هل من الممكن خلق تأمين تعاوني إسلامي؟

هل من الممكن خلق تأمين تعاوني إسلامي؟

[email protected]

التأمين التعاوني الإسلامي يثير كثيرا من الإشكالات من حيث مفهومه وضوابطه الشرعية وتمييزه عن غيره من أنواع التأمين، لاسيما التجاري منها وهذا الأخير يمارسه كثير من الشركات في السوق المحلية حالياً فهو الطاغي وهو السائد في شركات التأمين لدينا.
وفي حقيقة الأمر فإن المشكلة تبدو أكبر من هذا التساؤل البسيط الذي طرحته، ذلك أن التأمين بصفة عامة لم تتم دراسته دراسة مستفيضة بمختلف جوانبه لاسيما الجانب الاقتصادي منها ونُظر له وكأنه عقد بسيط بين طرفين فحسمت مسألة الحل والحرمة من خلال هذا العقد رغم أن العلاقات بين أطراف التأمين لا يستطيع أن يحيط بها مجرد عقد بمفهومه الشرعي والقانوني العادي، فالتأمين منظومة متكاملة من العلاقات المتداخلة التي يصعب بل وحتى يستحيل الإحاطة به من خلال القواعد التي ينظمها عقد التأمين فقط.
هذا إذا ما علمنا كذلك بأن التأمين هو ممارسة يحيط بها كثير من الجهل وعدم المعرفة وذلك نظراً لحداثة تجربة التأمين في المملكة، وأن الحديث عنه في السابق كان بمثابة الحديث عن مجهول مخيف وضيف غير مرغوب فيه، فالإنسان عدو ما يجهل، وكان التأمين قبل أن يعرفه الناس من خلال الأنظمة الإلزامية المتعلقة بالتأمين التي صدرت أخيراً، أو من خلال الخدمات التأمينية المختلفة التي قدمتها وتقدمها الشركات بمثابة مارد حبيس يقبع على رفوف المكتبات أو على صفحات أبحاث طلبة العلم الذين يعالجونه وفق حكم مسبق وقاعدة عامة مفادها أن التأمين ينقسم إلى نوعين تأمين تجاري وهو محرم وتأمين تعاوني وهو مباح وفقاً للآية الكريمة (وتعاونوا على البر والتقوى) ولو سألتهم عن ضوابط التأمين التعاوني لوجدتهم يختلفون فيه كثيراً نظراً لاختلاف رؤيتهم فيما يتعلق بفكرة التعاون أو التكافل.
فمنهم من ذهب إلى أن التعاون هو مجرد عمل الخير بالمساهمة بالقسط من دون أن يحصل هذا المساهم على أي نفع مالي أو مادي دنيوي بل لا يرجو من هذا العمل وهو التأمين سوى الأجر والمثوبة من الله في الآخرة فقط. فخلط هذا الاتجاه بين عمل شركات التأمين وعمل الجمعيات الخيرية.
ومنهم من وضع ضوابط للتأمين التعاوني من دون معرفة بكيفية آلية عمل التأمين في السوق فلم يكلف نفسه عناء البحث والتقصي عن سير عملية التأمين، فمثلاً نجده يقول: إن التأمين التعاوني هو مساهمة من مجموعة من الأفراد في صندوق تديره شركة التأمين لتغطية خطر معين وكل من يدفع في هذا الصندوق يسمى مشتركاً فإذا زادت التعويضات عن المبلغ الذي تم دفعه في الصندوق فإن الشركة ترجع على المشتركين بالزيادة وإن توافر فائض في الصندوق، أي زادت المبالغ المساهم بها عن التعويضات تقاسم المشتركون هذا الفائض.
فالتأمين التعاوني بالنسبة لمن يرى شرعيته تغيب عن باله في حقيقة الأمر عدة نقاط جوهرية وفنية لا يعرفها إلا من يحيط بصناعة التأمين وفنيّاته ولكني سأركز على نقطة جوهرية واحدة من هذه النقاط كي لا أطيل على القراء الكرام.
أهم نقطة في هذا الجانب هي مسألة إعادة التأمين فما المقصود بإعادة التأمين؟ إعادة التأمين ببساطة هي قيام شركة التأمين بالتأمين على نفسها لدى شركة أكبر منها أي لدى شركة تُسمى (شركة إعادة تأمين) وهذه الشركة غالباً ما تكون إحدى الشركات العملاقة المسيطرة على صناعة التأمين في العالم ولا توجد شركة تأمين (راشدة) أي عاقلة تدرك أسس التأمين وفنياته إلا وتقوم بعمليات إعادة التأمين مباشرة وبشكل آلي على كل وثيقة تقوم بإبرامها مع العميل عن طريق ما يعرف باتفاقيات إعادة التأمين، وإلا فإنها لن تبقى طويلاً في السوق.
فلو أخذنا مثلا الصندوق الذي أشرت إليه في مقالتي هذه فإنه من وجهة النظر الشرعية يعد تأميناً تعاونياً شرعياً ولكن حينما تقوم الشركة بإعادة التأمين على نفسها فهل تبقى الضوابط الشرعية منطبقة عليها وقائمة كما هي أم أننا سنتحول إلى النوع الأول من التأمين وهو التأمين التجاري؟ ذلك أن هذه الشركة التي تدير الصندوق بشكله التعاوني أدت ونتيجة قيامها بإعادة التأمين إلى خلط المال الذي في الصندوق مع مال شركة إعادة التأمين وأصبحت الضوابط الشرعية غير ذات معنى.
وقد يقول قائل ماذا لو أمنت شركة التأمين هذه عند شركة إعادة تأمين تمارس نشاط التأمين التعاوني؟ أقول حسناً ولكن هل توجد شركة إعادة تأمين تعاوني إسلامي؟ للأسف الشديد هذه الشركات قليلة جداً، كما أن شركات إعادة التأمين المسيطرة على السوق هي شركات عالمية معروفة وتعد على أصابع اليد الواحدة بل حتى إن شركات إعادة التأمين الإسلامية وأقولها بملء فمي وللأسف الشديد تؤمن على نفسها في النهاية لدى شركات إعادة تأمين عالمية (فكأنك يا أبو زيد ما غزيت).
وقد يقول قائل لماذا أصلا تقوم الشركة بإعادة التأمين طالما أن المساهمين هم من يدفعون الفرق إذا زادت التعويضات على مجمل الأقساط المدفوعة؟ والجواب على هذا التساؤل هو أن التأمين ليس بهذه البساطة فقد يُتصور هذا الأمر بالنسبة لتأمينات الأفراد ولكن بالنسبة لتأمينات الشركات فهو غير متصور إطلاقاً فلو أخذنا مثلاً: أن "سابك" و"أرامكو" وهما أكبر شركتين في المملكة وأصولهما بمئات المليارات من الريالات طلبتا التأمين وفق مفهوم التأمين التعاوني فهل توجد شركة عاقلة "راشدة" في السوق أو حتى كل الشركات التي في السوق تقبل بالتأمين على أصول هاتين الشركتين دون أن تحمي نفسها عن طريق إعادة التأمين؟ أي تقوم بالتأمين على نفسها فالخسارة إن حصلت ـ لا قدر الله ـ ستكون بمئات المليارات هذا إذا ما علمنا أنه لا توجد شركة إعادة تأمين إسلامية تقبل التأمين على هذه المئات من المليارات من الريالات أترك لكم الإجابة، فأين التأمين التعاوني مما ذكرت؟!

الأكثر قراءة