أوباما النفطي
وجد المرشح الديمقراطي باراك أوباما الفرصة في بلوغه السابعة والأربعين من العمر ليطرح رؤية سياسية جديدة حول كيفية التعامل مع القضايا النفطية المزمنة التي تعانيها الولايات المتحدة على المدى القصير والمتوسط والطويل.
ومن أبرز محاور هذه الرؤية الجديدة، حيث الجدة تعود إلى مخالفتها بعض آراء أوباما السابقة، اللجوء إلى الاحتياطي النفطي الاستراتيجي ومقايضة بعض أنواع النفوط الخفيفة فيه في حدود 707 ملايين برميل بنفوط أثقل يتم تكريرها، خاصة وهي أكثر ملاءمة للسوق، الأمر الذي يمكن أن يسهم في دفع أسعار الوقود في محطات التعبئة للمستهلكين إلى أسفل، وكذلك فتح الأماكن الساحلية للتنقيب عن النفط. وكلا الموقفين يتمايزان عن مواقف أوباما السابقة، إذ كان يصر على أن اللجوء إلى الاحتياطي النفطي مثلا ينبغي أن يتم في إطار وجود أزمة إمدادات حادة ذات صلة بالأمن القومي مثل حدوث هجوم إرهابي بالدرجة التي تؤثر في الإمدادات.
كما دعا إلى استثمار 150 مليون دولار في التقنيات الجديدة والوقود المتجدد وذلك حتى يمكن وضع ملايين السيارات الهجين، التي تستعمل الوقود التقليدي والمتجدد على الطرقات ودفع إعفاءات ضريبية لكل مشتر. كما دعا إلى أن تتم مقابلة 10 في المائة من احتياجات البلاد من الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة وذلك بنهاية فترة ولايته الأولى في 2012، أي أكثر من ضعف ما هو سائد حاليا.
لكن التبرير الذي بدأ يتكرر أن هناك حاجة ماسة إلى إشعار المستهلك بحدوث تطور ينعكس بصورة مباشرة على سعر الجالون، وليس هناك أفضل من العودة إلى تجربة الرئيس السابق بيل كلينتون الذي أدت خطوته باللجوء إلى الاحتياطي الاستراتيجي في أواخر ولايته إلى خفض في سعر الوقود مقداره 19 في المائة. لكن من الواضح وكما يقول المحللون أن أي تأثير في هذا الجانب سيكون وقتيا وأثره محدود، كما أنه وبعد انتهاء ترتيبات السحب من المخزون، فإن الأمور تعود إلى سابق عهدها وربما بصورة أسوأ.
أما فكرة فتح مناطق إضافية أمام الشركات للتنقيب والعمل فيها، فهي تبدو نظريا خطوة عملية، لمن في واقع الحال، فإن مناطق ألاسكا وفلوريدا لن تتمكن وحتى وفق أكثر التوقعات تفاؤلا من توفير 12 مليون برميل تستوردها السوق الأمريكية العطشى في الوقت الحالي.
في كل هذا يهدف أوباما إلى إشعار الناخب بصورة مباشرة والمستهلك عموما بحدوث تأثير ما، خاصة والكونجرس قد ذهب في عطلته الصيفية دون عمل شيء بخصوص أسعار الوقود المرتفعة.
لكن ما يلفت النظر في خطط أوباما هذه أنها مطروحة لتحرير بلاده من الاعتماد على النفط القادم من منطقة الشرق الأوسط وفنزويلا، وهو ما يحتاج إلى المزيد من أعمال النظر.
لأكثر من نصف قرن ومنذ اللقاء المشهور بين الملك عبد العزيز والرئيس الأمريكي فرنكلين روزفلت في البحيرات المرة ومنطقة الخليج تحديدا تمثل بالنسبة للولايات المتحدة منطقة اهتمام استراتيجي تم التعبير عنه فيما بعد بما عرف بمبدأ كارتر، الذي يقوم على قاعدة أن أي مسعى للتأثير العسكري في تدفق النفط من المنطقة يعتبر تهديدا مباشرا للأمن القومي الأمريكي، وذلك ردا على الغزو السوفياتي لأفغانستان. وتم بالفعل تطبيق هذا المبدأ عبر توفير الحماية الأمريكية للناقلات الكويتية إبان حرب السنوات الثماني بين العراق وإيران، ثم عند غزو الكويت نفسها بعد ذلك. وفيما بعد بناء قواعد عسكرية في الكويت وقطر والبحرين وإنفاق نحو 50 مليارا لدعم الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
الجديد في الأمر أن الصين والهند يبرزان كأقوى مستهلكين في حاجة إلى الإمدادات النفطية من منطقة الخليج، كما أنهما وعلى عكس وضع السوفيات ليس لديهما إنتاج نفطي داخلي، الأمر الذي سيدفعهما إلى الانغماس أكثر في قضايا المنطقة، وهو ما يمكن أن يشكل إمكانية لحدوث صدام مع المصالح الأمريكية خاصة ويتوقع أن تستورد الصين بحلول 2030 نفس حجم ما تستورده الولايات المتحدة في الوقت الحالي، اللهم إلا إذا نجحت خطط أوباما في تقليل اعتماد بلاده المستقبلي على نفط الشرق الأوسط، وهو أمر مشكوك فيه.
سجل السياسات والاستراتيجيات الأمريكية السابق لا ينبىء بإمكانية حدوث تغيير مؤثر بصورة تذكر، فالسياسات التي تطرح في إطار الحملات الانتخابية لا تقوم في العادة على أرضية صلبة أو تستمر لفترة طويلة من الزمن، فالعين دائما على الكسب السريع مثل خفض سعر جالون الوقود للمستهلك. وهذا ما عبر عنه ريكس تيلرسون المدير التنفيذي لشركة إكسون موبيل أن الولايات المتحدة لم تتبن قط سياسة للطاقة، لأن خطوة مثل هذه تحتاج إلى 15 إلى 20 عاما لتأتي أكلها، بينما الساسة أعينهم على عامين على الأكثر وذلك بسبب الدورة الانتخابية التي يقوم عليها النظام السياسي الأمريكي.