مصرفيون يحذرون من الأخطار المتزايدة التي تواجهها إدارة السيولة في البنوك الخليجية

مصرفيون يحذرون من الأخطار المتزايدة التي تواجهها إدارة السيولة في البنوك الخليجية

حذر مسؤولون وخبراء في القطاع المصرفي في البحرين من التحديات والأخطار المتزايدة التي باتت تواجه إدارة السيولة في المدى القصير في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث باتت المصادر التي تهددهم متنوعة ومتشابكة بدءاً بالاضطرابات التي تشهدها أسواق المال العالمية وموجة التقلبات والركود الاقتصادي العالمي، ومرورا بالتنامي الكبير في السيولة المحلية في الوقت نفسه خفض أسعار الفائدة الذي يخلق بدوره طلب أكبر عليها، ثم التكهنات حول تغيير سياسات أسعار الصرف والارتباط بالدولار، وانتهاء بالشكوك المحيطة بموعد قيام الوحدة النقدية الخليجية.
ويقول الخبراء إن هذه العوامل جميعها وضعت إدارات الخزانة في البنوك الخليجية في موقع صعب للغاية، حيث لم يعد دورها مقتصرا على ضمان الوفاء بالتزامات البنك، بل إدارة مجموعة معقدة من الأصول والخصوم وسط بيئة متشابكة، مما يستوجب معه وضع سياسات واضحة المعالم لإدارة المخاطر المتعلقة بالسيولة، كما طالب هؤلاء بتعزيز أجهزة إدارة الثروات في هذه البنوك.
وقال كولجيت جوتا الخبير المصرفي والشريك في ايفرشيد إنترناشينوال في أبو ظبي إننا لكي ننظر إلى التحديات التي تواجهها إدارات الخزانة في البنوك في دول المنطقة، فإن علينا النظر أولا إلى البيئة العالمية وصولا للبيئة الإقليمية مع الأخذ بالاعتبار الترابط القائم بينهما، كما يجب النظر إلى مستوى الأجهزة المتخصصة في هذه البنوك أيضا.
وفيما يخص تأثير العولمة في مهام إدارة السيولة في البنوك الخليجية، فقد عملت دول المنطقة على أن تحول بلدانها لمراكز أعمال تربط دول آسيا بأوروبا وشمال أمريكا وذلك بغرض الاستفادة من اتساع رقعة الأعمال والمبادلات التجارية عبر العالم، ولكنها في الوقت نفسه أخذت جميع المخاطر التي تنطوي على هذه الأعمال.
وقد انعكست هذه التطورات على أوضاع البنوك التجارية في هيئة تنويع مصادر الدخل والموجودات، وتوزيع المخاطر على رقعة جغرافية أكبر مع مواصلة السعي لابتكار قنوات استثمارية قادرة على استقطاب الأموال المتدفقة، ولكن في الوقت نفسه أيضا، تعقدت مهام إدارة السيولة في البنوك بسبب تعدد العملات المتعامل فيها مع تعدد في المخاطر السياسية والتشغيلية.
كما أن دول المنطقة ومجمل دول الشرق الأوسط ليس بالحجم الكبير الكافي الذي يستطيع أن يكون بمنأى تماما عما يدور في العالم الصناعي في الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي، حيث يشهد دورة من الركود الاقتصادي وتقلبات في أسعار الفائدة وأسعار الصرف، وهذه العوامل باتت تمثل مصادر تهديد للبنوك في دول المنطقة.
وعلى الصعيد الإقليمي، يحذر الخبراء المصرفيون من مصدر آخر يهدد سيولة البنوك الخليجية وهو ارتفاع معدلات التضخم، فنتيجة لكون دول المجلس تعتمد بصورة رئيسية على إيرادات النفط التي ارتفعت بشكل كبير خلال الأعوام الماضية أثر زيادة أسعار النفط بأكثر من 200 في المائة خلال العامين الماضيين، ولجوءها لربط عملاتها بالدولار، فإنها مضطرة لاتباع نفس سياسات الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة.
وقد أسهم ذلك إضافة إلى عوامل أخرى إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير في دول مجلس التعاون الخليجي، وهو بدوره يدخل جوانب سلبية وعدم استقرار في أداء الاقتصاديات الخليجية، مما يدفع البنوك الخليجية لأخذ جانب الحذر في إدارة أموالها الفائضة واستثماراتها.
مصدر آخر يهدد إدارة السيولة لدى البنوك الخليجية هو خطط دول المجلس بشأن الوحدة النقدية الخليجية. وستعود هذه الخطوة الهامة بالعديد من الفوائد الاقتصادية لدول المجلس على صعيد تعزيز المبادلات التجارية والاستثمارية وتقوية موقفها في المفاوضات الخارجية.
