هيئة وطنية للكتاب .. جسر لتمكين المعرفة

هيئة وطنية للكتاب .. جسر لتمكين المعرفة
هيئة وطنية للكتاب .. جسر لتمكين المعرفة

عاش محبو العلم والشغوفون بالقراءة، أياما مليئة بالثقافة والمعرفة، ما لبثت أن انقضت سريعا باختتام فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي أسدل الستار على فعالياته هذا العام بإنجازات تاريخية ونقلة نوعية في فعالياته التي بلغت 200 فعالية، وسط حضور تجاوز مليون زائر.
إلا أن المتتبع لإنجازات المعرض، وتباينها ما بين دورة وأخرى على امتداد مسيرته، يلمس الحاجة إلى وجود هيئة أو رابطة، توكل إليها مهام المعرضين الدوليين في الرياض وجدة، لتبني على ما انتهت إليه من إنجازات الدورة السابقة، لا أن تبدأ في كل دورة من الصفر، بعد أن توكل المسؤولية إلى لجان مختلفة في كل مرة.

ابتكار معارض محلية
في جولة لـ"الاقتصادية" في معرض الرياض الدولي للكتاب 2019، رصدت مطالب زوار ومثقفين بإنشاء هيئة للكتاب، بحيث تتولى شؤون المعرض كل عام، بدءا بجائزة الكتاب ولجان التحكيم والشروط الواضحة التي تضمن منافسة عادلة وشفافة، خصوصا فيما يتعلق بآليات الترشيح، مرورا بالخدمات المساندة مثل خدمة "الباركود" لضبط أسعار الكتب وخدمات النقل الترددي واختيار ضيف الشرف والتسجيل الإلكتروني لدور النشر ومنصات التوقيع، وفعاليات البرنامج الثقافي وأركان الطفل، وانتهاء بوضع لمسات تطويرية أسوة بالمعارض الدولية.
وإيمانا بأهمية وجود معارض للكتاب دائمة في المدن السعودية كافة، برزت مطالب بوجود معرض دولي ثالث في بلاد بحجم القارة كالمملكة، بمسمى معرض الشرقية الدولي للكتاب، وابتكار فعاليات ومعارض محلية في المدن والمناطق بإشراف هيئة الكتاب، مواكبة لأهداف "رؤية 2030" في ارتفاع إنفاق الأسر على الثقافة والترفيه داخل المملكة من 2.9 في المائة إلى 6 في المائة، ودعم الموهوبين والمبدعين.
وتحقيقا للهدف نفسه، دعا زوار إلى وجود أكشاك صغيرة أو آلات في المطارات، مثل آلات بيع المأكولات والمشروبات، لبيع الكتب والإصدارات المتنوعة، التي قد توجه فكر القارئ وتبني ذهنه وقراءته للمشهد، وهو دور مهم، ينتظر أن تتبناه الهيئة الجديدة إذا ما أقرت، أو وزارة الثقافة.

ركيزة ثقافية
يقول الكاتب والباحث الدكتور عبدالله القفاري "إن الكتاب، مهما كانت وسيلة إنتاجه، يبقى الركيزة الثقافية الأولى، فهو أول المصادر المعرفية وأكثرها انتشارا وأسهلها اقتناء، وأيسرها تناولا، إلا أن الكتاب يحتاج إلى مشاريع أخرى تتجاوز فكرة التوقف عند معرض كتاب سنوي".
وتابع أن "من أولويات المشروع الثقافي أن يكون الكتاب الجيد متاحا للجميع وبسعر مناسب، بل في متناول أقل الناس إمكانية مادية، فدعم غذاء العقول لن يكون أقل أهمية من غذاء الأجساد، بل إن دعم الأول سيسهم من الوفاء بالثاني". وتبنى القفاري في مقال له، تضمنته نشرة معرض الرياض للكتاب الإلكترونية الأخيرة، مقترحا بإنشاء "هيئة وطنية للكتاب"، لا تتوقف وظيفتها عند حدود تنظيم معارض دولية سنوية للكتاب في مناطق المملكة الرئيسة الثلاث، الشرقية والوسطى والغربية، بل تتجاوزها إلى صناعة الكتاب ذاته، وتوفير مصادر المعرفة لأجيال من القراء، مبينا أن هيئة الكتاب المقترحة يجب أن تسهم في إنتاج المعرفة ذاتها عبر إصدارات الكتب المميزة، أو إعادة إصدار الجيد منها، الذي يتمتع بشروط ومعايير لا بد من مقاربتها.

