مصدر في هيئة المحاسبة لـ "الاقتصادية": تصريحات الشعار ضد عثماني مخيبة للآمال

مصدر في هيئة المحاسبة لـ "الاقتصادية": تصريحات الشعار ضد عثماني مخيبة للآمال

بينما هو ينهل من كتب المعرفة الفقهية، وهو جالس على أريكة منزله في أحد الأحياء المتواضعة في باكستان، يتلقى "فقيه كراتشي" اتصالاً من مراسل وكالة رويترز من دبي ، يخبر به الشيخ أن رئيسه قد وصف تصريحاته حول "إصلاح" سوق الصكوك من المخالفات الدينية التي كانت ترتكب باسم الدين على أنها "قد جلبت الدمار" لهذه الأسواق حتى الآن. بحجة أن الإصدارات الجديدة لهذا العام قد هبطت إلى 14 مليار دولار، بعد أن كانت تراوح بين 40 و50 مليار دولار في العام الماضي. إلا أن الفقيه الذي يصفه الغربيون بأنه أقوى الفقهاء المصرفيين تأثيرا على مستوى العالم، يرفض التعليق على تصريحات رئيسه الذي يصغره في السن على الرغم من إلحاح مراسل الوكالة جاسن بينهام . وجلبت تلك الإيمائية المتواضعة من الشيخ تعاطف العديد من المصرفيين و الفقهاء على حد سواء.

محمد الخنيفر من الرياض
يبدو أن الشيخ محمد تقي عثماني ليس مقدرا له أن ينجو من انتقادات بعض الأفراد الذين تناسوا مساهمات الفقيه لدعم أركان هذه الصناعة الإسلامية على مدى 40 عاماً الماضية.
فعلى الرغم من إنصاف صحف المال الغربية لأشهر فقيه مصرفي في الألفية الحديثة، لا يزال البعض في الخليج يصف الشيخ بأنه "تآمر" لإذابة سوق الصكوك الخليجية واغتيالها لمجرد أنه تجرأ بالإشارة إلى هياكل الصكوك "غير الإسلامية"، أي المحرمة بلهجة أشدّ، والتي كانت تتفشى في نسيج صناعة المال الإسلامية.
وكانت صحيفة "الفاينانشيال تايمز" اللندنية قد وصفت عثماني "بصاحب المعروف" الذي عمَ به قطاع الصيرفة. حيث قالت في حينها "ولكن معظم المصرفيين والمحامين العاملين في الصناعة يرون أن رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة ربما يتضح أنه قدم للسوق"، معروفاً كبيرا "حين أوضح منذ الآن وليس بعد نوعية السندات المقبولة في أعين الفقهاء من أهل السنة والجماعة".
معلوم أن عثماني، رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة، قد أحدث هزة قوية في سوق السندات الإسلامية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 حين صرح لوكالة "رويترز" بأن نحو 85 في المائة من الصكوك الصادرة كانت غير ملتزمة بالأحكام الشرعية بسبب وجود اتفاقيات إعادة الشراء.
وبعد مرور عام على التصريح ، يقرر محمد الشعار، الأمين العام لهيئة المحاسبة، إحياء ذكرى أزمة الصكوك عبر التصريح لمراسل "رويترز" قبل أيام بأن " التصريح الموجز الذي نطق به رئيس المجلس الشرعي في الهيئة حول مدى التزام الصكوك بالأحكام الشرعية قد ساهم في هدم السوق".
"الاقتصادية" تحدثت مع أحد المصادر القريبة من هيئة المحاسبة والتي أعربت عن "دهشتها" لرؤية مثل هذا التصريح من الشعار في وكالات الإعلام الغربية. يعلق المصدر الذي رفض الإفصاح عن هويته نظرا لعمله داخل هيئة المحاسبة بأن ذلك التصريح "مخيب للآمال".
يذكر أن معظم السندات الإسلامية الصادرة في منطقة الخليج العربي كانت تباع مع تعهد بإعادة شراء السند، وهو وعد يتعهد فيه المقترض بدفع القيمة الاسمية للسند عند تاريخ الاستحقاق، أو في حالة الإعسار. وهذا التعهد هو صورة تشبه هيكل السندات التقليدية.
وقال عثماني إن التعهد بدفع رأس المال إلى حامل السند يخالف مبدأ اقتسام الربح والخسارة، الذي يجب أن تقوم عليه هذه السندات.
وقال الشعار: "توقفت السوق، ولا تزال كذلك. . .وإننا لم نتمكن حتى الآن من التخلص من العواقب السلبية".
سلطت الأضواء مراراً وتكراراً على الافتقار إلى المقاييس المعيارية في صناعة التمويل الإسلامي باعتباره من العقبات الرئيسية أمام تقدم الصناعة. وحيث إن الأحكام الشرعية تقبل اجتهادات مختلفة، فقد أدى ذلك إلى اختلافات في الممارسات البنكية والمالية في جميع جوانب الصناعة.

