رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


القضية الفلسطينية تحتضر

لقد مضى على القضية الفلسطينية أكثر من 60 عاماً، وهي تسير من سيئ إلى أسوأ، على الرغم من أن الشعب الفلسطيني كان إلى درجة ما موحدا تحت قيادة ياسر عرفات، رحمه الله، لعشرات السنين، وكانت كلمتهم واحدة، والمقاومة لم تتوقف. ومع ذلك، ومع استمرار المفاوضات السلمية والوساطة الدولية على أعلى المستويات، لم يحقق المفاوض الفلسطيني ولا مكسباً واحداً. بل إن العكس هو الصحيح، فإسرائيل ظلت وعلى مشهد من العالم تستعمل أقسى أنواع العنف والتنكيل وزج في السجون بحق الشعب الفلسطيني، إلى جانب بناء المستوطنات على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وملئها بقطعان اليهود المتوحشة. ولا يزال المحتل يتحين الفرص ليمحو معالم أرض فلسطين.
 أما اليوم، وبعد أن ذهبت القيادة الموحدة، وحلت محلها الفصائل والحركات المختلفة الاتجاهات، التي أخذت على نفسها ألا تتفق فيما بينها، فذلك يعني أن  حل القضية الفلسطينية يحتاج إلى أكثر من 60 سنة أخرى، هذا إذا بقي شيء اسمه القضية الفلسطينية.
 أما إسرائيل، فلم تكن تحلم أن هزيمة الفلسطينيين ستكون على أيديهم أنفسهم، ويتركوها تعيث فساداً على كل شبر من أرضهم. وليس هذا فقط، فقد تشرفت الدولة اليهودية بأن تكون مضيفاً وملاذاً وأكثر أماناً لبعض أفراد الفصائل المتناحرة الذين لجأوا إلى أحضان عدوهم اللدود هرباً من بطش إخوانهم من الفصائل الأخرى. ونقول: أليس ما وصل إليه حال إخواننا الفلسطينيين اليوم بفعلهم وعلى أيديهم هو أسوأ على الإطلاق ما يمكن أن يتخيله إنسان؟  
 أيها الفلسطينيون، يا أهل الشهامة والشجاعة، أليس فيكم رجل رشيد؟ وهل عجزت نساؤكم المصونات أن ينجبن إنساناً واحداً يجمع شملكم ويمحو أضغانكم ويدير وجوهكم نحو العدو الغاشم الرابض على أرضكم والمتربص بكم، بدلاً من مواجهة بعضكم بعضا؟
يا قياديو الفصائل، إنَّ وجود كل واحد منكم على رأس مجموعة ليس هدفها تحرير الأرض واسترداد حقوقكم المشروعة، ينفي الحاجة لكم، فاتركوا الأمر لمن هم على مستوى المسؤولية. وهل يدور في خلد أحدكم أن فصيله، من بين الفصائل الأخرى، وما أكثرها، سيكون هو المنقذ للشعب الفلسطيني؟ إن كان هذا هو ظنكم فقد هزُلت.
الأمر يا شباب عظيم، والمسؤولية جسيمة، والزمن يسير ضدكم وليس معكم، وأموركم تزداد تعقيداً مع مرور الوقت، وثقوا أنه لن يهبَّ أحد لنجدتكم وأنتم على هذه الحال المزرية من الشقاق والتفرق ومقاتلة بعضكم بعضا أمام خلق الله من الشامتين الذين لا يريدون لكم خيراً، والمتعاطفين الذين لا يجدون لتصرفاتكم أي مبرر. خافوا الله في أنفسكم وفي نسائكم وأطفالكم ومستقبل أجيالكم وعودوا إلى رشدكم. لو كنتم تتقاتلون على قطعة أرض صغيرة وهبكم إياها عدوكم لبحثنا لكم ولو عن قليل من العذر. ولكن أين أنتم من هذا؟ إن الثريا أقرب لكم اليوم مما تحت أرجلكم من التراب الذي يحكمه ويسيطر عليه عدوكم. ولو قررت إسرائيل اليوم أن تمنح الفلسطينيين قطعة صغيرة من الأرض المحتلة، وهي بالطبع لن تفعل، وأرادت تسليمها لمن يمثل الشعب الفلسطيني، فلن تجد من يتسلمها عنه! هكذا وصلت الأمور.
 
وسواء جلستم أيها الإخوان للمصالحة في أرض الكنانة أو داخل الحرم الشريف أو على أي بقعة من الأرض، فلن تحُلوا مشكلاتكم. لأن المهم عند فصائلكم ليس المصالحة بذاتها، وأي مصالحة أو اتفاق بينكم لن يدوم أكثر من   أيام قليلة، وهو أصلا لن يجدي شيئاً، وأنتم تعلمون ذلك. والحل الصحيح هو أن يحلَّ كلُّ فصيل نفسَه ويندمج الجميع تحت قيادة وطنية موحدة، ليس بالضرورة أن يكون أي من المسؤولين الحاليين فرداً منها، ويكون لشعب فلسطين صوت واحد. ومن لا يعجبه الوضع الجديد فليغادر إلى حيث يشاء، فمعظمكم لديه من الخير والمال الكثير. وما حدث في القاهرة منذ أيام من تأجيل لعقد مؤتمر المصالحة بين الحركات والفصائل، إلا دليل على عدم الجدية من جانب الفرقاء المدعوين. وحتى لو فرضنا جدلاً أنكم توصلتم إلى نوع هزيل من المصالحة، ماذا يا ترى يعني ذلك للقضية وللشعب الفلسطيني البائس؟ من المؤكد أن كل مجموعة ستعود إلى مقرها داخل أو خارج الأرض المحتلة، ولكن الأمور ستعود سريعاً إلى سابق عهدها، كما كانت قبل المصالحة، وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا.
نحن لا ندعي إطلاقاً أن حال الشعوب العربية الأخرى أفضل من الشعب الفلسطيني المجاهد، فالخلافات بينهم في كل ما يتعلق بمستقبل الأمة العربية ومصالحها القومية لا نهاية لها، وليس هناك أمل أن يتفقوا على أمر من أمور حياتهم، لا اقتصادياَّ ولا سياسياَّ ولا حتى ثقافياَّ وإعلامياَّ، ولكن في الوقت نفسه، شعوبهم تعيش على أرضها آمنة مطمئنة. أما وضع الفلسطينيين فمختلف تماماً. الشعب الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال لأكثر من ستة عقود، وما يتخلل ذلك من المعاناة والإذلال وفقدان الهوية واحتمال ضياع  ما بقي من الأرض، ولذلك فإن الاتفاق بينهم أمر يحتمه واقع حياتهم، ولا يخرج عن كونه بالنسبة لهم حياة أو موتا.
 
اللهم احفظ فلسطين وأرض فلسطين والمسجد الأقصى، واهد أهل فلسطين إلى جادة الصواب وثبت أقدامهم وانصرهم على عدوهم, إنك على كل شيء قدير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي