7 عقبات تقف أمام إنتاج السيارات صديقة البيئة تجاريا

7 عقبات تقف أمام إنتاج السيارات صديقة البيئة تجاريا

يعد النفط المصدر الأساسي لوقود السيارات منذ ما يقارب 100 عام، في خلال هذه الفترة تطورت تكنولوجيا صناعة السيارات بحيث أصبحت أكثر كفاءة وأقل تكلفة ولكنها في الوقت نفسه أصبحت الأكثر ضررا بالبيئة نتيجة لانبعاث الغازات الكربونية. اليوم تسهم السيارات بنحو 28 في المائة من غاز ثاني أكسيد الكربون و50 في المائة من غاز أول أكسيد الكربون المنبعث نتيجة النشاطات البشرية. لذلك يفكر الباحثون والشركات المصنعة للسيارات اليوم في استخدام بدائل لوقود السيارات التقليدي ليس من أجل البيئة فقط ولكن أيضا لارتفاع أسعاره.
في الحقيقة بدأت الأبحاث الجدية في هذا المجال منذ اندلاع حرب أكتوبر 1973 نتيجة خوف الدول الغربية في ذلك الوقت من انقطاع الإمدادات النفطية من منطقة الشرق الأوسط. كان سعر برميل النفط في ذلك الوقت نحو ثلاثة دولارات، اليوم وقد تجاوز سعره 140 دولارا خلال تشرين الأول (نوفمبر) الماضي، ما زال النفط المصدر الرئيس لوقود السيارات على الرغم من تزايد مخاطره نتيجة مساهمته في تلوث البيئة. لماذا إذن لم يتحقق التقدم المنشود في إيجاد البدائل وما الخيارات المطروحة؟ وأين وصلت الجهود في هذا المجال؟
تماشيا مع سياسات الحد من الانبعاثات الغازية وتقليل الاعتماد على الوقود التقليدي تتركز الجهود الآن على العمل في ثلاثة اتجاهات:
* الاتجاه الأول يتركز في تطوير السيارات الحالية العاملة على البنزين أو الديزل وذلك بجعلها تعمل على مزيج من الوقود التقليدي والوقود الحيوي السائل، كمثال على ذلك مخلوط البنزين والإيثانول المنتج من الكتل الحيوية BIOMASS، وتعمل الشركات المصنعة للسيارات أيضا على تطوير المحفزات المحولة CATALYTIC CONVERTERS التي تركب في عوادم السيارات لتحويل غاز أول أكسيد الكربون الخطر على صحة الإنسان إلى غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تنحصر خطورته على البيئة بشكل أساسي متمثلة في ظاهرة الاحتباس الحراري. على الرغم من غلاء سعر هذه المحولات الذي يتجاوز ألف دولار في بعض الأحيان فإنها لا تمنع هذه الانبعاثات بشكل نهائي ولكنها تساعد على التقليل من أخطارها.
* في الاتجاه الثاني تعمل مراكز البحوث حول العالم على تطوير مصادر طاقة متجددة يصلح استخدامها في سيارات المستقبل مثل الوقود الحيوي والهيدروجين. في مجال الوقود الحيوي فقد نجح الباحثون إلى حد كبير في إنتاج وقود سائل من الكتل الحيوية بمختلف أنواعها مثل قصب السكر والنخيل وجوز الهند والأخشاب وحتى من مخلفات زيت الطبخ النباتي. هناك أيضا ما يعرف بمحاصيل الطاقة ENERGY CROPS وهي نوع من المحاصيل الزراعية تتميز بسرعة الحصد وتزرع خصيصا بغرض إنتاج الطاقة الحيوية بما فيها الوقود السائل مثل الديزل والميثانول والإيثانول. الميثانول والإيثانول الحيوي يمكن استخدامه في السيارات الحالية ممزوجا مع البنزين والديزل التقليدي بنسبة تقارب 10 في المائة دون الحاجة إلى تعديل الماكينة.
