ما وراء التعامل: المزاوجة بين الثروة الإسلامية وإدارة الموجودات

ما وراء التعامل: المزاوجة بين الثروة الإسلامية وإدارة الموجودات

المصرفية الإسلامية الخاصة ليست مجرد شبكة تجزئة، أو مجموعة صغيرة من الصناديق ذات التفكير المتماثل، وعليها ملصق مكتوب عليه "منتجات شرعية".

المصرفية الإسلامية تمر الآن بوضع يؤهلها للتحرك "إلى ما وراء المعاملة التجارية البنكية"، في الوقت الذي تبذل فيه ما في وسعها للتعامل مع فترة نمو لم يسبق لها مثيل من قبل. فهي تتطور على نحو سريع من كونها سوقاً متخصصة ضمن النظام المصرفي العالمي لتتخذ مساراً يمكن أن يصبح – خلال الجيل المقبل – مساراً موازياً للخدمات المالية التقليدية. وبالتأكيد فإن أعمال إدارة الموجودات ستُدخِل في حساباتها هذا التحول، في الوقت الذي يضم مستشارو الثروات صفوفهم إلى صفوف المستثمرين المسلمين في سبيل منفعة المحافظ الاستثمارية الكامنة فيها.
في رأيي، إنه لا يزال على صناعة المصرفية الإسلامية أن تركز على إدارة الثروات والموجودات، لأن إدارة الثروات تتطلب تجزئة أفضل لقاعدة العملاء التي تتألف من المستثمرين الأفراد. كما أن إدارة الموجودات تتطلب قدراً أكبر من الأفكار المباشرة والسريعة في مجال المنتجات. والملاحظ أنه لا المطلب الأول ولا الثاني لهما وجود واسع ضمن صناعة المصرفية الإسلامية في الوقت الحاضر.