في النصف الثاني من هذا العام وصلت مبيعات السندات إلى ما يشبه التجمد، في الوقت الذي ارتفعت فيه تكاليف الاقتراض بفعل الانقباض الائتماني العالمي، ما دفع بكثير من الشركات الراغبة في التمويل من خلال الصكوك إلى وضع مبيعات الصكوك على الرف، و أصبحت فيه البنوك بصورة متزايدة غير راغبة في الإقراض.
معلوم أن عثماني، رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة، قد خرج على الملأ في أحد المؤتمرات الإسلامية، التي عقدت في البحرين قبل بضعة أشهر، مدافعا عن التبعات الاقتصادية التي أحدثها تصريحه. حيث استهل خطابه أمام الحضور بعبارة "أصبحت متهما بأنني تآمرت ضد الصكوك الإسلامية الصادرة في دول العالم الإسلامي وغير الإسلامي، مع أنني حاولت أن تكون تلك الأداة في صالح الصيرفة الإسلامي".
وتطرح الإشادات الغربية تساؤلات عدة، فكيف أصبح تصويب الخطأ وعدم السكوت عليه في أعين الخليجيين شيئا من السلبيات التي توصم بها السيرة الذاتية للفقيه المصرفي؟ فهل ينتظر القائمون على إصدارات الصكوك إشادات الغرب لكي يثمنوا الموقف التاريخي للشيخ؟
وكان الجنرال محمد ضياء الحق أول من تنبأ بفطنة الفقيه الشاب عثماني قبل أكثر من 40 عاماً. فبخلاف كونه أحد الأدوات الأساسية التي ساهمت في ستينيات القرن الماضي في تقديم مفهوم الصيرفة الإسلامية لبلاده، فقد أصبح أحد جلساء الجنرال الذين يستعان بهم قد استعان بهم في إقامة الحدود والقصاص. ويشهد للجنرال الباكستاني إخلاصه وتفانيه في أسلمة كل مناحي الحياة في بلاده قبل أن يلقى مصرعه بعد أن تحطمت طائرته قبل تحقيق حلمه بأسلمة البنوك.
ويعزو مراقبون في صناعة التمويل الإسلامي تطور الصيرفة الإسلامية خلال سنواتها الأولى الماضية إلى " العشرين فقيهاً" أو من يعرفون "بالشيخ عثماني وزملائه"، بمن فيهم الشيخ محمد علي القري والشيخ نظام يعقوبي ، الذين كانوا يقدمون النصح والمشورة لعدد من البنوك، مثل بنك إتش إس بي سي هولدنجز وبنك سيتي جروب وبنك بي إن باريبا. ومن خلال عمل البنوك مع هؤلاء الفقهاء أنشأوا معا سوقاً قيمتها 60 مليار دولار من الصفر تقريباً قبل عقد من الزمن, كما تشير بيانات "بلومبيرج" و"ستاندارد آند بورز".
وبعد أزمة الصكوك الماضية, ظهرت خبرات هؤلاء الفقهاء واضحة في قرارات الهيئة الإرشادية حول تصويب الهيكلة الخاصة بالصكوك.

الأكثر قراءة