أسبوع هز النظام في جوهره.. الأزمة بعيدة عن نهايتها
فشل مصرفي مزلزل، وعمليات استيلاء إنقاذية لأسماء قديمة ومهيبة في وول ستريت، وفي الحي المالي لمدينة لندن، وتشريعات بالغة القسوة، وعمليات إنقاذ مالي حكومية شاملة للنظام المالي الأمريكي، وكان كل ذلك نتيجة حتمية للأزمة الائتمانية، ولم يعتقد أحد أنها ستحدث في الأسبوع ذاته.
يقول المستثمرون إن الأزمة المالية لا يمكن أن ينتهي حتى يكون هنالك حدث منفرد مؤلم إلى حد لا يعتقد معه أحد أن الأمور يمكن أن تزداد سوءًا، وقال أحد كبار مديري صناديق التمويل في المملكة المتحدة أمس "إذا لم يكن هذا الأسبوع هو ذروة الأمر والخلاص، فإنني لن أستطيع تحمل التفكير فيما يمكن أن يأتي".
بدأ الأسبوع بالموت السريع لبنك ليهمان برذرز في آخر عطلة نهاية أسبوع، حيث فقد هذا البنك الذي عمره 158 عاماً في وول ستريت، ثقة القطاع المالي يوم الجمعة، وكانت الآمال تنعقد على أن من المحتمل إنقاذه من جانب بانك أوف أمريكا، أو بنك باركليز في المملكة المتحدة.
غير أن المزاج ساء بسرعة صباح يوم الأحد في الولايات المتحدة حين اتضح أن الحكومة الأمريكية لم تكن راغبة في منح المنقذين المحتملين لبنك ليهمان برذرز، الضمانات المالية التي كانوا يطالبون بها كشرط لإتمام أي صفقة، وكان لا بد من وجود واقع تسمح فيه الحكومة الأمريكية بفشل مؤسسة، وكان ذلك هو وقت هذا الأمر.
تم الإعلان عن إفلاس ليهمان في ذلك المساء تاركاً نظراءه الكثر يتدافعون لإصلاح انكشافهم، وجرى تضخيم إحساس الأزمة فوراً من خلال الأنباء الباعثة على الصدمة بأن ميريل لينش "القطيع المرعد" في وول ستريت الذي يعتبر شعاره المندفع رمزاً للثقة والقوة في النظام المالي الأمريكي، سارع لبيع نفسه لبانك أوف أمريكا.
وتحولت اثنتان من الشركات التي كانت مصدر فخر لـ "وول ستريت" إلى ماض ٍ تاريخي في غضون ساعات، واستيقظت لندن صباح الاثنين على مشهد العاملين في ليهمان وهم يغادرون مكاتبهم، ويحملون حاجاتهم الخاصة في صناديق. وعانت الأسهم الأمريكية من أكبر سقوط يومي لها منذ الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، وسط هلع منتشر.
غير أنه كان هنالك بالفعل شبح جديد يعتري الأسواق، ويهدد بجعل انهيار ليهمان وكأنه مشكلة محلية صغيرة، وتمثل ذلك في احتمال فشل المجموعة الأمريكية الدولية، التي كانت في السابق أكبر شركة تأمين في العالم من حيث القيمة السوقية، كما أنها مؤسسة تصل نشاطاتها كل ركن منعزل، وكل زاوية مظلمة في النظام المالي العالمي.
كان فشل مثل هذه المؤسسة ذات الارتباطات الدولية أشد رعباً من إمكانية التفكير فيه. وقدم الاحتياطي الفيدرالي ليلة الثلاثاء تسهيلات تمويلية بمبلغ 85 مليار دولار لتمكين المجموعة الأمريكية الدولية من البقاء.
إن أي إحساس بالراحة كان سريع الزوال، حيث عانى بنك HBOS، وهو أكبر مقرض عقاري في المملكة المتحدة، من تراجع نجم عن بيع سريع لأسهمه. وبدأ أصحاب الودائع المرعوبون بسحب أموالهم، وكانت المملكة المتحدة تواجه أزمة نورثرن بانك أخرى، ولكن على نطاق أوسع بكثير.
وكانت قيمة أسهم HBOS صباح الأربعاء تتراجع سريعاً، كما كان من المتوقع اصطفاف أصحاب الودائع أمام أبواب البنك لسحب أموالهم. وتسربت أنباء عن استيلاء إنقاذي من جانب منافسه، بنك ليلويدز تي إس بي.
إن القوة المجتمعة لهذين البنكين تعني أنه لم يكن من الممكن السماح بمثل هذه الصفقة في الأوقات العادية. غير أن الحكومة البريطانية نشطت في دفعهما للاندماج.
كانت الأسواق المالية وسط إعصار. وقفزت تكاليف التأمين ضد العجز عن الوفاء بالنسبة للديون المالية إلى مستويات قياسية فيما يتعلق بالبنكين المشابهين، "جولدمان ساتش"، و"مورجان ستانلي"، وهما آخر بنكين استثماريين مستمرين في "وول ستريت".
قال أحد المصرفيين الاستثماريين المخضرمين الذي عايش عدداً من الأزمات المالية، "لم يسبق أن تحرك هذا العدد الكبير من المؤشرات باتجاه الهبوط خلال مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة".
جاء يوم الخميس أخيراً بجرعة متعددة من الراحة، والإنقاذ، حيث ضخ الاحتياطي الفيدرالي 180 مليار دولار إضافية في النظام، أزالت المملكة المتحدة قوة قادرة وفاعلة كانت تسحب أسواق الأسهم إلى الأسفل، وذلك بحظرها للبيع المكشوف للأسهم المالية، هذه العملية التي يبيع من خلالها المستثمرون أسهماً مقترضة.
وبعد عدة ساعات كشفت وزارة الخزانة الأمريكية عن خطة لإنشاء أداة ترعاها الحكومة لشراء ديون الرهن السيئة من البنوك، واستعادة الثقة في النظام.
بينما شهدت الأسواق ارتفاعاً صباح الجمعة، كان هنالك دعم جديد من جانب وزارة الخزانة الأمريكية بمبلغ 50 مليار دولار في صورة برنامج تأمين مؤقت للأموال في الأسواق المالية.
غير أنه رغم ذلك، فإنه لم يقتنع الجميع بعد بأن الأزمة بلغت أدنى قعر يمكن أن تصل إليه.
وقال المصرفي الكبير في وول ستريت "إن الأزمة بعيدة عن نهايتها، وإن الإجراءات الحكومية ستمنح البنوك بعض الوقت، ولكن عليها أن تتحرك بحزم، وإلا فإنها ستجد نفسها في وضع حتى أسوأ من الوضع الراهن بكثير خلال أشهر قليلة".
"فاينانشيال تايمز" خاص بـ "الاقتصادية"