الـبـيــوت
البيوتُ طيورٌ تزقِّم أفراخها لوعةً
كلَّما ابتعدوا عن حديد شبابِيكها المائِلهْ
والبيوتُ جسورُ الحنينِ التي تصل المهدَ باللَّحد،
ريشُ المغامرةِ الأم،
طينُ التكاثرِ،
سرُّ التماثلِ بين الطبيعةِ والطبعِ،
بين الجنازةِ والقابلهْ
والبيوتُ سطورٌ يؤلِّفنا بحرها كالقصيدة
بيتاً فبيتاً
لكي نزنَ الذكرياتِ بميزانها
كلَّما انكسر اللّحنُ
أو تاهت البوصله
والبيوتُ جذورٌ
تعود بسكَّانها دائماً
نحوَ نفسِ المكانِ الذي فارقوهُ
لتعصمهمْ شمسُها من دوارِ الأعالي
ومن طرقاتٍ تشرِّدهم في كسورِ المكانْ
والبيوتُ زمانْ يقسِّمُ دقَّاتهِ بالتساوي على ساكنيهِ،
لكي يسبحوا بين بيتين:
بيتِ الوجودِ وبيتِ العَدَمْ
وكي يعبروا خلسةً
بين ما يتداعى وما يلتئمْ
والبيوتُ رَحِمْ تَوْقُنا للإقامةِ في أرخبيلِ النعاس،
للتَّماسِ مع البحرِ من دون ماءٍ
لكي نتشاكى حرائقنا الأوَّليَّةَ،
أو نتباكى على زمنٍ لن يعودَ إلى الأرضِ ثانيةً،
والبيوتُ فراديسُنا الضائعهْ
تواصَوْا إذن بالبيوت
احملوها، كما السلحفاةُ، على ظَهْرِكُم
أين كنتُمْ وأنَّى حَلَلْتُمْ
ففي ظلِّها لن تضلُّوا الطريق إلى برَّ أنفسِكمْ،
لن تملُّوا حجارتها السُّود
مهما نأتْ عن خطاكم مسالكُها اللولبيَّةُ،
لن تنحنوا فوق مهدٍ أقلَّ أذيَّ من قناطِرِها المهملهْ
ولن تجدوا في صقيعِ شتاءاتكمْ
ما يوازي الركونَ إلى صخرةِ العائلهْ
وحريرِ السُّكوتْ
تواصَوْا إذن بالبيوت استديروا،
ولو مرَّةً، نحوها
ثمَّ حُثُّوا الخطى
نحو بيتِ الحياة الذي لا يموتْ.