هل ستؤجل الأزمة المالية العالمية الوحدة النقدية أم تعجّل بها ؟
لا شك أن الأزمة الكارثية الحادة التي تشهدها أسواق المال والاقتصادات العالمية تحمل الكثير من الأنباء السيئة لدول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي دعا وزراء المالية الخليجيين ومحافظي البنوك المركزية للاجتماع اليوم السبت في الرياض لمناقشة تأثيرات تلك الأزمة في اقتصاداتهم، وفي مستقبل خطط التكامل الاقتصادي بين دولهم، وفي مقدمتها موضوع الوحدة النقدية.
ويجيء هذا الاجتماع على خلفية تقرير أصدره صندوق النقد الدولي خفض فيه توقعاته لمعدلات النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2009 إلى 6 في المائة مقارنة بـ 8 في المائة التوقعات السابقة، وذلك بسبب انحدار أسعار النفط إلى مستويات متدنية مقارنة بالمستويات العالية التي بلغها، وتوقع استمرار هذا التدني مع تعمق أزمة الركود الاقتصادي في الدول الصناعية، كذلك تداعيات الأزمة المالية العالمية التي باتت تنتشر في العديد من جوانب الاقتصاد الخليجي.
إلا أن التقرير حمل أيضا بعض الأخبار السارة لدول مجلس التعاون إذ ذكر أن هناك دلائل أكيدة على تراجع أسعار الغذاء وتحسن سعر صرف الدولار مقابل اليورو، وهو ما يدعم التوقعات التي تشير إلى انحسار الضغوط التضخمية في مجلس التعاون الخليجي بالتدريج. ومن المتوقع أيضاً أن تنحسر الضغوط التضخمية الناجمة عن اختناقات العرض مع التقدم في توسيع الطاقة الاستيعابية. وكلا التطورين يسهمان في إزالة عقبة مهمة أمام إطلاق الوحدة النقدية في موعدها، وهي الارتفاع الكبير في معدلات التضخم.
ولا شك أن اقتصادات دول المنطقة لا تزال تشهد طفرة اقتصادية ملحوظة وتوافر سيولة ناتجة عن ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية إلى مستويات قياسية، الأمر الذي حوَّل دول الخليج إلى منطقة استقطاب للاستثمارات الخارجية. وتحدثت تقارير عن توافر سيولة تبلغ 1.2 تريليون دولار في دول الخليج العربية ومعظمها في السعودية، إلا أن عدداً من البنوك الخليجية أعلنت تأثرها المباشر بأزمة الرهن العقاري، فيما تكتمت بنوك أخرى على خسائرها، لكن المسؤولين في القطاع المصرفي يؤكدون أن التأثيرات حتى الآن محدودة، وأن تحركات البنوك المركزية الأخيرة سواء لضخ سيولة أو تسهيلات أو وضع بعض الضوابط الائتمانية الجديدة هي من قبيل تنظيم السوق بما لا يجعلها عرضةً للمخاطر، أو على الأقل تقليل الآثار السلبية المترتبة على الأزمة العالمية.
ومنذ بداية نشوب الأزمة في منتصف شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، كثفت المصارف المركزية الخليجية تحركاتها لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية على البنوك الخليجية وتحديدًا أزمة نقص السيولة التي بدت البنوك تتعامل معها كما لو أنها اكتشاف مفاجئ.. رغم أن مقدماتها ظهرت منذ فترة قاربت العام بالتزامن مع ظهور أزمة الرهن العقاري الأمريكي.
وقال مراقبون إن بعض البنوك ذات القاعدة المالية الضعيفة تعرضت فعلاً لمشكلة سيولة، خصوصًا بعد حركة المضاربات على العملات المحلية في الفترة الماضية نتيجة توهم البعض أنه سيتم إعادة تقويم هذه العملات مقابل الدولار، وكذالك قيام عديد من المحافظ الأجنبية بتصفية استثماراتها في أسواق الأسهم المحلية، إضافةً بالطبع إلى تأثر بعض البنوك بالأزمة العالمية.
وقالت مؤسسة موديز للتصنيفات الائتمانية إن التوقعات لتصنيفات البنوك العربية في? ?منطقة الخليج تراجعت لكنها مازالت مستقرة باستثناء دبي? ?التي? ?أصبحت التوقعات بالنسبة إليها أكثر سلبية بسبب القطاع العقاري?.?
وقالوا إن الأزمة العالمية ألقت بظلالها على الأسواق المحلية من ناحيتين؛ الأولى: هي الاستثمارات التي ضختها بعض البنوك والمؤسسات المحلية في البنوك العالمية الكبرى التي تعرضت للأزمة أخيرا، والثانية هي البعد النفسي تحسبًا لمزيدٍ من الانهيارات.
كما أن المتضرر من الأزمة الأخيرة ستكون المشاريع التطويرية الكبرى التي لا تزال بحاجة إلى تمويلات من البنوك في الوقت الذي تتعرض فيه البنوك لضغوط سيولة وتفرض عليها المصارف المركزية قيودًا جديدة على عمليات التمويل العقاري بهدف المحافظة على استقرار السوق.
