إنه يوم مختلف جدا.. مؤسسة الوسيط - التاجر تقضي نحبها
يبدو الأمر في بعض الأحيان وكأن فترة العقدين من الزمن اللذين قضيتهما كصحافي متخصص في القطاع المالي، ذهبت وأنا أشاهد البنوك الاستثمارية، أولاً في لندن، ومن ثم في نيويورك، إما وهي تنهار، وإما يتم الاستحواذ عليها: بارينجز، إس جي ووربورج، جيه بي مورجان، بير شتيرنز، والآن ليهمان بروذرز، وميريل لينش.
غير أن هذا الأحد كان مختلفاً لأنه لم يشهد فقط نهاية ليهمان، واستسلام ميريل، وإنما أيضاً آخر نفس للبنك الاستثماري المستقل ذاته. وتم افتتاح مورجان ستانلي في وول ستريت يوم الإثنين 16 أيلول (سبتمبر) 1935، وبعد 73 عاماً، إلى قرابة هذا اليوم، فإن مؤسسة الوسيط – التاجر قضت نحبها.
يعد جولدمان ساتش، ومورجان ستانلي آخر المعاقل من بين البنوك الاستثمارية المستقلة في وول ستريت (على الرغم من أن مورجان ستانلي تم بيعه مرة في الماضي إلى دين ويتر في عام 1997). وإلى متى سيزدري هذان البنكان دعم رأس المال لبنك تجاري، فهو أمر سنعرفه لاحقاً.
ستكون هناك بطبيعة الحال بنوك استثمارية في المستقبل. ولكنها ستكون أصغر حجماً، ومؤسسات متخصصة، مثل البنوك التجارية القديمة. وثمة كثير من الشركات الاستشارية، وصناديق التحوط، وصناديق الأسهم الخاصة، وهذا الانهيار لوول ستريت سيخلق مزيدا منها، وإن جميع أولئك الخبراء الماليين العاطلين عن العمل، سيكونون بحاجة إلى عمل شيء ما.
إن الخدمات الكاملة للبنك الاستثماري المتمثلة في شراء وبيع الأسهم والسندات للزبائن، فضلاً عن تقديم المشورة للشركات، والتداول برأسماله الخاص، أصبحت منتهية. ومن أجل توليد العوائد اللازمة لمضاهاة المؤسسات الأكبر، فإن البنوك مثل ليهمان، انطلقت بسرعة في اتجاه اتخاذ المخاطر، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى غرقها.
إن وسطاء الأسهم أمثال مورجان ستانلي تم دفعهم خارجاً على عاتقهم بواسطة قانون جلاس ستيجال لعام 1933، الذي فرض فصل البنوك عن البنوك الاستثمارية. وعلى الأرجح مصيرها انتهى في الأول من أيار (مايو) 1975، عندما تم إلغاء العمولات الثابتة على التداول بالأوراق المالية، الأمر الذي قلل العوائد على الوساطة.
قالت مجلة "تايم" في ذلك العام: "بالنسبة لوسطاء الأسهم، فإن الأول من أيار (مايو) لا يعني أكثر من مجرد إلغاء للنظام الذي أثراهم في الأوقات الجيدة، وأنقذ كثيرين منهم خلال الفترات الطويلة لركود السوق". وكانت البنوك الاستثمارية تعتمد على هذه العمولات خلال الركود المالي في أعقاب أزمة النفط عام 1973.
مضت البنوك الاستثمارية لتتمتع بـ 30 عاماً من الازدهار. ونمت بسرعة، وأخذت آلاف من الموظفين، وتوسعت في شتى أرجاء العالم. واجتاحت شركات وول ستريت الكبيرة المركز المالي للندن خلال التسعينيات، واختارت بنوكاً تجارية أرخص، مثل ووربورج، وشرودرز، أثناء مسيرها.
