إلى وزير التعليم مع التحية
في البداية أقدم التهاني للدكتور حمد آل الشيخ وزير التعليم على الثقة الملكية. وما يرفع سقف طموحاتنا في تطوير التعليم أن الوزير من المميزين في مجالات: الاقتصاد، والتعليم، والتنمية، ويمتلك خبرات واسعة ومتنوعة ما بين البحث العلمي، والإدارة، والجودة والاعتماد الأكاديمي، والفكر الاستراتيجي، إلى جانب تجربته الثرية في عمله السابق نائبا لوزير التعليم ومستشارا في الديوان الملكي. وعلى الرغم من إمكاناته العالية وآمالنا الكبيرة في إنجازاته، فمن المتوقع أن يواجه تحديات كبيرة، كونه على رأس أكبر وزارة، بل من أكثر الوزارات أهمية، إن لم تكن الأهم، لأن تنمية الإنسان هي الأهم في تعزيز التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد المعرفي.
لأهمية وزارة التعليم وعلاقتها بكل أسرة في المجتمع السعودي، فإنها شأن عام، واهتمام شائع لجميع آباء وأمهات التلاميذ وطلاب الجامعات، لذلك سأحاول التركيز على موضوعات ربما لم تبرز على وسائل الإعلام، وهي على النحو التالي:
أولا: البحث في المملكة يمكن أن يشبه بالبحيرة الكبيرة ذات العمق الضحل، فالحاجة ماسة إلى زيادة عمقها. لذلك أدعو إلى الاهتمام بجودة البحث العلمي وتشجيع التركيز على الأولويات التنموية الوطنية. وهذا يقودنا إلى أن هيكلة البحث العلمي غير واضحة المعالم في الجامعات وتتعدد أطرافها، ما يسبب ازدواجية في أعمالها وبالتالي هدر للموارد المالية والبشرية. بناء عليه، الحاجة ماسة إلى استراتيجية شاملة للبحث العلمي في المملكة تشمل الجوانب الثقافية والاجتماعية والتنموية، إلى جانب العلوم والتقنية.
ثانيا: لا شك أن جودة البحث العلمي تعتمد على النزاهة في البحث العلمي، فكلما كان الالتزام كبيرا بأخلاقيات البحث العلمي، ارتفعت جودة مخرجاته وازداد مردوده على المجتمع. وعلى الرغم من مبادرات بعض الجامعات باعتماد مواثيق لأخلاقيات البحث العلمي، وفي مقدمتها جامعة الملك سعود، فإن هناك تفاوتا كبيرا فيما بينها، ما يتطلب وجود ميثاق موحد لأخلاقيات البحث العلمي على مستوى الجامعات السعودية لتعزيز النزاهة في ممارسة البحث العلمي. ومما يرفع جودة البحث العلمي ويزيد مردوده الاجتماعي، دعم وجود مؤشر عربي أو سعودي للاستشهاد Citation Index للبحوث المنشورة باللغة العربية، وذلك أسوة بالأمم الأخرى.
ثالثا: التعليم ــ كما يقال ــ هو المفتاح السحري للتنمية، لذلك فإن الطموحات كبيرة في رؤية نتائج ملموسة لجهود تطوير التعليم. ويتساءل الكثيرون عن مخرجات مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم الذي أطلق قبل سنوات، آمل أن يحظى موضوع تقييم الإنجازات في مشروعات الوزارة باهتمام الوزير من منطلق الشفافية والحوكمة.
رابعا: آلية اختيار مديري الجامعات من الأمور المهمة جدا، فمع الاتجاه نحو استقلالية الجامعات، فإن من المناسب تطوير آلية اختيار مديري الجامعات، وفي سياق اختيار القيادات الجامعية، نهجت جامعة الملك سعود أسلوبا مميزا في اختيار عمداء الكليات ينبغي أن يستفاد منه ويحتذى به. باختصار شديد، تقوم لجنة اختيار العمداء بالجامعة بفتح باب الترشيح لعمادات الكليات خلال فترة محددة، وبعد انتهاء فترة الترشيح، تقوم اللجنة بفرز الترشيحات وتقييمها بناء على سيرة المرشح ورؤيته التطويرية، ثم تدعو المرشحين المؤهلين لعقد لقاء مع أعضاء اللجنة لاستعراض وضع الكلية ورؤية المرشح حول تطوير تلك الكلية، وبعد تقييم المرشح ــ إلكترونيا وبشكل سري ــ من قبل أعضاء اللجنة، ترفع اللجنة أسماء ثلاثة مرشحين إلى صاحب الصلاحية. ولا شك أن استحداث نظام أو إجراءات مؤسسية مشابهة ستدعم القرار وستسهم في اختيار الأفضل من الرجال والنساء لإدارة الجامعات.
خامسا: لا يمكن لأي جامعة أن تنهض بمخرجاتها، إلا من خلال استقطاب أعضاء هيئة تدريس مميزين والالتزام بمعايير دقيقة في إجراءات التعيين. فلو ضاعفت الجامعات ميزانياتها لن تستطيع تحقيق إنجازات تذكر، ما لم يتوافر لديها أعضاء هيئة تدريس مميزين.
سادسا: بخصوص جائزة التميز في البحث العلمي والابتكار، الخاصة بالجامعات، قام فريق متخصص بإعداد أنظمتها ولوائحها قبل سنوات، ولكنها لم تر النور، بسبب التغيرات الهيكلية في الوزارة، على الرغم من أهميتها لتكريم الإنجازات وتشجيع أعضاء هيئة التدريس والباحثين على التميز والابتكار، فآمل أن تحظى باهتمام الوزير.
سابعا: لا يزال البحث العلمي مكبلا بأنظمة مالية قديمة لا تساعد على المرونة في الإنجاز، ما يتطلب تحديث الأنظمة أو منح الجامعات نوعا من الاستقلالية وفق نظام الجامعات المنتظر! وإلى جانب ذلك، فإن الأنظمة المعمول بها تعزز فرص التعاقد والتوظيف للكليات كأعضاء "لهيئة التدريس، ولكنها تغفل التشريعات اللازمة لاستقطاب الكفاءات البحثية الوطنية أو الأجنبية التي تعنى بالبحث العلمي.
ثامنا: لا توجد إدارات متخصصة في الجامعات للاستجابة السريعة للاحتياجات البحثية مثل التجهيزات والمعامل والمواد والوسائل الضرورية لدعم منظومة البحث العلمي، ما يؤدي إلى هدر الموارد وتكرار تأمين بعض الأجهزة، ومن ثم عدم تعظيم الاستفادة منها.
أكتفي بهذا القدر، وأدعو للوزير بالتوفيق والسداد في تطوير التعليم والنهوض به إلى مستويات طموحات قيادتنا الرشيدة لتحقيق التقدم والرفاهية للمجتمع السعودي وفق "رؤية 2030".