الخليجيون مطمئنون كثيرا على اقتصادهم ومستوى سيولتهم.. القلق يتركز في العقارات
الجو شديد الحرارة في الخارج، لكن قلة هم الذين يتصببون عرقاً في الممرات الرخامية الهادئة في مركز دبي المالي الدولي، الذي يعد القلب المالي النابض لمنطقة الخليج الغنية بالنفط، رغم انهيار وول ستريت.
المصرفيون والمحامون يجلسون في المقاهي والمطاعم، متراجعين خلف الستائر التي تحمي المسلمين الصائمين من إغراء القهوة أو النودلز.
يشعر الأكثرية بالصدمة من سرعة الضربات التي تتعرض لها الأسواق الغربية وتأميم أكبر الأسماء في عالم المال. ويعبرون أيضاً عن الارتياح لأن أعمالهم في المنطقة مهيأة للنمو وسط الانكماش الاقتصادي العالمي المقبل. يقول أحد التنفيذيين الذي ما زالت شركته توظف أعداداً كبيرة من الناس لمواكبة حجم العمل: "هنا أفضل من هناك". ويقول مسؤول تنفيذي كبير في أحد البنوك الأوروبية: "إن السير الذاتية تنهال علينا".
على أن الفكرة القائلة إن منطقة الخليج محصنة تعرضت لهزة كبيرة. لقد قال حاكم إمارة دبي في الأسبوع الماضي إن اقتصاد الإمارات لن يتضرر لأن معظم استثماراته محلية وليس في الأسواق الخارجية المضطربة. ولكن هذه النظرة المتفائلة تتناقض مع التراجع الكبير الذي شهدته أسواق الأسهم المحلية وأسواق التعامل بين البنوك التي تتعطش إلى السيولة، ولكن المحللين اعتبروا كلماته بمثابة دعوة واضحة لتحويل مزيد من الإيرادات النفطية للمنطقة إلى اقتصاداتها.
يقول كريم سويعد، المدير الشريك لشركة جروث جيت كابيتال للشراء الشامل:" إنها طريقة لبناء الثقة في المنطقة، طريقة توضح للمستثمرين أن التركيز منصب على منطقة الخليج، وأن النمو سيتواصل على النحو المعتاد".
ولكن البنك المركزي للإمارات، وفي ضوء خسائر السيولة الكبيرة في نظامه المصرفي المحلي قال يوم الإثنين إنه سيوفر 50 مليار درهم (13.6 مليار دولار، 9.3 مليار يورو، 7.4 مليار جنيه استرليني) للبنوك. وإذا استخدم هذا المبلغ فسيكون أكبر تدخل للسلطات من نوعه منذ حرب الخليج الأولى.
وفي حين أن الكويت أكثر تفاؤلاً بشأن مستويات السيولة، فهي تقول بدورها إنها يمكن أن تتدخل إذا لزم الأمر. وفي الأسبوع الماضي، تدخل صندوق الثروة السيادية التابع لها لوقف تراجع سوق الأسهم في البلد.
إن المفارقة المتمثلة في تأثر منطقة الخليج الغنية بالنفط بأزمة السيولة لا تخفى على أحد. فمع تشديد البنوك المركزية لمتطلبات الإقراض هذا العام بهدف التغلب على ارتفاع التضخم، راهن المستثمرون الدوليون على قيام البلدان الخليجية بفك ارتباط عملاتها بالدولار أو بإعادة تقييم عملاتها.
ومع تراجع هذا الاحتمال، خرجت مليارات الدولارات من المنطقة وبدأت الأزمة الدولية تفعل فعلها. فقد جفت سوق التعاملات بين البنوك في الأسبوع الماضي، وارتفعت الفروقات بين مديونية الشركات على نطاق المؤسسات الإقليمية.
ويقول القائمون على البنوك المركزية إنهم سيتخذون الإجراءات القانونية اللازمة بحق البنوك المحلية التي تغالي في انكشافها للسوق العقارية. وعلى هذا الصعيد، قال مصرفي يوجد مقره في دبي: "إن تراجع الأسواق العقارية يعد مبعث قلق كبير: وسيكون لقطاع العقار تداعيات على العمل المصرفي، وعلى المستهلكين وعلى كل شيء. وإذا تواصلت الإجراءات التصحيحية في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وروسيا والصين، فمن المرجح أن تتخذ الأسواق هنا أيضاً إجراءات مشابهة".
ويستمر شعور العديد من المحللين بالقلق بسبب التراجع الذي كان أكبر من المتوقع بالنسبة لسوق دبي العقارية النشطة، رغم أن شركات التطوير العقاري الحكومية يمكن أن تتحوط لأي إجراء تصحيحي عبر تقليص المعروض. وما زالت معظم الدراسات تتوقع استمرار ارتفاع الأسعار قبل أن تبلغ ذروتها في العام الماضي. إن الاحتياطيات المالية الضخمة التي نجمت عن أطول فترة يستمر فيها ارتفاع سعر النفط في التاريخ ما زالت توفر وسيلة تحوط ممتازة لصناع السياسات في المنطقة. قد تتجنب صناديق الثروة السيادية التي تنمو باستمرار والتي تعود للمنطقة وضع مزيد من الاستثمارات في الموجودات المالية الغربية، ولكنها تنظر بجد إلى الموجودات العقارية المكروبة في الوقت الذي تواصل فيه غالبية الشركات الخليجية الغنية بالأموال النقدية الاستثمار في الخارج غير مبالية بالمناخ الاقتصادي الكئيب على المستوى العالمي.
ولطالما كانت ثروات المنطقة رهينة لتقلبات أسعار النفط التي ما زالت متماسكة. يقول عمر سليمان، محافظ مركز دبي المالي الدولي:" ما زالت الأساسيات قوية".
ورغم ذلك، فإن التراجع الحاد الذي شهدته أسعار النفط في الأسبوع الماضي إلى 90 دولاراً للبرميل ذكّر صناع السياسة في المنطقة بالعلاقة المباشرة بين إيرادات حكوماتهم وبين الاقتصاد العالمي. ولكن مونيكا مالك، الاقتصادية التي تعمل لدى بنك EFG Hermes للاستثمار الإقليمي تقول إنه حتى لو تباطأ الاقتصاد العالمي، سيظل سعر برميل النفط فوق مستوى 60 إلى 65 دولاراً، الأمر الذي يوفر للحكومات الخليجية مجالاً لزيادة الإنفاق.
"فايننشيال تايمز" خاص بـ "الاقتصادية"