التأمين الأخضر وهيئة حماية الحياة الفطرية

التأمين الأخضر وهيئة حماية الحياة الفطرية

تشرفت قبل فترة بالمشاركة في إحدى جلسات المؤتمر العربي الدولي الأول للتشريع البيئي الذي أقيم في الرياض أخيرا تحت رعاية كريمة من الأمير سلطان بن عبد العزيز، وقد أتيحت لي الفرصة للحديث مع أمين عام الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها الأمير بندر بن سعود بن محمد الذي وجدت في حديثه حماسا كبيرا لتطوير عمل الهيئة وإشراك كافة الجهات للعمل مع الهيئة من أجل المحافظة على البيئة وتنميتها. ولقد وجدت في حديثه كذلك قدرا كبيرا من الألم والمعاناة من بعض الممارسات اللامسؤولة ممن لا يتوافر لديهم اهتمام أو وعي ببيئتنا على تنوعها الجغرافي المتميز رغم ما تبذله الهيئة من جهود من أجل المحافظة على الحياة الفطرية وخلق وعي بيئي لدى المواطن والمقيم، وأنا أؤكد كلام الأمير في أنه يلزم أن تتضافر كافة الجهود لخلق وعي بيئي لدى كافة الأفراد والجهات، وأن يكون الرافد الأساس لهذا الوعي منطلقاً من البيت والمدرسة والجامعة، وأن يتم خلق قاعدة مفادها بأن البيئة هي هاجس للجميع سواء للإنسان أو المصنع أو المستشفى والمؤسسات على اختلاف أنشطتها.
والحقيقة أن الحديث عن البيئة ذو شجون ولكن ما أود التركيز عليه في هذا المقال هو عرض لدور التأمين في حماية البيئة وأن يكون هذا المقال في النهاية بمثابة دعوة لشركات التأمين لأن تتلون باللون الأخضر دعما منها للبيئة مثلها مثل البنوك والمؤسسات التجارية الأخرى.
وكلامي هذا ليس هو كلاماً لا يلامس أرض الواقع أو أنه يتمحور حول فكرة نظرية بحتة لا تجد مكانا لها إلا بين رفوف المكتبات أو على صفحات الجرائد بل هي فكرة ملحة وضرورية وسهلة التطبيق في الوقت نفسه وستكون نتائجها مفيدة جداً كذلك. وهذه الفكرة تتمحور حول سؤال مفاده هو لماذا لا تكون هناك محاولة لطرح منتج تأميني تحت مسمى الوثيقة الخضراء تقدمها شركات التأمين للمؤسسات والمصانع والهيئات المهتمة بشؤون البيئة أو تلك التي عليها اشتراطات وتعليمات متعلقة بالبيئة وتلتزم بموجبها شركة التأمين بتعويض وإصلاح الأضرار التي تحدث للبيئة مقابل قسط سنوي معين؟.
أنا أعلم أن وثائق التأمين الحالية التي تعنى بالتأمين ضد المسؤولية على اختلاف أشكالها تستثني كثيرا من المخاطر التي تتعلق بالتلوث البيئي وذلك لعدة أسباب: أهمها، أن شركات إعادة التأمين تفرض عليها ذلك أو لأن هذه المخاطر غير معلومة أو غير محددة بشكل كاف لشركات التأمين فتلجأ هذه الشركات من باب الاحتياط أو من باب عدم الدخول في تغطية مخاطر مجهولة من حيث الحجم أو الأثر إلى استثنائها. ولكن إذا وجد تأمين خاص أي وثيقة خاصة تعنى بالتأمين على البيئة سيكون الأمر مختلفاً كليا وستعنى شركات التأمين بدراسة مخاطر البيئة وتحديد أنواعها وأشكالها وآثارها وحجم التغطيات ونوع التعويض وسيكون لشركات التأمين سلطة عقدية لتفرض على عملائها الذين يقومون بالتأمين على كل ما هو بيئي شروطا متعلقة بالمحافظة على البيئة والحد من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها البيئة.
ومن وجهة نظر شخصية، فأنا أرى في النهاية أن شركات التأمين هي أقرب صديق للبيئة وعملها قائم أصلاً على فكرة الحد من حصول المخاطر قدر الإمكان وإصلاحها أو التخفيف من آثارها فيما لو حصلت لا سمح الله, ولو أخذنا مثالاً بسيطا وهو أن جهة ما أرادت أن تؤمن على مكونات بيئة معينة، غابة جبلية أو حديقة يرتادها الزوار مثلا، فشركة التأمين ستدرس المخاطر المتعلقة بهذه الغابة أو الحديقة المراد التأمين عليها وسيكون لشركة التأمين دوران رئيسيان أولهما هو تنبيه هذه الجهة المسؤولة عن الغابة أو الحديقة على الأشياء التي يمكن القيام بها للتخفيف من كلفة التأمين على هذا العميل مثل وضع سياج عال وقوي حول الغابة أو الحديقة لمنع المتسللين والعابثين في غير أوقات الدوام وإيجاد حراسة كافية وما إلى ذلك، والدور الثاني لشركة التأمين هو إعطاء تعليمات وشروط لهذه الجهة لمنع حصول المخاطر أو التخفيف منها وتداركها في الوقت المناسب مثل التعاقد مع خبراء في الحرائق والزراعة وتركيب أنظمة رقابة وسيطرة فعالة أو التعاقد مع جهات مهنية لمكافحة الجفاف والآفات وما إلى ذلك، وما ينطبق على هذين المثالين ينطبق كذلك على المصانع التي يمكن أن يشكل نشاطها تأثيرا ضارا في البيئة. لذلك فشركات التأمين يمكن لها أن تكون أقرب لصداقة البيئة وبلون أخضر كذلك، وفقنا الله جميعا لحماية بيئتنا من كل ما هو ضار ومؤذ.

[email protected]

الأكثر قراءة