الصكوك الإسلامية في المملكة.. الحاضر الغائب (1 من 2)
لم تواجه هيكلة الصكوك في المملكة ذلك الجدل الشرعي الذي رأيناه حول قضايا متعددة، لعل من أهمها قضية التعهد بالشراء في نهاية الفترة لصكي المضاربة أو المشاركة. والسبب ليس مرده نقاء الصكوك المصدرة هنا أو ابتعادها عن مواطن الخلاف أو الزلل. ولكن السبب الحقيقي يعود إلى أن الصكوك المدرجة في سوق المال السعودية جملة والتي تم إصدارها خلال الأعوام القليلة السابقة لم تتجاوز ستة إصدارات فقط، ثلاثة منها لشركة واحدة فقط ! في حين أن ماليزيا وحدها أصدرت ما يقارب 60 إصدارا للعام الفائت (2007 م ) فقط أي عشرة أضعاف جميع الإصدارات المدرجة في السوق السعودية منذ بدأت! كما يبلغ عدد الإصدارات المعتمدة من الناحية الشرعية في ماليزيا من عام 2002 حتى نهاية 2007 م ما يقارب 350 إصدارا.
علما أن الإصدارات الستة في المملكة كانت معظمها موجهة نحو شريحة معينة من كبار المستثمرين، ويتضح ذلك عند معرفة الحد الأدنى للاكتتاب فيها، حيث وصل في بعض الحالات إلى 500 ألف ريال، في حين توزعت الصكوك الماليزية بين شرائح المستثمرين المختلفة. ثم يتساءل البعض بعد ذلك لماذا خرجت فقاعات الأسهم و العقار في فترات سابقة، و لماذا يتجه المستثمرون، صغارا و كبارا، لهاتين القناتين الاستثماريتين فقط!
والأحرى أن يكون تساؤلنا عن (تغييب) تلك القناة الاستثمارية المهمة التي قد تمتص جزء لا يستهان به من السيولة المتوافرة في السوق. لقد كان ـ ولا يزال ـ غياب الأدوات الاستثمارية المنخفضة إلى متوسطة المخاطر أحد أهم الأسباب الرئيسية التي قادتنا إلى حصر الاستثمار في الأسهم و العقار والمرابحات (الودائع الإسلامية). وإدخال شريحة كبيرة من الناس بين مطرقة المخاطر العالية على رأس المال و سندان الأرباح المنخفضة والتي قد يعتبرها الكثيرون خسارة غير مرئية في الوقت الحالي ـ خصوصا ـ مع انخفاض سعر الفائدة و ازدياد معدلات التضخم.
لقد عانت الصكوك في السنوات القليلة الماضية، من شح جلي يرجع لأمرين اثنين، أولهما، هو غياب التشريعات الواضحة و السوق الثانوية الحاضنة لتلك الصكوك، و قد بدأ علاج هذا الأمر من قبل هيئة سوق المال عبر تسهيل إجراءات الطرح ووضع وحدة مختصة لهذا الشأن، والإعلان عن حجم الصفقات المنفذة على هذه الصكوك وهو ما أنتج عن خروج الإصدارات الستة المشار إليها و تداولها و لو كان ذلك بصورة محدودة، أما ثانيهما وهو الأهم، هو أن البنوك كانت، ومازالت ولكن بشكل غير مباشر، تمارس مسألة الاستشارات والتنظيم للشركات الراغبة في إصدار هذه الصكوك، كما أنها بعد ذلك تمارس الدور التسويقي لهذه الصكوك، وهذان الأمران يمثلان تعارضاً واضحاً في المصالح مع الأهداف الكلية لهذه البنوك في عدة أمور.
حيث إن البنوك والتي هي المرشدة والمصممة والمنسقة لهذا النوع من التمويل للشركات هي جهات ممولة أيضا، بطبيعة الحال، بل إن الدور التمويلي لها هو أساس عملها قبل أي نشاطات استثمارية أو خدمية أخرى، وبالتالي فإن تشجيع الشركات على الدخول في عمليات تمويل من هذا النوع يفقد البنك فرصة تقديم هذا التمويل لهذه الشركات. ولذلك فإن معظم الإصدارات السابقة كانت لشركات كبيرة جدا لم ولن يفلح أي بنك كان في سد احتياجاتها التمويلية لأسباب تنظيمية تتعلق بالشروط المحددة حول السياسات العامة و نسب التمويل المسموح بها للبنوك من قبل مؤسسة النقد أو البنوك نفسها. وبعد ذلك، وفي حال إصدار هذه الصكوك فإن قضية تسويق التداول على هذه الصكوك من خلال البنك يمثل صورة أخرى من صور التعارض مع أهداف البنك، حيث يُطلب من البنك أن يقوم بالتسويق للصكوك على عملائه، في حين أنه مطالب أكثر في إحضار سيولة هؤلاء العملاء على شكل حسابات جارية أو تحويلها لودائع إسلامية يستفيد منها البنك. وقد يعتقد البعض أن الرسوم التي يتقاضاها البنك مقابل هذه الخدمات الاستشارية و التنظيمية والتسويقية تغني عن الأرباح الناتجة عن تشغيل الأموال المتولدة من هذه الحسابات الجارية أو الودائع الإسلامية، إلا أن الحقيقة أنه لو افترضنا ذلك في بعض الحالات فإن للبنك أهدافا وسياسات نقدية و مالية و ائتمانية محددة توجب عليه جمع قدر معين من السيولة يحمي و يعزز موقعه الائتماني ويجعله أكثر متانة، وذلك بالإضافة إلى أهدافه الربحية الأخرى، وهذا ما لا توفره له عملية تسويق تلك الصكوك.
ولعلنا نعود إلى السبل الممكنة لتفعيل عملية إصدار الصكوك في المقال القادم، بمشيئة الله.
كاتب اقتصادي