تقرير: ارتفاع النفط قد يعاظم هيمنة القطاع العام في اقتصادات الخليج
في الوقت الذي لاحظ فيه عدد من الخبراء أن الزيادات الكبيرة في إيرادات النفط المستمرة منذ عدة سنوات أعادت العصر الذهبي للقطاع العام الخليجي، وأصبحت تهدد التوجهات الاستراتيجية لدول المنطقة بجعل القطاع الخاص محركا لعجلة النشاط الاقتصادي، قالت تقارير صادرة عن مؤسسات دولية إن دول الخليج العربي ستواجه تحديات غير مسبوقة خلال هذا العقد والعقد المقبل في مجال التنمية البشرية وإيجاد الوظائف المناسبة للمواطنين وذلك بالنظر للتبدلات الهيكلية في أعداد ونوعية الداخلين إلى أسواق العمل، علاوة على التغييرات البنيوية في الاقتصاد، حيث لم يعد القطاع العام قادرا على توليد الوظائف الكافية للمواطنين.
ويسود الاعتقاد حاليا أن القطاع العام يولد أكثر من ثلثي النواتج المحلية الإجمالية، وهذا يعني بالمطلق أنه بات محركا للنشاط الاقتصادي في دول المجلس، بعكس ما هو مطروح من شعارات ودعوات بتمكين القطاع الخاص من لعب الدور الرئيسي في هذا المجال، وهذا يترتب عليه في المدى البعيد رهن برامج وخطط التنمية الاقتصادية الخليجية بدور القطاع العام والإيرادات النفطية.
ويلاحظ أن الجزء الأعظم من إنفاق القطاع العام على مشاريع البينية التحتية، وهذا النمط من المشاريع غير مولد للوظائف الجديدة الموجهة للمواطنين بقدر ما تقوم بها شركات وطنية إما قائمة حاليا أو بالتعاقدات مع شركات خارجية.
وقال تقرير حديث صادر عن البنك الدولي حول تحديات التنمية البشرية وأسواق العمل في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إن دول المجلس ستحتاج إلى توفير نحو خمسة - ثمانية ملايين فرصة عمل جديدة حتى عام 2020 وذلك من مجموع 80 مليون فرصة عمل مطلوب توفيرها في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويبلغ إجمالي قوة العمل في هذه الدول 110 ملايين شخص في عام 2007، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 146 مليوناً في عام 2010 و 185 مليوناً بحلول عام 2020.
وأضاف التقرير أن هؤلاء القادمين الجدد إلى أسواق العمل هم أكثر تعليماً وشباباً، وإناثا فقد تزايد معدل نمو القوة العاملة في المنطقة بنسبة 3 في المائة سنوياً بين عامي 1970 و 2000. ومن المتوقع أن يزداد هذا المعدل إلى 3.5 في المائة سنوياً بين عامي 2000 و 2020، ولا يتوقع انخفاض الضغط على أسواق العمل إلى النسب المعتدلة التي عرفتها المنطقة خلال ستينيات القرن العشرين قبل عام 2030.
ونوه التقرير بأن الأنماط القديمة لخلق فرص العمل لم تعد قابلة للاستمرار، كما أن الكثير من الأنظمة التقليدية لخلق فرص العمل في المنطقة مرشحة للزوال سريعاً، فقد مثل القطاع العام المحرك الأساسي لخلق فرص العمل خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين. واستمر يلعب دورا مهما خلال التسعينيات. ويوظف القطاع العام اليوم ثلث القوة العاملة في المنطقة. وتصل هذه النسبة إلى 80 في المائة في عدد من دول مجلس التعاون الخليجي.
ولكن لا يمكن للقطاع العام أن يستمر في دور المنفذ للتوظيف الذي لعبه سابقاً. فتشير الدلائل عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن معظم فروع القطاع العام تعاني من تضخم في عدد الموظفين بلغ الثلث أو أكثر في بعض دول المنطقة ويؤدي إلى تآكل متواصل في الإنتاجية. وحتى إذا وضعت الخسائر في الفعالية جانباً، فإن إستراتيجية تأمين فرص العمل للأعداد الهائلة من العاطلين عن العمل والقادمين الجدد إلى سوق العمل لم تعد قابلة للاستدامة في ظل التغيير الجذري في الأوضاع الاقتصادية في دول المنطقة. وما لم تتسارع وتيرة خلق فرص العمل في القطاع الخاص المنظم، فسيتم دفع أعداد متزايدة من الداخلين الجدد إلى سوق العمل نحو الاقتصاد غير المنظم.
وما يزيد من خطورة تلك التحديات ـ كما يوضح التقرير ـ التغييرات الهيكلية في الأوضاع الاقتصادية لدول المنطقة سواء على صعيد التدفقات النفطية أو المساعدات الخارجية، فقد اعتمدت التنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على ثلاثة موارد مالية هي النفط وتدفقات المعونات الخارجية وتحويلات العمالة.
و شكلت هذه الموارد الثلاثة مصدرا ضروريا من الإيرادات العامة والأرباح الخاصة، ما دعم التوظيف الواسع النطاق في القطاع العام وأدى إلى استمرار استراتيجيات التنمية الموجهة من الدول والمبنية على التخطيط المركزي وعلى السياسات الاقتصادية والاجتماعية المعنية بإعادة توزيع الدخل والعدالة الاجتماعية.
وتشير التوقعات للعقد المقبل إلى أسعار النفط وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في الوقت الحاضر، فإنها قد تراوح في نطاق محدود على المدى البعيد. وحتى على فرضية بقائها مرتفعة، فإن هوامش الفوائض منها سيتقلص بحكم الاحتياجات المتزايدة لمشاريع البينية التحتية والتنمية والنمو السكاني.
ويتوقع أيضا انخفاض مستوى تدفقات المساعدات الخارجية لنفس السبب المذكور. أما فيما يخص تحويلات العمالة فإنها من غير المرجح الارتفاع بنسب مهمة. وذلك نتيجة تناقص فرص هجرة العمالة.
ويخلص التقرير الدولي إلى التأكيد أن المحركات التقليدية لخلق فرص العمل في دول المنطقة لم تعد قادرة على مواجهة تحدي العمالة في القرن الـ 21. وعلى هذه الدول إن أرادت التعامل مع تحديات التنمية البشرية وأسواق العمل أن تحدث ثلات تحولات بنيوية رئيسية.
وإن أول تلك الإصلاحات هو التحول من الانغلاق إلى الانفتاح وذلك من خلال تسهيل عملية التكامل مع الأسواق العالمية للسلع والخدمات وعوامل الإنتاج، مع وضع الضمانات اللازمة للاستقرار المالي والرعاية الاجتماعية. فالمنطقة تمتلك قدرات تجارية كبيرة. بينما تمثل الصادرات غير النفطية ثلث إجمالي الصادرات فقط. أما واردات الصناعات التحويلية فتشكل نصف إجمالي الواردات. ومن الممكن أن تكون تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خمس أو ست مرات أكثر من معدلاتها الحالية.
وثانيا، فإن تلك الدول مدعوة لتحويل اقتصاداتها من اقتصادات متقلبة ومعتمدة على النفط إلى اقتصادات أكثر استقراراً وتنوعاً وذلك من خلال استحداث تغييرات جوهرية في المؤسسات التي تدير موارد النفط وفي كيفية تحويل هذه الموارد باتجاه القوى الاقتصادية.
وقد أضحى التنوع الاقتصادي أولوية متزايدة حيث شهدت حصة الفرد من الصادرات النفطية خلال العقدين الماضيين انخفاضاً مستمراً وذلك نتيجة عدة عوامل كانخفاض أسعار النفط الحقيقية وارتفاع الطلب المحلي على النفط، والنمو السكاني السريع وأصبح التنوع ضرورة ملحة في بلدان مثل البحرين وعمان حيث أوشكت الاحتياطات النفطية على النضوب.
وثالثا والأكثر أهمية هو وضع استراتيجيات مقاومة لزيادة أسعار النفط من أجل تحويل الاقتصاد من هيمنة القطاع العام إلى هيمنة القطاع الخاص وذلك عبر خفض العقبات أمام النشاطات الخاصة مع وضع أطر تنظيمية تحقق التعاضد المتبادل بين المصالح العامة والخاصة.
وتعد مساهمة القطاع الخاص في القيمة المضافة متدنية مقارنة بمناطق أخرى. لذلك، فإن المجال لتوسع الاستثمارات الخاصة في دول الخليج كبير جدا. ولكنه يحتاج إلى بيئة اقتصادية واجتماعية مواتية ترتكز على عدة عوامل ترعاها وتدعمها الحكومات الخليجية، وفي مقدمتها جذب الاستثمار الأجنبي وهو ضمان لعدم الاحتكار من قبل بعض الشركات الخاصة، كما يسهم في ازدهار القطاع الخاص. كذلك ضمان حقوق الملكية الخاصة، وهو يلعب دورا رئيسيا في مساعدة المؤسسات الصغيرة في التطوير والنمو الكامل، كما يسهم في تهيئة العمالة المنتجة وبالتالي الاستقرار الاجتماعي. كذلك ضرورة تهيئة المناخ الاستثماري الذي يتألف مما يلي من أنظمة الدخول والخروج وتكاليف الإجراءات، وحقوق الملكية، ومرونة سوق العمل.
كذلك إنشاء أو توسيع الأسواق، وتوفير الحرية الاقتصادية والحركة النشطة لرؤوس الأموال دون أعباء مالية أو فرض ضرائب على النشاط التجاري، وتوجيه الاستثمارات من القطاع الخاص والمؤسسات المالية ورجال الأعمال إلى قطاعات الصناعة، الزراعة، الموانئ، السياحة، الاتصالات، نظم المعلومات، الإنشاءات، التوسع في إنشاء المناطق الحرة، ودعم الصادرات عن طريق توفير اشتراطات فنية تتفق مع مواصفات الأسواق العالمية.