تراجع النفط واندفاع الدولار
ظل النفط محور الاهتمام في نشاط الأسواق المالية أمس، في الوقت الذي هبطت فيه أسعار الخام إلى أدنى مستوى جديد لها منذ ثلاثة أشهر، في أعقاب علامات جديدة على تراجع الطلب.
في بورصة نايمكس في نيويورك هبطت أسعار العقود الآجلة لخام غرب تكساس المتوسط تسليم أيلول (سبتمبر) إلى مستوى متدن جديد هو 117.14 دولار للبرميل، وبذلك يسجل النفط هبوطاً يزيد على 20 في المائة عن أعلى رقم قياسي سجله قبل شهر.
ساعد الهبوط في أسعار النفط على تهدئة المخاوف حول التضخم، وذلك بعد يوم واحد فقط من قرار البنك المركزي الأمريكي إبقاء أسعار الفائدة على حالها، لكنه أكد أن مخاطر ارتفاع الأسعار من جديد "تشكل موطن قلق لا يستهان به".
قال ماركو أنونزياتا، وهو كبير الاقتصاديين لدى بنك يوني كريدي Unicredit، إن البنك المركزي الأمريكي لا يزال يوجه السياسة النقدية وُجهة مضادة "للضباب الكثيف تماماً من اللبس والإبهام".
"وفي حين أن الأزمة انتقلت من كونها أزمة حادة إلى أزمة مزمنة، فإنه لا يزال من السابق لأوانه أن نكون متأكدين من أننا قد اجتزنا أسوأ مراحل الأزمة. والواقع أن البيانات والأحداث الأخيرة تعطينا صورة واضحة للغاية عن الأمور التي يمكن أن تصل إلى حالة مريعة من السوء".
قال جيمز نايتلي، من آي إن جي ING، إن آفاق النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة تظل قاتمة وسط تسارع معدلات البطالة، ووسط تراخي التحفيز الناشئ عن الرديات الضريبية، وتراجع أرباح الشركات.
وقال: "من جانب آخر، فإن الضغوط في سبيل رفع الأجور هي ضغوط حميدة، وسيعمل تراجع أسعار السلع، إن استمرت الأسعار في الهبوط، على المساعدة في تخفيض معدلات التضخم بنسبة لا يستهان بها خلال الأرباع المقبلة".
"بالتالي فإننا نستمر في شكوكنا في صحة وجهة نظر السوق القائلة إن البنك المركزي الأمريكي سيرفع أسعار الفائدة هذا العام، وبدلاً من ذلك نرى أن من الممكن أن يتخذ البنك قراراً بتخفيض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس أوائل عام 2009".
وجدت أسواق الأسهم مساندة من ضعف أسعار النفط. بحلول منتصف أمس في نيويورك هبط مؤشر ستاندارد آند بورز 500 بمقدار 0.2 في المائة، وهي نسبة تقل عن معدلات الهبوط السابقة التي أعقبت النتائج المقلقة من وكالة فريدي ماك، وهي وكالة للقروض السكنية مدعومة من الحكومة الأمريكية.
ارتفع مؤشر ناسداك، الذي تكثر فيه شركات التكنولوجيا، بمقدار 0.4 في المائة، في حين أن مؤشر فاينانشيال تايمز يوروفيرست 300 لعموم أوروبا ارتفع بمقدار 0.9 في المائة.
تمتعت آسيا باندفاع في الأسعار في جميع أرجاء المنطقة، حيث قفز مؤشر نيكاي 225 في طوكيو بنسبة 2.6 في المائة، وقفزت الأسهم الأسترالية بمقدار 3.1 في المائة، وارتفع مؤشر سيئول بمقدار 2.8 في المائة.
تحول تركيز المستثمرين إلى القرارات الخاصة بأسعار الفائدة من البنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي البريطاني، التي ستصدر يوم الخميس المقبل.
في أسواق العملات، تعرض اليورو لضغط جديد، بعد أن عملت البيانات الاقتصادية الضعيفة على تعميق التوقعات بأن البنك المركزي الأوروبي يمكن أن يخفف من لهجته المتشددة في جلسته المقبلة لتحديد أسعار الفائدة يوم الخميس.
سجل اليورو مستوى متدنياً جديداً هو الأدنى منذ سبعة أسابيع في مقابل الدولار، حيث سجل سعراً يقل عن مستوى 1.54 دولار. استمر الدولار الأمريكي في تلقي المساندة من تراخي أسعار النفط، وسجل رقما قياسياً هو الأعلى منذ سبعة أشهر في مقابل الين.