ومن وجهة مسؤولي إدارة المخاطر في البنوك الخليجية، فإن هذه الخطوة تنطوي على العديد من التحديات خاصة في المديين القصير والمتوسط، فهل سيتم ربط العملة الموحدة بالدولار أم بسلة من العملات. وأين سيكون مقر البنك المركزي وما هي صلاحياته وما هو الإطار القانوني له وغيرها من التساؤلات. هذا إلى الجانب الشكوك المحيطة أصلا بموعد قيام الوحدة النقدية حيث تشير معظم المؤشرات حاليا إلى احتمال تأجيل الموعد المقرر وهو 2010.
وفي حالة تأكد تأجيل الموعد، سيكون الأمر مشجعا بالنسبة لعدد من دول المجلس على فك ارتباط عملاتها بالدولار، والأقرب لاتخاذ مثل هذه الخطوة هما الإمارات وقطر.
وفي حالة فك الارتباط ستشهد عملات دول المجلس ارتفاعا متسارعا في أسعار صرفها في المدى القصير. وهذه التكهنات تدفع العديد من الشركات الأجنبية العاملة في دول المنطقة ـ وكذلك الشركات المضاربة في العملات ـ إلى الاحتفاظ بكميات كبيرة من العملات الخليجية للاستفادة ارتفاع أسعار صرفها.
وأخيرا، وعلى صعيد البنوك الخليجية نفسها، دفع تزايد الأرصدة السائلة لديها وفي الاقتصاد الوطني العديد منها إلى تأسيس إدارة خاصة بالثروات تعطي اهتماماً خاصاً لكبار المستثمرين الذين يمتلكون ثروات كبيرة ولديهم رغبة في تدويرها واستثمارها في منتجات متنوعة.
فالفوائض النفطية التي جمعتها دول الخليج خلال السنوات الثلاث الأخيرة تتجاوز تريليون دولار، 770 مليارا منها تهم صناديق سيادية تستثمر بدورها جزءاً من هذا المبلغ في عمليات شراء وتملك حصص في شركات وأدوات مالية نقدية وودائع وسندات خزانة ومؤسسات مالية إقليمية وعالمية.
وبحسب أبحاث معهد التمويل الدولي بلغ إجمالي صافي الأصول الأجنبية للقطاعين العام والخاص في دول مجلس التعاون الخليجي الست 1.8 تريليون دولار بنهاية عام 2007، مع توقع بارتفاع هذا الرقم إلى تريليوني دولار بنهاية العام الحالي. ونتيجة لذلك فإن الابتكار في القطاع المالي سيكون أحد رهانات شركات إدارة الثروات، خاصة وأن القطاعات التقليدية الحالية مثل العقارات والأسهم باتت لا تستوعب السيولة الضخمة. وعليه فإن إيجاد أدوات مالية أكثر جدوى تتمتع بمزيد من القوة والتنوع والمرونة، أصبح ضرورة قصوى ينبغي على شركات إدارة الثروات في المنطقة التركيز عليها.
والمتتبع للمنحى البياني للاقتصاد العالمي يدرك أن العالم يشهد حاليا تحولا كبيرا في مواقع الثروات، يوازيه ارتفاع كبير في حجم الثروات الخليجية بسبب تنامي السيولة وانخفاض معدلات الفائدة، وتوجه حكومات دول المجلس نحو تنويع الاقتصاد وآليات الاستثمار.
ويظهر تقرير حديث لـ "ميريل لنش" أن هناك خمساً من أصل عشر أسواق هي الأسرع نمواً من ناحية عدد أصحاب الثروات الشخصية العالية، بينها سنغافورة، الهند، وإندونيسيا، حيث ارتفع عددهم بنسبة 21.2 في المائة و20.5 في المائة و16.0 في المائة على التوالي، مقارنة بنسبة عدد أصحاب الثروات الشخصية العالية على المستوى العالمي البالغة 8.3 في المائة، وكانت كوريا وهونج كونج من بين أسرع عشر أسواق نمواً في عدد أصحاب الثروات الشخصية العالية.
وفيما يخص البنوك الإسلامية تحديدا، وبالنظر للسيولة الكبيرة التي تتمتع بها، فإنها تواجه تحدي تطوير منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية وتتمتع في الوقت نفسه بمزايا تنافسية بالمقارنة مع المنتجات التقليدية تشجع مسؤولي الخزانة على الإقبال على شرائها، وما زال هناك بعض التفاوت في تقبل المنتجات الإسلامية على خلفية اختلاف علماء الشريعة والفقه الإسلامي على مدى توافقها مع الشريعة، وهذا يدفع بدوره بعض المستثمرين إلى التردد على شرائها.

الأكثر قراءة