عين على موسكو

عين على موسكو

سجلت موسكو حضورا لافتا كما وكيفا في اجتماع منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) العادي في فيينا الشهر الماضي. فالوفد تكون من 20 شخصا، مما جعله الأكبر من دولة ليست عضوا في المنظمة، ثم إن الوفد جاء بقيادة نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة إيجور سيشن، كما ضم مسؤولين من شركة روسنفط، التي تعتبر أكبر شركة روسية تعمل في مجال النفط الخام، وذلك بعد أن آلت إليها أصول شركة إيكوس التي قضت عليها الحكومة عمليا باستهدافها لمؤسسها وصاحبها فيكتور خودروفسكي.
الوفد الروسي وجه الدعوة إلى (أوبك) لرد الزيارة وتوقيع مذكرة تفاهم تغطي جوانب التعاون بين الجانبين، وهو ما حدث هذا الشهر وتحديدا في الأسبوع الماضي عشية الاجتماع الأخير.
روسيا لاعب رئيس في السوق النفطية وأكثر في مجال الغاز الطبيعي إذ تتمتع بأكبر الاحتياطيات العالمية فيه، وقد نشطت في الفترة الأخيرة لتتفق مع إيران وقطر، وهما ثاني وثالث أكبر قطرين يملكان احتياطيات من الغاز، لتكوين منظمة تعنى بشؤون الغاز كما تعنى (أوبك) بقضايا النفط الخام.
تعتبر روسيا أكبر منتج للنفط الخام متجاوزة السعودية التي تتقيد بحصتها وسياسات تقييد الإنتاج التي تفرضها (أوبك)، ويتراوح الإنتاج النفطي الروسي في الوقت الحالي في حدود 9.8 مليون برميل يوميا، تصدر منها سبعة ملايين، الأمر الذي يضعها في المرتبة الثانية كأكبر مصدر للنفط الخام بعد السعودية.
زيارة وفد (أوبك) الأسبوع الماضي إلى موسكو بقيادة الأمين العام عبد الله سالم البدري اعتبرت في مظهرها ردا للزيارة التي قام بها الروس الشهر الماضي وتبادلا للمعلومات، لكن في واقع الحال، فإن الظروف التي تمر بها السوق النفطية معطوفة على الأزمة المالية العالمية التي تهدد بأحداث كساد ينتشر حول العالم وأحد ضحاياه الطلب على النفط، تجعل من الضروري أخذ النقاشات بين الطرفين في مسار مختلف.
ورغم أن لقاء وفد (أوبك) بالرئيس الروسي ديمتري ميديدفيف تطرق إلى أوضاع السوق النفطية بصورة عامة، إلا إنه لم يلزم بلاده بشيء متحدثا بشيء من العمومية أن روسيا منتج ومصدر كبير للنفط ومن مصلحتها حدوث شيء من الاستقرار لأسعار النفط.
لكن نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة إيجور سيشن قال إن روسيا قد تقيم احتياطيا نفطيا تقوم بتحويل بعض الإنتاج إليه بدلا من أن يذهب كله إلى الأسواق العالمية، لكنه لم يدخل في تفصيلات حول الحجم الذي سيذهب إلى هذه الاحتياطيات أو متى يمكن البدء في هذه الخطوة. ويشير بعض المتابعين للساحة الروسية أنه قد لا تكون هناك مستودعات كافية للقيام بهذه المهمة.
علاقة روسيا بـ (أوبك) تعود إلى فترة حرب الأسعار في منتصف عقد الثمانينيات، عندما تراجعت حصة المنظمة في السوق بسبب تنامي حضور المنتجين من خارج (أوبك). تراجع سعر البرميل إلى نحو عشرة دولارات للبرميل وقتها دفع كل المنتجين من داخل (أوبك) وخارجها إلى التنادي لوقف حالة الاستنزاف المالي التي تعرضت لها.
التجربة لم تحقق نجاحا يذكر، فحجم الخفض الذي التزم به المنتجون من خارج (أوبك) كان بسيطا والتقيد حتى بذلك الحجم البسيط لم يكن كاملا، وتحول العبء إلى (أوبك) التي ضحت بعامل السعر لزيادة حصتها في السوق. وبالفعل نجحت خلال فترة عقد من الزمان بين 1987 و1997 في زيادة نصيبها في السوق بمعدل مليون برميل يوميا كل عام.
الصلات الأولية تمت في الفترة التي كانت فيها روسيا محور الاتحاد السوفياتي، القطب الثاني على الساحة الدولية وصاحب الاقتصاد المركزي. لكن الاتصالات الحالية تأتي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والتحول إلى اقتصاد السوق. وبعد تولي فلاديمير بوتين السلطة اتجه إلى استخدام الصناعة النفطية وسيلة لاستعادة مجد روسيا وحضورها على الساحة الدولية.
في الظروف الحالية هناك حاجة ماسة إلى تضافر جهود المنتجين للتعامل مع الوضع المتردي للسوق، علما أن التركيز في الوضع الحالي سيكون على كيفية تنشيط الطلب أكثر من الدفاع عن الأسعار كما كان سائدا خلال الفترات السابقة.
المنتجون من خارج (أوبك) تعودوا قطف ثمار جهود سياسات (أوبك) وممارساتها، فالمنظمة تتحمل العبء الأكبر في خفض الإنتاج، وبالتالي رفع سعر البرميل الذي يستفيد منه الكل ودون تحمل نصيبهم من عبء خفض الإنتاج.
في العقد الماضي شهدت السوق تدهورا كان رد الفعل تجاهه بروز قيادة ثلاثية مكونة من السعودية، فنزويلا، والمكسيك، وهي عضو من خارج (أوبك) لعبت دورا رئيسا في تنسيق جهود المنتجين من خارج المنظمة حتى استعادت السوق توازنها وبدأت رحلة الصعود التي استمرت أكثر من ست سنوات وانتهت أخيرا.
فهل تتجه موسكو إلى لعب هذا الدور؟

[email protected]

الأكثر قراءة