من روسيا إلى الصين.. "بريتش بتروليوم" تخوض في مياه مضطربة
تسعى شركة بريتش بتروليوم، التي أعادت تسمية نفسها ما بعد البترول Beyond Petroleum (BP)، إلى إبرام صفقة مع رصيفتها الصينية صينوبيك، وهي أكبر منتج للخام ومسوقة للمنتجات المكررة في الصين. الصفقة المقترحة ستعطي "بي.بي" موطئ قدم في أكبر سوق في العالم ومرشح ليكون الثاني من ناحية حجم الاستهلاك النفطي مستقبلا، كما أن الصفقة توفر للشركة الصينية موارد وخبرات بريتش بتروليوم.
الشراكة المقترحة تماثل ما قامت به "بي. بي" مع "تي .أن. كي" الروسية، حيث تمكنت ومنذ عام 2003 من تكوين ثاني أكبر شركة نفط في البلاد، إثر إتمام أكبر صفقة في تاريخ روسيا، حيث بلغت قيمتها 14 مليار دولار، رغم أنه تم انتقاد الصفقة على أساس أنها تمت في وقت حرج تمر به روسيا، إلا أنها يبدو أنها أتت أكلها.
بالنسبة لصينوبيك، التي تقدر قيمتها السوقية بنحو 42 مليار دولار وتتداول أسهمها في بورصتي هونج كونج ونيويورك، فإن الصفقة ستعطيها الفرصة لقفل الثغرات في مجالات عملها في ميدان العمليات الأمامية، إذ تسجل تراجعا مقابل منافستها بتروشاينا مثلا أو الشركة الصينية البحرية للعمل في المناطق المغمورة. لكن هناك تعقيدات يبدو أنها ستحيط بالصفقة وعلى رأسها أن الحكومة كعادتها ستسعى إلى أن تحتفظ بحضور قوي من باب إبقاء السيطرة على صناعتها النفطية، ولهذا فإن الإبرام النهائي للصفقة سيعتمد فيما يبدو على موافقة القيادة السياسية العليا في الصين.
المحادثات بين لورد براوني رئيس مجلس إدارة "بي. بي" والمسؤولين الصينيين بدأت بالفعل وقام بلقاء الرئيس هيو جنتاو على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك كما التقى مسؤولين آخرين خلال الشهر الماضي.
بسبب ضغوط عمليات التصنيع الضخمة والطلب المتنامي على موارد الطاقة، فإن المسؤولين الصينيين يدفعون بشركاتهم الثلاث الرئيسية إلى الحصول على أصول في شركات نفطية أجنبية، لكن لم يسمح لشركة أجنبية بتملك حصص مؤثرة في شركات الصناعة النفطية الصينية. ورغم تردد السلطات في السماح بمثل هذه الخطوة، إلا أنها قد ترحب بالمشروع ولو من باب جس النبض والاختبار ورؤية ما يتمخض عنه.
خطوة براوني الجريئة تحتاج إلى وجود شيء من الإرادة السياسية كما حدث في موسكو من قبل والسماح لشركته أخذ حصة معتبرة في "تي. ان. كى". وفي واقع الأمر فإن لـ "بي. بي" وجود في الصين يتمثل في مجمع بتروكيماوي تشارك فيه قرب شنغهاي, وهناك أيضا صفقة لإدارة محطات الوقود في محافظة زيجيانغ. وإلى جانب هذا قامت "بريتش بتروليوم" وقتها بشراء 1.8 مليار سهم من أسهم "صينوبيك" عندما طرحت عام 2000، لكنها تخلصت منها في العام الماضي ببيع كامل حصتها التي وصلت إلى 2.11 في المائة محققة أرباحا تجاوزت ملياري دولار.
والتحدي الرئيسي أمام "صينوبيك" أن تعمل على بناء مصاف جديدة لمقابلة الطلب المتنامي بسبب النشاط المتزايد في قطاع التصنيع. والصين تتجه إلى أن تصبح أكبر مصدر للسلع في العالم, وقد تتمكن من تجاوز كل من الولايات المتحدة وألمانيا في غضون خمس سنوات، كما تتوقع دراسة لمنظمة التنمية والتعاون الدولية، وستشكل السلع والخدمات الصينية 10 في المائة من حجم التجارة العالمية وقتها من 6 في المائة حاليا. وفي النصف الأول من هذا العام بلغ حجم التجارة الخارجية الصينية 645 مليار دولار, منها صادرات بقيمة 342 مليارا.
