توفير فرص العمل في دول الخليج مرتبط بتنمية القطاع الخاص والإصلاحات الهيكلية والاندماج العالمي
اتفقت عدة تقارير اقتصادية دولية صادرة حديثا على أن خلق فرص العمل يمثل واحدة من كبار التحديات الاقتصادية التي تواجه دول المنطقة، ففي ظل وجود معدلات بطالة رسمية مرتفعة تصل إلى نحو 20 في المائة، ولا سيما في صفوف الشباب، يتمثل التحدي الرئيسي أمام حكومات دول المنطقة حالياً في كيفية ابتكار سياسات اقتصادية تحفز النمو الذي يقوده القطاع الخاص في القطاعات غير النفطية.
ففي حين قدرت إحصائيات أوردتها مؤسسة ستاندرد آند بورز الائتمانية أن معدلات البطالة في دول مجلس التعاون الخليجي تراوح بين 13 في المائة و18 في المائة، أشار تقرير أصدره معهد الشرق الأوسط للبحوث والإعلام إلى أن ما نسبته 37 في المائة من السكان في هذه الدول تقل أعمارهم عن 15 سنة و58 في المائة تقل أعمارهم عن 25 سنة، في حين تزداد قوة العمل 3 في المائة سنويا. لذلك فإن التحدي الأكبر الذي يواجه صناع القرارات في المنطقة هو ارتفاع معدل البطالة، الذي يقدر بنحو 20 في المائة عام 2007، وهو الأعلى في العالم، كما أنه يزيد بمعدل الضعف عما كان عليه قبل عشرة أعوام، حيث كان يبلغ 11 في المائة فقط.
وتشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أعلى معدلات البطالة، حيث تبلغ النسبة 13.2 في المائة، وهذا المعدل أعلى من منطقة إفريقيا التي تبلغ النسبة فيها 9.7 في المائة. ويقدر مجلس الوحدة الاقتصادية للجامعة العربية نسبة البطالة في الدول العربية بنحو 22 في المائة. ويعد هذا الرقم محيرا، لأن هناك نحو 15 مليون عامل أجنبي يعملون في الدول المصدرة للنفط وتبلغ قيمة تحويلاتهم السنوية 22 مليار دولار.
كما تبلغ نسبة العمالة إلى عدد السكان 45.5 في المائة، وهي من النسب الأقل في العالم وارتفعت خلال العقد الماضي إلى 46.4 في المائة. بينما يبلغ المعدل العالمي 62.5 في المائة. ويبلغ هذا المعدل في جنوب آسيا 57 في المائة. وتعكس زيادة النسبة في دول الشرق الأوسط مشاركة المرأة التي ارتفعت نسبتها من 20.4 في المائة عام 1995 إلى 23.5 في المائة عام 2007، على الرغم من أن هذه النسبة لا تزال الأقل في العالم.
وبالنسبة إلى إنتاجية العمل يلاحظ، بينما ازداد الناتج المحلي الإجمالي في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 5.5 في المائة خلال الفترة 1997 – 2007، وهو يأتي في المرتبة الثانية في العالم، فإن نسبة الإنتاجية، التي تقيس كفاءة استخدام الموارد ارتفعت بنسبة 0.1 في المائة سنوياً خلال الفترة نفسها وبمجموع 0.9 في المائة خلال السنوات العشر الماضية وهي تعد النسبة الأقل في العالم، حيث إن معدل زيادة الإنتاجية العالمي يبلغ 1 في المائة سنوياً.
وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي المنطقة الوحيدة التي تشهد عدم مواكبة الزيادة في الناتج المحلي مع الزيادة في الإنتاجية. وتفسر هذه الظاهرة بأن زيادة العوائد النفطية كانت السبب الرئيسي لنمو الناتج المحلي الإجمالي التي تتزامن مع ثبات الإنتاجية. وقد ميّزت التقارير بين مستويات زيادة الإنتاجية في كل من الدول المصدرة للنفط وغير المصدرة للنفط، ففي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة زادت الإنتاجية بمعدل أعلى من الدول غير المنتجة للنفط مثل مصر، المغرب واليمن.