* في الاتجاه الثالث تتركز البحوث في مجال السيارات الكهربائية العاملة على الهيدروجين، حيث نجحت بعض شركات تصنيع السيارات بالتعاون مع الباحثين في مجال الطاقة المتجددة من إنتاج سيارة تعمل على غاز الهيدروجين باستخدام ما يعرف بخلايا الطاقة FUELL CELLS التي تنتج الكهرباء اللازمة لدفع المحرك. الهيدروجين المستخدم يمكن إنتاجه من مصادر متجددة كالكتل الحيوية. تتميز السيارات الكهربائية بأنها صامتة ولا تحتاج إلى ناقل حركة عند السير، كما أنها بالطبع لا تصدر انبعاثات غازية ضارة. هذا النوع من السيارات لا يتوافر حتى الآن في الأسواق ولكن من المتوقع أن يبدأ الإنتاج التجاري بين عامي 2010 و2015.
مما سبق ذكره قد يتصور البعض أننا على قاب قوسين أو أدنى من الاستغناء عن سيارات الوقود التقليدي واستبدالها بسيارات الطاقات المتجددة، ولكن الحقيقة ما زالت هناك كثير من العقبات التقنية والاقتصادية التي تحول دون ذلك في الوقت الحالي.
أولى هذه العقبات تتمثل في تكاليف الإنتاج، فرغم الزيادة الهائلة في أسعار النفط ما زال سعر تكلفة إنتاج الوقود الحيوي السائل والهيدروجين عالية جدا بجانب غلاء أسعار التكنولوجيا المستخدمة في تصنيع مثل هذا النوع من السيارات. في الولايات المتحدة مثلا يبلغ سعر الديزل الحيوي نحو 0.08 دولار للميل في مقابل 0.05 دولار للميل المقطوع بواسطة ديزل تقليدي. إضافة إلى ذلك فإن الاستثمارات الحالية في الوقود السائل البترولي ضخمة جدا بحيث إن أي تحول سريع لمصادر بديلة سيؤدي إلى مشكلات اقتصادية لشركات البترول الكبرى العاملة في هذا المجال. حتى إذا فرضنا أن هذه الشركات ستتأقلم مع هذا التحول تبقى هناك مشكلة أخرى تواجه الشركات المصنعة للسيارات، حيث إن مصادر الوقود السائل المتجددة ستتنوع من منطقة إلى أخرى حسب تنوع المصدر الخام.
أوروبا مثلا يمكن أن تعتمد على سيارات تعمل بالميثانول أو الديزل المنتج من محاصيل الطاقة، بينما يمكن أن تعتمد منطقة الشرق الأوسط أو إفريقيا على سيارات تعمل بخلايا الهيدروجين. هذا بالطبع يشكل تحديا بالنسبة للشركات المصنعة للسيارات، حيث عليها توفير سيارات خاصة لكل منطقة. ليس هذا فحسب بل يجب أيضا توفير بنية تحتية من خطوط إمداد وتخزين ومصاف ومحطات تزويد تتناسب مع ما هو متوافر من وقود في كل منطقة.
صناعة السيارات الهيدروجينية أيضا تقف أمامها عقبة التكلفة، حيث يبلغ سعر السيارة الواحدة من هذا النوع اليوم نحو 200 ألف دولار، لذلك نجاح هذه التقنية يعتمد على تطوير خلايا الوقود وتوافرها بأسعار مناسبة، كما يعتمد على انخفاض تكلفة إنتاج الهيدروجين من مصادر متجددة. توزيع الهيدروجين في محطات التعبئة يتطلب بناء شبكة متكاملة من خطوط الإمداد والتخزين المناسبة.
لا شك أن هناك كثيرا من العمل المطلوب حتى يتم الاستغناء نهائيا عن البترول كوقود للسيارات وقد يستغرق هذا بين 20 و30 عاما على الأقل.

* محاضر في الهندسة الكيماوية في جامعة أستون البريطانية

الأكثر قراءة