على العكس من ذلك، فإن هذين النظامين الاستثماريين غُيِّبت معالمهما بفعل النمو الذي لم يسبق له مثيل في فائض المدخرات في كل من: جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط. وبالتالي فإن هذا الافتقار النسبي إلى الانتباه حتى هذا التاريخ لإدارة الثروات والموجودات يخلق فرصاً لنمو قطاعات مربحة في الأعمال بين المؤسسات التقليدية القائمة والمؤسسات الجديدة الملتزمة بالأحكام الشرعية.
هذه الساحة مألوفة لأي شخص يتمتع بخبرة واسعة في الصناعة. مع ذلك فحتى تؤتي هذه المجموعة المتنوعة من إدارة الثروات والموجودات الإسلامية أُكُلها، فإن هذا يتطلب فعلاً من المنظمات الملتزمة بالأحكام الشرعية أن تفكر في دلالة "الحلول" وليس مجرد إطلاق منتجات والترويج لها. وفي رأيي أن هناك مفارقة من حيث إن فكرة تقديم الأموال الاستثمارية (1) لتحقيق المتغيرات التنويعية العالمية. (2) تنفيذ قرارات تخصيص الموجودات، هذه الفكرة تبدو في الوقت الحاضر غريبة عن العالم الإسلامي، الذي تضرب في جذوره تقاليد البحث والمناظرة.
وبالنسبة لأعمال المصرفية الإسلامية الخاصة، أي المزاوجة بين إدارة الثروات والموجودات، فإنها يمكن بكل سهولة أن تتوسع إلى ما وراء الإطار المحلي المبكر الذي شهدناه في الخليج العربي وجنوب شرق آسيا. ومن المناهج الفعالة في هذا المقام العثور على سبل لتعزيز التوزيع الدولي، وإطلاق منتجات ذات توجه عالمي، وتعزيز الصدقية المتعددة الأطراف. وبالتأكيد فإن المصرفية الإسلامية الخاصة ليست مجرد شبكة تجزئة، ومجموعة صغيرة من الصناديق ذات التفكير المتماثل، وعليها ملصق مكتوب عليه "منتجات شرعية". وكلما أسرعت صناعة المصرفية الإسلامية في اعتناق العولمة، ازداد وضوح الفرص التجارية المتاحة لها حين يهدف المصرفيون الإسلاميون إلى التنافس مع الأسماء التقليدية من حيث السعر والعراقة والأداء.
وأنا أقر أن الابتكار ليس دائماً مجدياً أو مناسباً من الناحية التجارية. وستجد كثير من الشركات أن من الأجدى لها عرض منتجات عامة للوفاء بتوقعات السوق. وبالنسبة للسياق، يخطر على بالي ما رأيته أثناء زيارة قمت بها في الفترة الأخيرة إلى محل للهدايا والتحف في جوجارات في الهند، حيث كانت هناك لوحة تقول بكل افتخار "منتجات يدوية فريدة". وبعد أن تجولت في المحل ورأيت ما لديه من بضاعة قلت لصاحبه إن كثيراً من منتجاته يمكن شراؤها في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا. فأجاب بكل هدوء واتزان: "بعض الأشياء لها قيمة تجارية عالية في مخزوننا من البضائع".
أحد المكونات الغائبة ولكنها لازمة لتطوير صناعة مصرفية إسلامية حقيقية يشتمل على إعداد أفكار نيرة في استراتيجية الاستثمار وكذلك أدوات تحليلية للمحافظ الاستثمارية. أنا لا أعترض على الفكرة القائلة إن النمو الكبير عمل على إخفاء الحاجة إلى أبحاث من هذا القبيل. ولكنني أتحدى أية مؤسسة تطمح إلى أن يكون لها شأن في هذا القطاع أن تبدأ في التصدي لقضايا من قبيل "القدر الأمثل من الانحراف الوسطي" variance optimization أو "الأثر المبالغ فيه للسوق المحلية" home-market bias أو "استراتيجيات التخصيص العالمي"في سياق إسلامي. لم يسبق لي أن اطلعت على عمل منشور في هذه المجالات، دع عنك أن يكون هناك جدال ونقاش بشأنها.
الشركة التي تريد أن تكون ذات كفاءة عالية في مجال المصرفية الخاصة هي شركة تقوم على الأبحاث وتستجيب للسوق. وبالتأكيد فإن المقدرة على عرض عملية التخطيط للمحافظ ستساعد على ضمان الاستقرار والنمو ضمن قاعدة عملاء الشركة. ففي إحدى شركات الاستثمار التقليدية التي كنت أعمل لديها في التسعينيات، كان لدينا عملية تتألف من سبع خطوات لإعداد المحفظة الاستثمارية للعملاء من أصحاب الثروات الكبيرة، حيث كنا نعالج مواضيع مثل تحديد الأهداف الاستثمارية، والأفق الزمني، وتحديد المزيج المناسب من الموجودات، واختيار الأدوات الاستثمارية المحددة للتنفيذ. لا يجوز صرف النظر عن هذه التحليلات وكأنها مجرد "أصوات يصدرها فريق المبيعات". إن التأكد من التوقعات حول تغير ظروف الثروة، وكذلك التقلبات والتحولات في الاقتصاد العالمي ومشهد السوق، كل ذلك يساعد على ضمان حوار نشط بين الشركة والعملاء، ويضمن كذلك الرسوم والأتعاب التي تأتي معه.
إن محاولة سد الفجوة في هذا الدور الإرشادي تعاني بلا شك مشكلة أيهما أسبق، البيضة أم الدجاجة؟! في حين أن إدارة الثروات الإسلامية هي عمل يزداد جاذبية، إلا أن الصناعة لا تستطيع أن تصل إلى النشاط المؤثر دون وجود نطاق واسع من المنتجات. ومع ذلك فإن القدرة على زيادة نطاق وآفاق عالم المنتجات يحول دونه الطلب الضعيف من الإدارة غير المتطورة لإدارة الثروات الإسلامية.
إن إرساء وتعميق منظور تحليلي متطور، وتوصيله للآخرين، لديه القدرة الكامنة على دفع تطوير المنتجات واستراتيجيات اجتذاب العملاء. ولكن هذا يتطلب موظفين على درجة من المهنية والحرفية لديهم أفق واسع ويفكرون للأمام بنشاط. والمسائل التي تخطر على البال في الوقت الحاضر تراوح من اللولب التضخمي المتصاعد بفعل النفط وأثره في المحافظ، إلى الأثر المحتمل لاندفاع الدولار على العملات في المحافظ، إلى فك الارتباط (أو إعادة الارتباط) بين اقتصاديات الأسواق الناشئة والاقتصاد الأمريكي. وربما تختار الشركات، استناداً إلى موقع الكفاءات ضمن المنظمة، أن تضع هيئة تطوير المنتجات، إما في قسم إدارة الموجودات أو قسم إدارة الثروات.
أود أن أختتم ملاحظاتي بدعوة للتحرك موجهة إلى صناعة المصرفية الإسلامية ككل. نحن في حاجة إلى مناهج ذات طبيعة استراتيجية أكثر من المناهج التكتيكية (أو الشعورية) في سبيل بناء مشروع المصرفية الخاصة. ومن الخطوات الأساسية في هذا المقام هو أن تمول البنوك الإسلامية وتخصص ميزانيات للأبحاث أكبر مما هي عليه الحال الآن، ليس بصفتها مركز تكاليف، وإنما كسبيل للإسهام في الأرباح على مستوى الشركة. خطوة أخرى ربما تكون خلق إدارة تسويقية حقيقية، يعتبر فيها فريق المبيعات مجموعة تابعة للإدارة وليس العكس. وهناك خطوة أخرى فوق ما تقدم، وهي عرض نطاق واسع يتزايد باستمرار من المنتجات الاستثمارية الإسلامية المبتكرة، وليس المنتجات المثيرة للجدل.
الخيط المشترك الذي يربط هذه المقترحات معاً هو فرض الانضباط المهني، سواء كانت قائماً على المنهج التحليلي، أو على مستوى المنظمة بكاملها، أو قائماً على أساس تطوير المنتجات. ومن رأيي أن هذا الانضباط هو السبيل إلى النجاح على المدى الطويل في صناعة المصرفية الإسلامية.

*المدير التنفيذي لشركة كاليس الأمريكية

الأكثر قراءة