مؤسسة النقد مطالبة بتنظيم نسل شركات التأمين
عندما أسندت الدولة رقابة التأمين إلى مؤسسة النقد كانت أولى نصيحة مني قدمتها إلى المؤسسة، هي القضاء على العدد الهائل والكبير من شركات التأمين، والذي تجاوز آنذاك 90 شركة. وأذكر أنني قلت حينها في تصريح صحافي: إن شركات التأمين تجتمع مع البنوك في أنها شركات أموال وإن البنوك قائمة بأعمالها كما ينبغي وعددها لا يتجاوز العشرة، على الرغم من أن البنوك كذلك تتفوق على شركات التأمين من حيث اتساع علاقاتها وتعاملاتها مع الناس هنا.
واقترحت آنذاك بأن يكون العدد المعقول لشركات التأمين المرخص لها لممارسة التأمين في المملكة هو في نطاق هذا العدد من البنوك، أي ألا يتجاوز عدد شركات التأمين العاملة في المملكة عشر شركات كحد أقصى.
من وجهة نظر شخصية، فإن المملكة بحاجة إلى ثلاث شركات متميزة تقدم خدمات التأمين الصحي، على اعتبار أن التأمين الصحي هو الأهم في المرحلة الراهنة، وثلاث أو أربع شركات أخرى تقدم التأمين بمختلف أشكاله وأنواعه مع شروط خاصة للتأهيل في مجال التأمين الصحي، إن رغبت هذه الشركات في ممارسة هذا النشاط مع اشتراط توسيع نشاطها ومحافظها التأمينية في مجال التأمين على المركبات باعتباره لا يقل أهمية عن نشاط التأمين الصحي كذلك، هذا إضافة إلى شركتي إعادة تأمين محلية، وذلك كي تكون هاتان الشركتان بمثابة وسيلة للمحافظة وبأقصى قدر ممكن على أقساط التأمين في الداخل، وكذلك استيفاءً لمتطلبات النظام حول عمليات إعادة التأمين في الداخل.
وإذا نظرنا إلى عدد شركات التأمين الذي تزخر به السوق السعودية للتأمين إلى حد الآن نجده يصل إلى 25 شركة تأمين، هذا إضافة إلى أن مؤسسة النقد مازالت تدرس عن طريق موظفيها ملفات شركات تأمين جديدة سيعلن عنها قريباً، بل مازالت المؤسسة كذلك تستقبل طلبات تأسيس شركات تأمين جديدة، وكأنها تتعامل مع المسألة باعتبارها واجباً نظامياً روتينياً أو أنه حق مطلق لكل من تتوافر لديهم القدرة والشروط على تأسيس شركة تأمين أن يتقدموا للمؤسسة بالطلب للمؤسسة بالموافقة على التأسيس.
في اعتقادي أن مؤسسة النقد دورها أكبر من ذلك بكثير، فهي ليست بوابة مرور للملفات (المكتملة الشروط) إلى وزارة التجارة ومن ثم إلى مجلس الوزراء للترخيص بشركات تأمين جديدة، إن دورها أكبر من ذلك بكثير خصوصاً أنها هي الجهة الأدرى والأكفأ والأكثر معرفة من غيرها بظروف السوق ومتطلباته وحاجته على وجه الخصوص، وهي كذلك الجهة التي أنيط بها تنظيم ورقابة وإدارة سوق التأمين ككل، ولديها السلطة التقديرية الكاملة، ليس فقط في مسألة دراسة ملفات شركات التأمين وتفصيلاتها، بل قبل ذلك لديها السلطة التقديرية في أن تقول نعم أو لا لقبول أو رفض طلبات التأسيس وفقا لمقتضيات مصلحة السوق، والتي لا توجد جهة أخرى أكثر معرفة منها بمقتضيات هذه المصلحة.
من وجهة نظري لقد حان الوقت لمؤسسة النقد لأن تقول لا لطلبات تأسيس شركات تأمين جديدة، بل إنها مطالبة كذلك بمعالجة التضخم الحاصل في عدد شركات التأمين الذي سيلامس 30 شركة في وقت قريب جداً. وأنصح المؤسسة بالتوسع في منح التراخيص لوسطاء التأمين ووكلائه، فهؤلاء هم الذين يحتاج إليهم السوق الآن. إن استعمال مؤسسة النقد سلطتها التقديرية في التوقف عن قبول طلبات تأسيس جديدة قد يخيف المؤسسة من حيث مسؤوليتها النظامية عن هذا التوقف، ولكن ينبغي ألا يغيب عن المؤسسة أن سلطتها التقديرية هذه تستمدها من النظام ومن كونها الجهة المخول لها تنظيم سوق التأمين والإشراف عليها.
إن المراقب لوضع كثير من شركات التأمين التي تم الترخيص لها بعددها الكبير يدرك حجم المشكلات التي تمر بها سواء من حيث عدم قدرتها على مباشرة نشاطها بشكل صحيح بسبب كثير من العوامل التي لا يتسع المجال لذكرها هنا، أو من حيث خطر انهيارها تماما بسبب استهلاكها رأس المال دون تحقيق عوائد تُذكر. والحل الأمثل هو أن تقوم المؤسسة بإدارة عمليات اندماج بين الشركات المرخصة وحثها على الدخول في هذه الاندماجات للتقليل من أعدادها، ولجمع إمكاناتها المادية والبشرية والفنية وتركيزها في كيانات أقل عددا وأكثر فاعلية .. وللحديث بقية.
أكاديمي وباحث متخصص بالتأمين