على أية حال، كانت تعمل تحت السطح، على زيادة اتخاذها للمخاطر تدريجياً. وكان من الصعب على نحو متزايد أن تحافظ على أنفسها ببيع الأوراق المالية – جوهر أعمالها التقليدي- لأن العمولات تقلصت إلى أجزاء من النسبة المئوية لكل نقطة في كل صفقة تداول. وبناءً عليه اضطرت إلى البحث في أماكن أخرى لتحقيق أرباحها.
بدأت بالمجازفة أكثر برأسمالها الخاص (وفيما بعد بأموال الآخرين). وكانت شركة سلمون بروذرز رائدة فكرة امتلاك مكتب تداول بالملكيات، حيث كانت تجازف بأموالها الخاصة على التحركات في الأسواق في الوقت ذاته الذي كانت فيه البنوك تشتري وتبيع الأوراق المالية نيابة عن زبائنها.
أصرت البنوك على أن إجراءاتها للحماية من أجل منع تسرب المعلومات الداخلية عن زبائن إلى المتداولين بالملكيات الخاصة بها، كانت قوية. ولكن لم يكن هناك أدنى شك أن وجودها "في التيار" أعطى مكاتب التداول في البنوك الاستثمارية ميزة خاصة. وأصبحت أرباح التداول التي حققها جولدمان ساتش موضع حسد منافسيه.
توسعت البنوك الاستثمارية أيضاً ليشمل عملها الاكتتاب، وبيع الأوراق المالية المعقدة، مثل التزامات الدين المضمونة. وساعدها على ذلك قرار الاحتياطي الفيدرالي تخفيض معدلات الفائدة الأمريكية بشكل حاد بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001. وأطلق ذلك الأمر طفرة في قطاع الإسكان، وفي الأوراق المالية المتعلقة بالقروض العقارية.
كانت الخدعة هي أن البنوك الاستثمارية كانت تأخذ ما اتضح أنه مجازفات تهدد حياتها. ولم يكن لديها ما يكفي من رأس المال للتأقلم مع النكسات القاسية في سوق الإسكان، أو الأسواق عموماً. وعندما حدثت تلك النكسات، انتهى الأمر بثلاثة من أكبر البنوك الاستثمارية الخمسة، وهي ينقصها رأس المال، والثقة.
يترك ذلك كلا من جولدمان، ومورجان ستانلي، في دائرة الضوء. ويمكن أن يتمتع أي بنك بالمهارة العالية في إدارة المخاطر والتداول، كما أثبت جولدمان. ومع ذلك فإن أي خطأ كبير وحيد، كما شهدنا الآن، يمكن أن يشعل دوامة مميتة. وحتى ضمانة الاحتياطي الفيدرالي بتقديم تمويل قصير الأجل لم تستطع إنقاذ ليهمان من الفصل 11 المتعلق بالحماية من الإفلاس.
يبدو لي شخصياً أن أمام جولدمان ومورجان ستانلي خياران. أحدهما هو أن يحذوا حذو ميريل، والبيع إلى بنك تجاري كبير يملك رأسمالا كبيرا، وقاعدة إيداع. ومن شأن ذلك أن يوفر لهما الدعم الكافي لأقسام أسواق رأس المال الخاصة بهما، والذي يمكن أن يكون مركزاً لتوليد العوائد والأرباح في الأوقات الجيدة.
الخيار الثاني هو تقليص الأقسام بشكل كبير، أو التخلي عن أذرع الوسيط – التاجر، ويصبحا على نحو أكثر مثل صناديق التحوط الكبيرة، أو صناديق الأسهم الخاصة. وفي لغة وول ستريت، فسوف ينطوي ذلك على التحول من جانب البيع، إلى جانب الشراء، حيث يتم الآن جني معظم الأموال. ومقابل أن يصبحا أصغر حجماً بكثير، فربما يبقيا هوامشهما عالية.
واعتقد شخصياً أن مورجان ستانلي سوف يختار الأمر الأول، وسيختار جولدمان الثاني. وإنه لأمر محزن أن تشهد 73 عاماً من تاريخ المصرفية الاستثمارية وهي تنتهي بهذه الطريقة، ولكن لا فائدة من إنكار الأمر، وداعاً لكل ذلك.