ولهذا فالصين تحتاج إلى 15 مصفاة جديدة خلال فترة السنوات العشر المقبلة، لكن هذه الخطة تواجه معضلة حقيقية بسبب إصرار الحكومة، ولأسباب سياسية، على استمرار البيع بأسعار مدعومة وألا تطبق الأسعار العالمية، الأمر الذي يعني خسائر مؤكدة للمشروع. الشركتان المنافستان: الوطنية النفطية الصينية، وبتروشاينا تمكنتا من تغطية خسائرهما بالإنتاج الكبير وأسعار النفط العالمية المرتفعة التي حققت لها عوائد جيدة خارجيا.
وهذه من القضايا التي لا بد لـ " بي. بي" من وضعها في الحسبان عند مناقشتها خياراتها في الصين. لكن الشركة فيما يبدو مشغولة في الوقت الحالي بالصورة الكبيرة وليس بالتفاصيل.
وفي كلمة له أمام مؤتمر البترول العالمي الذي استضافته جوهانسبيرج في سبتمبر (أيلول) الماضي طرح لورد براوني رؤيته حول التحديات التي تواجه الصناعة النفطية ودور الشركة في مواجهتها. وفي تقديره أن التحدي الرئيسي أمام الصناعة يتمثل في كيفية استعادة الاستقرار والثقة إلى السوق وتطمين المستهلكين بأنه يمكنهم الاعتماد على النفط والغاز كمصدر أساسي وأولي للطاقة. فالإحساس بعدم الأمان لم ينعكس على الأسعار ارتفاعا فقط، وإنما ألقى بظلاله على الصناعة عموما.
وتناول براوني الحديث عن نهاية عصر النفط قائلا إنه ليس دقيقا، والمطلوب إثبات ذلك وإن حالة عدم القلق السائدة حاليا في السوق تعود إلى عدة عوامل من بينها وجود ارتفاع ملموس في الطلب. فسكان العالم يزيدون ويحتاجون إلى الطاقة لتسيير شؤونهم. وقدر أن هناك نحو 200 مليون نسمة دخلوا دائرة الاستخدام التجاري للطاقة منذ عام 1999. ثم إن تجارة النفط شهدت نموا بلغ 18 في المائة خلال السنوات الخمس الماضية وأن الاحتياطيات النفطية تتركز في مناطق معينة وفي بعضها لا يمكن للقطاع الخاص الدخول. مضيفا أن الصناعة النفطية هي الوحيدة التي يتراجع فيها دور القطاع الخاص رغم موجة التخصيص التي تكتسح العالم، ورغم أن الشركات النفطية الخمس الكبرى على نطاق العالم زادت من حجم استثماراتها خلال السنوات الخمس الماضية بنسبة 50 في المائة إلى 50 مليار دولار في العام. مضيفا أن "بريتش بتروليوم" وحدها قامت باستثمار 50 مليار دولار منذ عام 200 في مختلف مشاريع العمليات الأمامية في روسيا، أنجولا، ترينداد، المياه العميقة في خليج المكسيك، بحر قزوين والجزائر, كما تولي قطاع التكرير اهتماما مماثلا.
وأشار إلى أنه مع التحولات التي تشهدها الصناعة النفطية وتركيزها في الدول النامية بدلا من دول منظمة التنمية والتعاون الدولية، فإن العمل ينبغي أن يقوم على أساس التعلم للعيش مع المخاطر والتعامل مع حكومات وبلاد في مراحل التحول، حيث يمكن للشراكة مع هذه الدول أن تصبح ذات جدوى. وضرب مثلين بمشاركة "بي. بي" في بناء خط أنابيب باكو- تبليسي وجيهان الذي سيضيف إلى السواق مليون برميل يوميا عند افتتاحه بنهاية هذا العام، اضافة إلى خط آخر لنقل الغاز الطبيعي. والمشروع بهذا يسجل قصة نجاح بين الشركات الخاصة والحكومات عبر شركاتها العامة.
وهناك مثال شركة "تي. ان. كي"، حيث تم بالفعل زيادة الإنتاج 20 في المائة مما كان عليه قبل عامين ورغم أن الظروف التي تمر بها روسيا سياسيا واقتصاديا تعتبر ظروفا انتقالية.
ويرى براوني أن أمن الطاقة سيعتمد في النهاية على الشركات أكثر من الحكومات، وذلك لأن الأولى تمتلك التقنية ولها إمكانات ومساهمات على مدى الصناعة وانتشارها حول العالم الذي يسهل عليها التواؤم مع موجة العولمة هذا بالطبع إضافة إلى الخبرات الموجودة في إدارة الأزمات. ويختتم أن الثلاثين عاما الماضية شهدت تحديات ونجاحات وأن الثلاثين المقبلة يمكن أن تشهد تحديات مماثلة، لكن علما بقدرات الصناعة النفطية ونضجها بمؤسساتها وأفرادها، فإن الثلاثين عاما المقبلة ستكون سنوات نجاح كذلك. فالعالم، كما يقول، يحتاج إلى هذه الصناعة وهي مستعدة لمقابلة التحدي.