التجربة المصرية
في مصر تجربة متميزة عبر "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، بهدف إنشاء هيئة ثقافية حكومية تطلع بمسؤوليات وزارة الثقافة في مجال التأليف والترجمة والنشر.
وكان الهدف الرئيس الأشمل لهذه الهيئة هو تضييق الفجوة الثقافية بين مصر وبين شعوب العالم المتقدم، وتطلع بمسؤوليات إعادة طبع ما يمكن تحقيقه من كتب التراث حتى يكون في متناول المهتمين بالثقافة، وتأليف وترجمة الكتب الثقافية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وطبع ونشر وتسويق الكتاب المصري على المستوى المحلي والعربي والدولي.
وتقدم الهيئة خدماتها في مجالات الطباعة والنشر والترجمة، وحتى المعارض، التي حققت فيها نجاحا كبيرا، وتمكنت من إيصال الكتاب إلى محافظات ومدن مختلفة، مثل سوهاج، الأقصر، قنا، أسيوط، دسوق، المنيا، الإسماعيلية، الزقازيق، دمنهور، السويس، طنطا، الإسكندرية والقاهرة.
وقد أحسنت هيئة الكتاب المصرية في دعم الكتب عبر خطوتين مهمتين؛ الأولى إيجاد خصومات غير مسبوقة على دور النشر المختلفة التي يقبل عليها الجمهور، فيما تتجلى الخطوة الثانية في تخصيص جناح كبير للكتب المخفضة التابعة لهيئة الكتاب، تبدأ أسعارها من جنيه واحد فقط.

دعم المبدعين وتكريمهم
اهتمت "رؤية المملكة 2030"، وكذلك وزارة الثقافة باستراتيجيتها الجديدة التي أعلنت أمس الأربعاء، بالمبدعين والموهوبين، وهم ممن يعول عليهم في بناء المستقبل، وتنمية المجتمع معرفيا، لذلك طالت مطالب مثقفين برعاية ودعم إصدارات ومؤلفات الموهوبين، وربما تكون "الهيئة الوطنية للكتاب" الجهة المناسبة لذلك.
فإقامة المناسبات والمسابقات خطوة تفتح الآفاق أمامهم، واكتشافهم في حد ذاته هو أهم الأدوار المنوطة بالهيئة، من خلال التعرف على مواهبهم من خلال لجنة تحكيمية معتمدة، توصي بطباعة الإصدارات الجديدة التي تعلن ميلاد كاتب جديد، وتكريم الجديرين بالتكريم.
وكانت جائزة وزارة الإعلام للكتاب قد وجدت انتقادات فيما يتعلق بآلية الترشيح أو الفئات التي تتناولها، إذ طالب مثقفون في فعاليات معرض الرياض للكتاب التي انتهت أخيرا بوجود لجنة علمية دائمة لجوائز الكتاب، مع مطالب بأن تسعى الجائزة إلى الكتاب والمؤلفين، لا أن تنتظرهم أن يسعوا إليهم بأنفسهم، وأن يطلبوا التأهل والترشح لنيل الجوائز، أسوة بجوائز عالمية، التي تتابع حركة التأليف والنشر، وترشح ما تراه مناسبا، من الإنتاج العلمي والأدبي، مع تخصيص فئة لإصدارات الشباب، خصوصا الكتاب الموهوبين، الذين ترى إصداراتهم النور للمرة الأولى.
أما المعضلة الأكثر جدلا في ملف الكتاب، فهي أسعار الكتب وتوفيرها بالنسخة الإلكترونية، وقد تحدث زوار في معرض الرياض لـ"الاقتصادية" عن حلول لمواجهة مد الثورة التقنية التي تجتاح العالم، بتوفير نسخة إلكترونية على الأجهزة الذكية بسعر رمزي، والطباعة على نوعيات ورق أقل جودة ومنخفضة التكاليف، فيما يعرف بـ"النسخ الشعبية" التي تستهدف محدودي الدخل.

الأكثر قراءة