السوق بإقفال ذلك اليوم تراجعا وصل إلى نحو 140 نقطة.
وهو قرار يوضح إلى أي مدى يمكن أن يؤثر أي قرار غير مدروس بعناية في منطقة بكاملها وليس حتى دولة، كذلك كيف تؤثر القرارات العاطفية وبالذات مع الشأن الاقتصادي بشكل عام وأسواق المال بشكل خاص على جهود سنوات من البناء. وبالذات مع التوسع العولمي خلال العقد الحالي ومع طفرة أسواق المال الخليجية الأخيرة وانهيارها شبه التام خلال زمن قصير وكان كل ما يجري حلم ليلة واحدة، حيث هناك ضبابية واضحة في التعامل مع أسواق المال منذ أن أصبحت أسواقا شعبية وليست خاصة! والنتيجة المشتركة لدول الخليج رغم اختلاف المعالجات أن تحرك الأسواق فيها يسير باتجاه واحد وكما تريد الأسواق لا كما يأمل الجميع!
أعتقد جازماً أن قرار إيقاف التداول في الكويت بهذا الشكل سيكون له تداعيات سلبية خطيرة على الكويت ومستقبل الأسواق المالية الكويتية والخليجية عموماً. ومن وجهة نظري فقد أتى في أسوأ توقيت يمكن أن يكون. حيث إن هناك إجماعا شبه عالمي على نجاح دول الخليج في عدم التأثر السلبي بالأزمة الاقتصادية العالمية رغم أن كثيرا من مسؤولينا حاولوا الربط بين ما يجري من تراجعات حادة في أسواق الأسهم الخليجية وبين الأزمة المالية العالمية. ويبدو أنهم منطلقون من مقولة "إن الموت مع الجماعة رحمة" أو خوفاً من الحسد، أو لمجرد أن المؤسسات العالمية قالت ذلك. رغم أن الكويت وعبر بعض مؤسساتها المالية وكذلك الإمارات قد تكون تأثرت بشكل مباشر وربما نشاهد العديد من الإفلاسات وبالذات في الشركات الاستثمارية في هاتين الدوليتين. وهناك محاولات من قبل تلك الشركات الاستثمارية حالياً لتغطية المشكلة لأطول فترة ممكنة!
كيف سيكون لقرار إيقاف التداول بحكم المحكمة انعكاسات خطيرة على المنطقة من وجه النظر الاستثمارية؟ إن أهم ركائز أسواق المال تعتمد على حرية حركة المال فيها بشكل سلس للمستثمر وبطريقة مضمونة بألا "يحجر" وليس "يحجز" على أموالك كمستثمر، فهي سوق تقوم على العرض والطلب وليست شيئا آخر. أرجو ألا يفهم كلامي على أني حريص على سمعة المنطقة أمام المستثمر الغربي. لا.. ولكن أهم ما يميز منطقة الخليج خلال عمرها الحديث هو حرية حركة رأس المال ولم يسجل في تاريخها تأميم كما حدث خلال الثورات العربية المختلفة. الأمر الذي أوصل المنطقة اليوم إلى أن تكون تحت نظر كل دول العالم وأصبح ينظر إليها كمنطقة استراتيجية حتى أن بعض الشركات العالمية إما أنها نقلت مكاتبها الرئيسية للمنطقة أو تفكر في ذلك. كما أن إحدى أهم مميزات المنطقة القدرة الجيدة على العمل المشترك في قطاع الأعمال مع كل عواصم العالم، حيث نشاهد استثمارات متبادلة بين معظم اقتصادات العالم، وهي جاءت بعد سنوات وعقود من بناء الثقة بأن هناك حماية قوية لرؤوس الأموال. ونعلم أن أحد أهم أسباب عدم توقيع مجلس التعاون الخليجي اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي أن هناك موقفا للدول الأوروبية من عدم وضوح الأنظمة القضائية في المنطقة وأنها بحاجة إلى تطوير وحماية واضحة للاستثمارات. وهذا رغم مرارة الاعتراف به إلا أنه أمر فيه الكثير من الصحة. ونعلم أن حقوق كثير من رجال الأعمال لم تؤخذ إلا من خلال النظام البريطاني أو الأمريكي عندما كان هنا نزاع تجاري مع أطراف أخرى في بعض الأحيان كلها محلية.
هذا الحجر على سوق الأسهم لم يكن مبررا بالمرة. الأسواق في الخليج تتراجع لسبب بسيط قد لا يصدقني كثيرون ولكن هي الحقيقة. السبب ببساطة أن المستثمرين لديهم الرغبة في البيع والعرض بأي سعر! لماذا يبيع المستثمر بهذا الشكل الجنوني إذا لم يكن مقتنعا بالأسعار؟ ولماذا لا يحتفظ بأسهمه؟ لأن العاطفة هي المسيطرة على قرارات المستثمرين. ولذلك نجد أن السوق تترك للتراجع الحاد ثم فجأة يتم اقتناص الفرص بشكل مكثف وتركها مرة أخرى، وهذا ما يعرف بالمستثمر السلبي الذي يستغل الفرص لأهداف بعيدة أو في غفلة من الآخرين.
هذا الحجر يعني ببساطة شديدة أن هناك عدم "عقلانية للسوق" المكون من مستثمرين وبالتالي تصبح الرسالة عدم عقلانية هؤلاء المستثمرين بالضرورة! السوق لا يمكن أن يحجر عليه لأنه غير عاقل، إنما من يحرك السوق هم المستثمرون الذين يتسببون في هذا التراجع الذي لا يخضع لأي تحليل منطقي بسبب سيطرة التحركات العاطفية وقلة المهنية. إن كل ما يحدث في الأسواق الأمريكية والأوروبية منطقي ومبرر ويمكن شرحه بكل سلاسة. هناك بنوك أفلست وشركات على وشك الإفلاس، بل إن القطاع المصرفي كله أصبح ملكية عامة عملياً في أمريكا. إذن هناك أزمة حقيقية يعيشها الاقتصاد الأمريكي وقد يكون الأسوأ لم يأت بعد بالنسبة للاقتصاد الأمريكي! وبالتالي التذبذب في أسواقها المالية له مبررات واضحة. ومع ذلك قاموا بكل شيء كان غير ممكن القيام به، ولكنهم حتى اليوم لم يتدخلوا في أسواق المال بأي حال من الأحوال أو يحجروا على أموال الناس ويمنعونهم من البيع أو الشراء. ورغم ذلك هناك العديد من الخيارات لحل أزمة أسواق المال في المنطقة الخليجية، ولكن عندما يكون هناك فكر حقيقي ومتخصصون في الخليج، وليسوا موظفين!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي