الجبرين: للقاضي أن يُجبر الزوج على الخُلع إذا تضررت الزوجة

الجبرين: للقاضي أن يُجبر الزوج على الخُلع إذا تضررت الزوجة

أرجعت عدة نساء مطالبتهن بالخلع إلى تعرضهن لحالات عنف قاسية أسهمت في هروبهن من بيوت الحياة الزوجية، منددات بالعنف الذي يقوم به بعض الأزواج نتيجة جهلهم وعدم قدرتهم على إدارة بيوتهم بشكل يسهم في تلافي الأخطاء الأسرية المشتركة، وإيجاد الحلول المناسبة بعيدا عن العنف الذي يسيطر على تفكيرهم, ويضاف إلى ذلك تقصيرهم في النفقة مع عدم تغير المعاملة السيئة من الأزواج من الممارسات التي لا ترضاها أي امرأة ما يجعلها تلجأ إلى طلب الخلع. ولعل من الحالات التي يمكن أن تذكر ما ترويها أم هشام التي ترى أن معاملة زوجها السيئة جعلت حياتها نكدة، وكانت تتحمل ما يأتيها رغبة منها في تعدل سلوكه لكنه كان يتمادى في ممارسة هذا الفعل، وتواصل حديثها بقولها وأمام هذه الممارسات المستمرة من زوجي ما كان أمامي بعد أن نفد صبري إلا أن طلبت الخلع منه عن طريق المحكمة, وتحقق لي ذلك بعد أن دفعت شيئا من المال مقابل الخلع. وتقول أم عبد الله إنها ضحية من ضحايا العنف السري, كما تقول نظرا لأن زوجها كان يضربها ضربا مبرحا ولم يكتف بتعامله السيئ بل كنت أتحمل ذلك لأني كنت أفكر أين أذهب لوفاة والدي وانشغال إخوتي عني بحياتهم الزوجية، ماذا سيحصل لابني، وهذا ما كان يشوب زواجنا منذ ارتبطنا مع بعضنا بعضا، وأعيش سنوات على هذا الحال. وتقول فاطمة عبد الله إنها استدركت صعوبة العيش مع زوجها السابق ولم تذق طعم الراحة إلا عندما تكلل طلبها بالنجاح بإصدار القاضي حكمه بالخلع فانفرجت أساريري بالفرح والسرور نتيجة المعاناة التي عشتها معه، وتتوالى المعاناة التي تعيشها بعض الزوجات مع أزواجهن. فيما رأت أم خالد والدة كبيرة في السن أن ما يحدث من ضرب وتعامل سيئ من بعض الأزواج أمر مؤلم ولم يكن يحدث بهذه الكثرة في زماننا ولا أدري ماذا دها الأزواج هذا الزمان الذي أصبحوا فيه لا يتورعون عن ارتكاب أي خطأ؟

ولكن ما الخلع؟
يبين الشيخ عبد العزيز الراجحي الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, أن العلماء اختلفوا في الخلع: هل هو فسخ أو طلاق؟ فالجمهور على أنه طلاق, وهو الصواب, وهو الذي دل عليه الحديث. والثاني فسخ وهو قول لبعض السلف ورواية عن الإمام أحمد في المشهور عنه، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - وهذا الخلاف فيما إذا وقع الخلع مجردا عن لفظ الطلاق أو كنايته مع نية الطلاق، بل وقع بلفظ الخلع وما تصرف منه، واستدل من قال إنه فسخ بما وقع في بعض طرق حديث الباب من الزيادة في رواية عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي داود والترمذي قصة امرأة ثابت بن قيس أمرها أن تعتد بحيضة، إذ لو كان طلاقا لم يكتف بحيضة، واستدلوا أيضا بقوله تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ بعد قوله: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ثم قال: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فلو كان الخلع طلاقا لكان المذكور أربع تطليقات، وتكون الطلقة الرابعة هي قوله: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ .

طلب الفسخ
يرى الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عضو الإفتاء السابق, أن تعريف الخلع بأنه أن تفتدي المرأة بمال تدفعه لزوجها على أن يُخلي سبيلها إذا كرهته لسوء أخلاقه أو لقبح خلقته أو قسوته عليها أو شدة بُخله وشُحه أو إضراره بها أو تقصيره في النفقة ولم تتحسن حالته فلها طلب الفسخ وتفدي نفسها لقول الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وقد فهم بعض العلماء من هذه الآية جواز أخذ الزوج أكثر مما دفع ومنع ذلك بعض العلماء أو كرهوه لقصة ثابت بن قيس الذي دفع حديقة لزوجته فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟" قالت: نعم وزيادة، قال: أما الزيادة فلا ويجوز للقاضي أن يُجبر الزوج على الخُلع إذا ظهر تضرر الزوجة وسوء حالتها وشدة تألمها فله ما دام الحال هذه أن يُجبره لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: لا ضرر ولا ضرار ولقول الله تعالى: وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ولقوله تعالى: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ.
الحكمة من تقرير الخلع
يرى الشيخ محمد علي زبرماوي إمام مسجد إسماعيل الزبير في مكة المكرمة من المعروف أن الحياة الزوجية أساسها الود والرحمة ولكن بعد الزواج قد يتضح اختلاف الطباع بينهما، مما يستحيل معه استمرار الحياة الزوجية في سعادة وسكون، كما أعطى الشرع الزوج الحق في إنهاء الحياة الزوجية بالطلاق فكان من العدل أيضا أن يعطى للزوجة سبيل لإنهاء الحياة الزوجية عن طريق الخلع شرط التنازل عن المهر وكل حقوقها الشرعية والمالية من مؤخر صداق ونفقه متعه ونفقه عدة. إذ ليس واجبا على الزوجة إيراد شروط للمحكمة لطلب الخلع يكفى أن تدعى أنها كرهت الحياة مع زوجها واستحالة استمرار الحياة معه وأنها تخاف ألا تقيم حدود الله.
وأما بالنسبة لحكم الخلع: فالخلع مكروه أو محرم مع استقامة الزوجين وقيامهما بحدود الله تعالى، لأنه إضرار بها وبزوجها، وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة، لأن نفي الجناح - وهو الإثم- في الآية الكريمة يدل على أن الخلع مع استقامة الحال يكون عليهما فيه جناح، وقد ورد عن ثوبان ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوجَهَا الطَّلاقَ مِنْ غَيرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ» والحديث أخرجه أبو داود (2226)، والترمذي(1187)، وابن ماجة (2055)، وأحمد (37/62، 112)، من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان به، وقال الترمذي: "حديث حسن" وهو حديث صحيح على شرط مسلم. انظر: "الإرواء" (7/100).
وهذا الحديث ظاهر في التحريم، للوعيد الشديد المترتب عليه.

حفاظ على نفسها
يرى الشيخ محمد المنجد الدعية الإسلامي إنه يحق للزوجة طلب الخلع إذا كان زوجها مدمنا للخمر ويضربها ضربا مبرحا, وفي ذلك حفاظ على نفسها من اعتداءاته التي تكون بسبب إدمانه ويؤمل من الزوج المسلم إذا أراد بقاء زوجته معه أن يتوب إلى الله توبة نصوحا وأن يبتعد عن هذه المعصية وغيرها من المعاصي التي لا تليق بمسلم، وكذلك يبتعد عن الإساءة لزوجته وليتق الله فيها، وعليها بالدعاء له بالصلاح والعودة الصادقة للدين والتوبة النصوح وأن يكون أبا صالحا يرعى أسرته وأبناءه, ونسأل الله أن يقي بيوتنا وبيوت المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يُصلح حالنا أجمعين .

الأكثر قراءة