عين على العراق

عين على العراق

مع تراجع سعر برميل النفط نحو 15 في المائة خلال فترة الأسابيع الثلاثة الماضية، يبدو أن الإحساس السائد أن الصدمة النفطية الثالثة لن تعمر طويلا. فبعد أن كانت الأنظار والتساؤلات تترى حول متى يعبر سعر البرميل 150 دولارا، أصبح التركيز على مدى الهبوط المتوقع، وهل سيتجاوز 100 دولار إلى 70 مثلا كما يتوقع شكيب خليل وزير النفط الجزائري والرئيس الحالي لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك).
في هذا كله يبدو أن العراق مرشح ليلعب دورا أكبر، وذلك انطلاقا من أنه ليس محكوما بحصة إنتاجية كبقية الأعضاء، الأمر الذي يعطيه الفرصة للتصاعد بإنتاجه إلى أي مدى يرغب فيه. ومما يزيد في الاهتمام بالعراق بروز عاملين خلال الأسابيع القليلة الماضية: أولهما التصاعد المتئد والمتصل في صادراته عبر الجهة الشمالية المتمثلة في المنفذ التركي، وذلك بنحو عشرة أضعاف خلال عام واحد. ووفقا لتقرير للمكتب الخاص للمفتش العام الأمريكي، فإن حجم هذه الصادرات قفز من مليون برميل خلال شهر إلى 13 مليونا في الفترة الأخيرة، الأمر الذي عاد على الخزانة بمبلغ ثمانية مليارات دولار إضافية.
أما العامل الثاني فيتعلق بما تم الكشف عنه قبل شهرين، أن مجموعة من الشركات النفطية الغربية الكبرى هي: "إكسون موبيل"، "رويال داتش شل"، "بي. بي"، "توتال"، و"شيفرون" حصلت على بعض التعاقدات من الحكومة العراقية دون الدخول في منافسة مع الشركات الأخرى. ورغم أن العقود تتعلق ببعض الخدمات الفنية ودعم البنية الأساسية، إلا أنها تضع هذه الشركات في موقف أقوى تجاه منافسيها عندما يبدأ التسابق للحصول على امتيازات في ميدان العمليات الأمامية. هذه الشركات كانت لاعبا رئيسا على المسرح العراقي قبل التأميم قبل 36 عاما.
والخطوة التي تمت لا تعيد الساعة إلى الوراء فقط، وإنما تبدو وكأنها تلغي بعض التطورات التي حدثت في العقود التالية مثل الحضور القوي للشركات الصينية والروسية تحديدا.
المفارقة أن هذه الخطوة تعزز من الانطباع السائد أن غزو العراق قبل سنوات خمس كان بسبب النفط، وهو ما أشار إليه رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الآن جرينسبان في مذكراته أنه لا يمكن استبعاد هذا العامل كلية، خاصة بسبب تأثيره الاقتصادي الواضح. وكانت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس قد نفت أن تكون لوزارتها أي دور في القرار الخاص بالشركات، لكن الوثائق التي تسربت تشير بوضوح إلى أن مسؤولين في الخارجية كانوا على علم بالخطوة، بل وبعضهم كان طرفا في النقاشات التي جرت.
يحدث كل هذا في الوقت الذي لا يزال قانون النفط يواجه التعثر وعدم الإجازة النهائية من قبل البرلمان، وفي الوقت الذي يتحرك فيه إقليم كردستان، الذي يعتبر منطقة الاحتياطيات النفطية الثانية، بصورة مستقلة وإبرام التعاقدات مع الشركات الأجنبية، وهو الحق الذي تسعى الحكومة المركزية لاحتكاره لنفسها.
وهكذا يبدو أن واقعا جديدا يفرض نفسه على الصناعة النفطية العراقية، ويمكن أن يمتد تأثيره إلى بقية العالم. فليس سرا أن عملية غزو العراق التي تمت بإيعاز وتخطيط وتنفيذ من قبل المحافظين الجدد انطوت بين جوانحها على بعد نفطي يتجاوز مجرد الوصول إلى احتياطيات جديدة، إلى لعب دور أكبر باستخدام الورقة النفطية العراقية باحتياطياتها الكبيرة وتحقيق عدة أهداف.
ويأتي على رأس هذه الأهداف الضغط لعودة الشركات الغربية والأمريكية تحديدا إلى الدول ذات الاحتياطيات الكبيرة، فإحدى القناعات السائدة لدى الدول الغربية المستهلكة أن منع شركاتها الغربية من الوصول إلى مناطق الاحتياطيات يمثل أحد أوجه الأزمة.
وهناك هدف آخر يركز على العمل على إضعاف (أوبك)، خاصة فيما يتعلق بسياستها الخاصة بالدفاع عن هيكل الأسعار، ومن ثم الضغط لخفض سعر البرميل إلى أقل معدل ممكن، وهو ما ترى أنه يخدم الاستراتيجية الغربية من ناحيتين: أولاهما اقتصادية، فكلما تراجع سعر البرميل تحسنت الآفاق الخاصة بالأداء الاقتصادي في هذه الدول، كما أنها تقلل من الفوائض المالية المتاحة لدى الدول المنتجة والعربية تحديدا، التي ينظر إليها على أساس أنه أسّ البلاء فيما يتعلق بتمويل الإرهاب وإبطاء خطوات الإصلاح السياسي والاقتصادي المطلوبة في هذه الدول وتجاوز حالات الاحتقان التي تعيشها بدرجات متفاوتة.
ومع التطور الذي تشهده الساحة العراقية وكأنها تسير على طريق تنفيذ الخطط الأمريكية، إلا أن يبقى الانتظار لمعرفة كيف تتطور الأمور، فإلى أي مدى يمكن للعراق الخروج من جلبابها دولة منتجة تجد مصالحها مرتبطة مع المنتجين الآخرين أكثر من ارتباطها بالمستهلكين؟ هذا طبعا مع عدم إغفال تطورات الوضع السياسي سواء داخل العراق نفسها أو حتى في الولايات المتحدة، خاصة في حال تسلم الحزب الديمقراطي للسلطة، ما ينذر بحدوث أعطفة معاكسة.

[email protected]

الأكثر قراءة