البحث عن حلول جديدة

البحث عن حلول جديدة

تحتاج منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) إلى الاستعداد المسبق والبحث في حلول غير تقليدية للتعامل مع التراجع المتوقع في سعر برميل النفط. فتقليص حجم الاستهلاك الناجم عن التباطؤ الاقتصادي الذي كاد يدخل مرحلة الانكماش إلى جانب تأثير الأسعار العالية، خاصة في ميدان النقل، تؤدي كلها إلى نتيجة واحدة تتلخص في تراجع الطلب. وهذا بدوره سيعيد تسليط الضوء على جانب آخر، وهو التحسن المضطرد في حجم الطاقة الإنتاجية الفائضة المتاحة لدى الدول الأعضاء.
وكما أدى تصاعد الاستهلاك إلى اضمحلال هذه الطاقة الإنتاجية الفائضة، فإن تراجعه سيؤدي إلى زيادة في حجم هذه الطاقة. وهناك التقديرات المتوافرة تشير إلى أن معدل هذه الطاقة وصل حاليا إلى 1.8 مليون برميل يوميا بسبب بعض الإضافات والزيادة في إنتاج بعض الحقول العاملة، كما يتوقع أن يرتفع حجم الطاقة الفائضة إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا بحلول فصل الربيع المقبل.
القاعدة العامة أنه كلما زاد حجم الطاقة الإنتاجية الفائضة وشهدت السوق تقلبات سعرية إلى أسفل، أصبح لدى الدول المنتجة الحافز والقدرة على ضخ المزيد من الإمدادات إلى السوق التي لا تحتاج إليها، وذلك في مسعى للتعويض عن تراجع عائداتها المالية، الأمر الذي يسهم بدوره في دفع سعر البرميل إلى أسفل مجددا.
وأخذا في الاعتبار أن الأسعار ظلت في حالة تصاعد مستمر خلال فترة السنوات الست الماضية، وأنها منذ بداية العام فقط حققت زيادة تجاوزت 40 في المائة، فإن الدول المنتجة تعودت على معدلات دخل مالي عالية يصعب عليها التكيف مع مستويات أقل من الدخل خاصة في ضوء الاحتياجات المتنامية لمواطنيها.
حتى الآن تركزت الأحاديث حول ضرورة خفض الإنتاج وذلك خلال اجتماع المنظمة في فيينا هذا الأسبوع، لكن بما أن (أوبك) لم تكن هي المسؤولة عن رفع سعر البرميل ابتداء ووصوله إلى المعدلات القياسية التي بلغها قبل شهرين، رغم الجهود المعلنة وغير المعلنة التي بذلتها لضخ المزيد من الإمدادات ودون تأثير يذكر، فإنه من غير العدل ومن غير المنطقي أن تقوم لوحدها بتحمل عبء الدفاع عن الأسعار، لأنها ببساطة لن تستطيع القيام بهذه المهمة.
وهذا ليس أمرا جديدا، فمنذ حرب الأسعار الشهيرة قبل عقدين من الزمان اتجهت (أوبك) إلى طلب العون من المنتجين الآخرين لتحمل جزء من مسؤوليتهم وخفض الإنتاج من قبلهم كذلك، لكن السجل العام لذلك المسعى لم يكن جيدا.
لكن تجربة أخرى مطلع العقد الماضي سجلت نجاحا نسبيا وضع الأساس للارتفاع الحالي في الأسعار. وتلخصت تلك التجربة في بروز قيادة ثلاثية لم يتم تكوينها بصورة رسمية، وإنما أبرزتها الظروف والتفاهم الذي تطور بين أطرافها الثلاثة: السعودية وفنزويلا والمكسيك، علما أن الأخيرة ليست عضوا في المنظمة. وقادت هذه المجموعة جهود خفض الإنتاج من داخل (أوبك) وخارجها، وحصلت على التزامات من الطرفين تجاوزت نسبة تطبيقها 85 في المائة حتى تمكنت من مضاعفة سعر البرميل إلى أكثر الضعف خلال عام واحد.
قبل ثلاثة أشهر استضافت السعودية مؤتمر جدة الشهير الذي شارك فيها مختلف أركان الصناعة حتى الشركات وذلك للبحث في أوضاع السوق النفطية المتقلبة، وبما أن السوق تمر بمرحلة متغيرات هيكلية مع تزايد عدد اللاعبين المؤثرين في تحديد توجهات السوق، فإن البناء على ما تم خلال ذلك يصبح ضرورة لتأسيس تفاهمات أكبر وبلورة الآليات اللازمة لمواجهة التقلبات التي تجتاح السوق من وقت إلى آخر صعودا وهبوطا.
ومن الخطوات المحددة التي تحتاج إلى تناولها كيف يمكن إضافة قوى مؤثرة إلى آلية التعامل مع متغيرات السوق. وتبدو الصين والهند أول مرشحين ينصرف إليهما الانتباه سواء مباشرة أو عبر شركاتهما الوطنية. فإلى جانب أنهما أكبر منطقتين تشهدان نموا في الاستهلاك النفطي، فإن شركة النفط الوطنية الصينية مثلا تنتشر في 26 دولة حول العالم، في الوقت الذي يبلغ فيه انتشار رصيفتها شركة النفط والغاز الهندية في 17 دولة. هذا مع ملاحظة البعد الاستراتيجي في تعامل هذه الشركات متغلبا على البعد التجاري الذي يميز تعامل الشركات النفطية الغربية، وهو ما يجعلها في أجواء وذهنية أقرب إلى تلك التي تميز الدول الأعضاء في أوبك.
بل يمكن المضي قدما والإشارة إلى شركات الخدمات إلى جانب الشركات النفطية العامة، فأحد أسباب الارتفاع الأخير في الأسعار أن معينات الصناعة من توافر للمهندسين الجيولوجيين والكيماويين والحفارات شهدت نقصا كبيرا أدى إلى تباطؤ في تنفيذ العديد من المشروعات. ويمكن الإشارة إلى أن شركة مثل شلومبيرجر العاملة في ميدان الحفر، شهدت سعر سهمها يتصاعد بأكثر من ضعفي سعر شركة "إكسون موبيل"، وهي أكبر شركة نفط والأكثر ربحية، الأمر الذي يشير إلى ضرورة إيجاد وسيلة لإشراك هذه الشركات في التخطيط لضبط السوق.

[email protected]

الأكثر قراءة