"أوبك": أسواق النفط تمر بمرحلة غموض وتحديات رغم توافر الإمدادات

"أوبك": أسواق النفط تمر بمرحلة غموض وتحديات رغم توافر الإمدادات

في كتابها الإحصائي وتقديراتها المستقبلية حتى العقد الثالث من هذا القرن، ترسم منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" خريطة طريق وصورة حافلة بالتحديات تواجه الصناعة عموما والمنظمة بصورة خاصة، كما أن التوقيت الذي صدر فيه التقرير يعطيه أهمية إضافية، إذ يمثل رؤيتها لما يجري والسوق تمر بمرحلة حرجة اتفق على تسميتها بالصدمة النفطية الثالثة.
والكتاب الصادر في نهاية الأسبوع الأول من هذا الشهر وقدم له أمين عام المنظمة عبد الله سالم البدري، يشير إلى النتائج الأولية لهذه التوقعات التي تتحدث عن تزايد الترابط والاعتماد في ميدان الطاقة، الأمر الذي يعزز من ضرورة القيام بحوار عملي مع مختلف الفرقاء، واضعة في الاعتبار هموم واهتمامات المنتجين والمستهلكين ودولا نامية ومتقدمة.
فتراجع وانهيار أسعار النفط خلال عقدي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وضع الأساس للوضع الحالي الذي عرف بالصدمة النفطية الثالثة، بسبب قلة الاستثمارات التي لم تتوجه إلى دعم الصناعة خاصة في مجال تحسين الطاقة الإنتاجية لمقابلة الطلب المتنامي، ولهذا فوجئ العالم بالصدمة الأولى في القرن الجديد.
ويقول التقرير إن هناك توقعا بنمو سنوي في الطلب في حدود 1.7 في المائة وذلك على أساس وجود نمو اقتصادي في حدود 3.5 في المائة في المتوسط وعلى افتراض عدم حدوث متغيرات في السياسات والتقنية تؤثر في جانبي الإنتاج والاستهلاك أو أحدهما، خاصة أن الوقود الأحفوري سيظل يلعب دورا مهما وتحديدا في قطاع النقل، بما يجعل مساهمته في تشكيلة الطاقة لا تقل عن 85 في المائة. فالاحتياجات في ميدان النقل، ولأسباب تتعلق بتصميم السيارات والبنية التحتية للقطاع، تجعلها تلعب دورا رئيسيا لدفع الطلب إلى 113 مليون برميل يوميا في العام 2030، بزيادة 29 مليون برميل خلال الفترة المذكورة والنصيب الأكبر سيكون في الدول النامية. وهذا التوقع يقل نحو أربعة ملايين برميل يوميا عن التوقع السابق لـ "أوبك" بسبب تحسن فاعلية الاستخدام لوسائل الطاقة وتأثير الأسعار المرتفعة.
الإمدادات من خارج "أوبك" ستصل إلى 60 مليون برميل يوميا، منها 11 مليونا من الوقود غير التقليدي، وستلعب روسيا والبرازيل ودول بحر قزوين ونفط الرمال الكندي أدورا أساسية في دعم الإمدادات من خارج "أوبك" تعوض بها عن تراجع الإنتاج من بحر الشمال وألاسكا، ويمكن أن تبقي معدل الإمدادات من خارج "أوبك" معقولا إلى حد كبير، لكن "أوبك" ستظل مواجهة في كل الأحوال بطلب إضافي في حدود تراوح بين 12 مليون و13 مليون برميل يوميا عليها العمل على تلبيته.
ويضيف التقرير أن حجم الاستثمارات المطلوب للمشاريع في ميدان العمليات الأمامية حتى عام 2030 يمكن أن يصل إلى 2.8 تريليون مليار دولار، وهو ما يمثل عبئا كبيرا قد لا يتوافر، أخذا في الاعتبار بعض القيود وواقع الدول المنتجة.
لكن على المدى القصير يقول التقرير إنه واستنادا إلى الأرقام المتاحة حتى نهاية العام الماضي، فإن حجم الاحتياطيات المؤكدة في دول المنظمة بلغ 939 مليار برميل، كما زاد عدد الحفارات النشطة في العمل بإضافة 28 حفارة ليصل العدد الكلي إلى 380 حفارة.
ووفقا للبرنامج المعتمد، ويشمل نحو 120 مشروعا في مختلف الدول الأعضاء، تتراوح بين مشاريع جديدة وتوسعة لأخرى قائمة ولفترة خمس سنوات تنتهي في 2012 في ميدان العمليات الأمامية، فإن نحو خمسة ملايين برميل يوميا إضافية ستضاف إلى طاقة المنظمة الإنتاجية المتاحة، وهو ما يتطلب إنفاقا استثماريا في حدود 160 مليار دولار.
إضافة إلى هذا، فهناك جانب التكرير، إذ يتوقع التقرير أن تنمو الطاقة التكريرية بنحو 7.6 مليون برميل يوميا بحلول عام 2015، وتحتاج إلى 320 مليار دولار خلال هذه الفترة يقدر لها أن ترتفع إلى 800 مليار بحلول 2030.
على أن من أكبر التحديات التي تواجه الصناعة مستقبلا عدم الوضوح والغموض الذي يلم بوضع الطلب في الدول المستهلكة، إلى جانب التضارب في المعلومات، ما يجعل من الصعوبة وضع أساس متين لهذه التوقعات، ولهذا لجأت الدراسة إلى وضع نوعين من السيناريوهات يقوم على زيادة ونقصان 0.5 في المائة عن التوقعات العامة للنمو الاقتصادي، وهو ما يجعل النمو في الطلب في حدود 94.8 مليون برميل يوميا بحلول 2020 ترتفع إلى 99.1 مليون في 2030، وهذا بالنسبة للسيناريو الأدنى. بينما بالنسبة للسيناريو الأعلى سيكون الطلب في حدود 105.9 مليون برميل ترتفع إلى 121.1 مليون برميل يوميا.
ولا يقتصر الأمر إلى اختلافات رقمية فقط، وإنما هناك تبعات لهذه الاختلافات، إذ ستكون هناك فجوة في حجم الإمدادات المطلوبة، وهذه الفجوة فيما إذا رؤي ردمها فإنها تحتاج إلى استثمارات إضافية في حدود 320 مليار دولار.
أحد جوانب عدم الوضوح والغموض في السياسات يتعلق بتأثير السياسات البيئية التي اعتمدتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الساعية عبر تشريعات وإجراءات إدارية في تخفيف عمليات الانبعاث الحراري من الوقود الأحفوري.
وتناول التقرير الصعود الحاد في الأسعار خلال الفترة الأخيرة، فإلى جانب عوامل العرض والطلب، التي يرى التقرير أنها في حالة جيدة لأن الإمدادات متوافرة والاستثمار مستمر في مجال رفع الطاقة الإنتاجية الإضافية، كما أن وضع المخزونات لدى الدول المستهلكة الرئيسية يبدو مريحا، لكن هناك عوامل أخرى لها دورها في رفع الأسعار وإبقائها في معدلات مرتفعة ولخصها التقرير في تراجع قيمة الدولار، عملة تجارة النفط الرئيسية، والوضع الجيوسياسي إلى جانب الاختناقات في شبكة الصناعة عموما خاصة في جانب التكرير.

الأكثر قراءة