هبطت الطلبات الصناعية الألمانية بمقدار 2.9 في المائة في حزيران (يونيو)، مقارنة بالتوقعات التي كانت تنتظر ارتفاع المعدل.
قال مارتن لوك، وهو اقتصادي لدى بنك يو بي إس UBS: "كان هذا هو الانخفاض الشهري السابع على التوالي، ما يجعله حتى أكثر وضوحاً أن ألمانيا تنضم الآن إلى معظم الاقتصادات الصناعية التي تعاني من تراجع اقتصادي خطير".
وبالفعل فقد حذرت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس Capital Economics بأن منطقة اليورو ربما تكون أول اقتصاد كبير من بين الاقتصادات الكبيرة التي ستهبط في كساد اقتصادي من الناحية الفنية، الذي يُعَرَّف على أنه حدوث ربعين متتاليين من النمو السلبي.
قال جوناثان لوينز، وهو كبير الاقتصاديين لمنطقة أوروبا لدى مؤسسة كابيتال إيكونوميكس: "تشير التقارير الصحافية إلى أن أرقام الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا، التي ستصدر الأسبوع المقبل، ستُظهِر أن الاقتصاد تقلص بنحو 1 في المائة في الربع الثاني".
وقال: "غني عن البيان أن هذا عمل على زيادة الفرص بأن منطقة اليورو، التي تشكل ألمانيا ثلثها، ستتقلص كذلك في الربع الثاني، لكن الأمر الذي يبعث على أكبر قدر من القلق هو الحقيقة التي تقول إن احتمال العودة إلى النمو المتين في الربع الثالث وما وراء ذلك قد تناقص إلى حد كبير".
في البداية تلقت السندات الحكومية الأوروبية المساندة من البيانات الألمانية، لكنها تراجعت في الوقت الذي اتجهت فيه سندات الخزانة الأمريكية إلى جني الأرباح، قبيل المزاد الذي سيعقد لبيع سندات الخزانة لأجل عشر سنوات بقيمة 17 مليار دولار. ارتفع العائد على سندات الحكومة الألمانية لأجل عشر سنوات بمقدار نقطتي أساس ليصل إلى 4.33 في المائة، في الوقت الذي ارتفع فيه العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات بمقدار أربع نقاط أساس ليصل إلى 4.07 في المائة.
في المقابل، هبط العائد على سندات الخزانة البريطانية لأجل عشر سنوات بمقدار نقطتي أساس ليصل إلى 4.75 في المائة.
خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لآفاق النمو في الناتج المحلي الإجمالي في بريطانيا، في أحدث مراجعة للصندوق للاقتصاد، وهو يتوقع الآن ارتفاعاً في الناتج بمقدار 1.4 في المائة هذا العام، بعد أن كان المعدل المتوقع هو 1.8 في المائة في تقرير الشهر الماضي، الملحق بتقرير "آفاق الاقتصاد العالمي".
رغم ذلك يتوقع معظم الاقتصاديين أن يُبقي البنك المركزي البريطاني أسعار الفائدة على حالها في اجتماعه الدوري الشهري الذي سيعقد يوم الخميس.
قال هوارد أرتشر، كبير الاقتصاديين المختصين في منطقتي أوروبا وبريطانيا لدى مؤسسة جلوبال إنسايت Global Insight: "نتوقع أن النشاط الاقتصادي الضعيف للغاية سيعمل بصورة متزايدة على احتواء ومن ثَم تذويب الضغوط التضخمية، وبالتالي فإننا نتوقع أن تبقى أسعار الفائدة على حالها عند 5 في المائة حتى نهاية عام 2008 "رغم أننا لا نستبعد حدوث تخفيض في تشرين الثاني (نوفمبر) قبل تخفيضها بالتدريج إلى 4.25 في المائة بحلول منتصف عام 2009 ثم إلى 3.75 في المائة بحلول الربع الرابع من السنة المقبلة".
وحذر آرتشر من أن الاقتصاد البريطاني يبدو أنه سيتقلص على الأرجح في النصف الثاني من العام، في الوقت الذي يتعمق فيه الهبوط الاقتصادي ويتوسع، مع إصابة معظم القطاعات بالضعف، من المستهلكين وسوق الإسكان والتصنيع إلى نشاط قطاع الخدمات والإنشاءات.