على صعيد آخر، قال بعض الخبراء والمطورين العقاريين إن العقارات في منطقة الخليج تقع في دائرة الزلزال الذي يهز أسواق المال العالمية، لكنهم لا يتوقعون أن يكون له تأثيرات كبيرة ويدعون إلى الترقب.
كما أن الدولار الأمريكي الذي ترتبط معظم العملات الخليجية به يمر بفترة من التقلبات، حيث ارتفع أخيرا إلى أعلى مستوياته هذا العام مقابل اليورو والعملات الرئيسية بعد انخفاض سعر النفط من جهة وتأثر الاقتصادات الأوروبية بالأزمة المالية العالمية من جهة أخرى.
إلا أن المتضرر الأكبر من الأزمة المالية العالمية هي الأسواق المالية الخليجية، وقد خسرت الأسبوع الماضي 20 في المائة من قيمتها، أي ما يقارب 200 مليار دولار من قيمتها السوقية.
ووسط هذه التطورات تساءل كثير من الخبراء عن تأثيرات الأزمة المالية والركود الاقتصادي العالميين في الخطط الخاصة بإطلاق الوحدة النقدية الخليجية، حيث أكد البعض أنه يفترض أن تعجل تلك الأزمة بتنفيذ تلك الخطط نظرا لأن التكامل الاقتصادي الخليجي من شأنه خلق كيان موحد يحمي دول المنطقة من الصدمات الخارجية.
حول المعنى نفسه ذهبت تصريحات السيد ناصر إبراهيم القعود نائب مساعد الأمين العام للشؤون الاقتصادية في مجلس التعاون الذي أكد أن الأزمة المالية الحالية لن تؤخر موعد إطلاق العملة الخليجية الموحدة في 2010، بل على العكس من ذلك قد تسرع بها. وأضاف أن الأزمة ستكون لها تداعيات إيجابية على مسار الوحدة النقدية. وهو التأكيد نفسه الذي سمعه وزراء المالية الخليجيون من مدير عام صندوق النقد الدولي في اجتماعهم خلال شهر أيلول (سبتمبر) الماضي الذي أكد أيضا فوائد الوحدة النقدية في مواجهة الكوارث المالية.
كما أكد الأمين العام لدول مجس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية قبل أيام أن القمة الخليجية المقبلة التي ستعقد في العاصمة العمانية ستعتمد اتفاقية الاتحاد النقدي ومجلس النقد التي أقرها وزراء مالية ومحافظو المصارف المركزية للتعاون في أيلول (سبتمبر) الماضي في جدة. وقد تضمنت الاتفاقية النقدية التشريعات القانونية ولوائح السياسات التي يتطلبها إطلاق الوحدة النقدية مما يعني أن دول المجلس ماضية بالفعل في إنجاز هذا المشروع.
ومع بقاء موضوع دخول الاتفاقية حيز التنفيذ مرتبطاً بمصادقة خمس دول على الأقل من الدول الأعضاء عليها، وكذلك بقاء مقر البنك المركزي الخليجي قضية مؤجلة لحين انعقاد القمة المقبلة، فإن السؤال الطبيعي هو هل يمكن أن تدخل الوحدة النقدية حيز التنفيذ أي عام 2010، مع العلم بأنه من الواضح في ضوء ما سبق أنه لم يتبق سوى أكثر من عام بقليل على هذا الموعد في حين أن تأسيس البنك المركزي وحده ومباشرته أعماله قد يستغرق كل هذا الوقت، فما بالنا بمباشرة تنفيذ ما ورد في اتفاقية الوحدة النقدية من تشريعات وسياسات يراد منها تقريب البيئة والسياسات الاقتصادية والنقدية التي تمهد بدورها لإطلاق مشروع الوحدة النقدية؟ كما تطول نقاط التباين التشريعات اللازمة في المجال النقدي، وصلاحيات البنك المركزي الخليجي، وإنشاء هيئة قضائية كإحدى منظمات مجلس التعاون تسمى "محكمة الاتحاد النقدي". كذلك التباين إزاء معايير الوحدة النقدية الخليجية المتفق عليها والمتمثلة في نسبة العجز في الموازنة ونسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي ونسبة التضخم 2 في المائة، حيث تبرز هذه الخيرة كتحد أمام تفعيل أداء السوق الخليجية المشتركة، ويرتبط التضخم في الخليج بمؤثرات محلية وخارجية، تتمثل الأخيرة في الربط بالدولار المتراجع واضطرار مصارف المنطقة المركزية لخفض فوائدها تماشيا مع قرارات الاحتياطي المركزي الأمريكي.
ويعقب كثير من المحللين أن التعامل مع هذه الخطوات كافة مرتبط بوجود الإرادة السياسية والرسمية للوصول إلى الوحدة النقدية الخليجية عام 2010، فإذا ما توافرت سيكون الوصول ممكنا حتى وإن تأخر قليلا.