ولمواجهة هذا التحدي، يقول تقرير حديث صادر عن البنك الدولي حول التطورات الاقتصادية قي دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إنه يتعين على بلدان المنطقة تعزيز قدرتها على المنافسة على الصعيد الدولي، وتشجيع المزيد من استثمارات القطاع الخاص (المحلية والأجنبية على حد سواء)، من خلال انتهاج إصلاحات هيكلية بعيدة الأثر لتحسين مناخ الاستثمار وتحقيق التكامل مع التجارة العالمية. بيد أن هذا التحول إلى اقتصادات أكثر انفتاحاً، واعتماداً على نظام السوق، وقدرة على المنافسة اتسم بالبطء في هذه المنطقة مقارنة بالبلدان الأخرى المتوسطة الدخل في مناطق أخرى من العالم، مثل أوروبا الشرقية وشرق آسيا.
ولا يزال تعجيل خطى هذا التحول يمثل مطلباً أساسياً ضرورياً للإسراع بزيادة معدلات النمو، إذ تتسم اقتصادات دول المنطقة عادة بارتفاع الإجراءات التدخلية واللوائح التنظيمية الحكومية - فضلاً عن السياسات السارية التي لا تزال تؤثر في إنتاجية الشركات، وقدرتها على المنافسة في الوقت الراهن. ومع ذلك، فعلى الرغم من أن هذه السياسات تظل سائدة في المجالات الرئيسية مثل اللوائح التنظيمية لأنشطة الأعمال، وأسواق الأراضي والائتمان، فقد جرى التخلي تدريجياً عن استراتيجيات التنمية التي توجهها الدولة توجيهاً مركزياً بداية من ثمانينيات القرن العشرين وحتى يومنا هذا.
وقد شرعت معظم الحكومات في إجراء إصلاحات هيكلية وأخرى معنية بالتجارة خلال العقد الماضي من السنين. وأدى الجيل الأول من الإصلاحات إلى تحسين إطار الاقتصاد الكلي، وتخفيض تشوهات الأسعار والتجارة، وتثبيت الاقتصاد، إلا أنه ثبت عدم كفايتها في تشجيع استثمارات قوية يقودها القطاع الخاص، وهي استثمارات لازمة لتخفيض معدلات البطالة التي وصلت أرقاماً عشرية التي تهدد التلاحم الاجتماعي في العديد من هذه البلدان.
وكان التقدم المُحرز في الإصلاحات الهيكلية التي تضمنها الجيل الثاني من الإصلاحات الخاصة ببيئة الاقتصاد الكلي للشركات (على سبيل المثال، تدعيم تسهيل التجارة واللوجستيات، وأسواق الائتمان، والجهاز القضائي، وإزالة الحواجز الإدارية والتنظيمية، ومؤسسات القطاع العام.. إلخ) أبطأ بكثير، وثبت أنه أكثر صعوبة في التطبيق. وبينما توجد تباينات بين بعض البلدان، تُصنِّف معظم مؤشرات مناخ الاستثمار منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلف المناطق الأخرى التي لها المستوى نفسه من الدخول. وتشير الشواهد الأخيرة المُستقاة من استقصاءات تقييم مناخ الاستثمار أيضاً أن ضعف بيئة أنشطة الأعمال تُقيِّد مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة بشكل أكبر من الشركات الكبيرة. ولتسريع خطى ظهور قطاع خاص أكثر نشاطاً وديناميكية في هذه البلدان، يتعين إيلاء مزيد من الاهتمام إلى إصلاحات الاقتصاد الجزئي هذه، لاستكمال التقدم المحرز على صعيد الاقتصاد الكلي والعمل على استدامته.
وتلتزم جميع حكومات هذه المنطقة ـ اليوم ـ بالعمل على تشجيع النمو الذي يقوده القطاع الخاص، وذلك من خلال زيادة التركيز على الجيل الثاني من الإصلاحات. إلا أن الموروث الذي خلفته السياسات السابقة ـ جنباً إلى جنب مع الصدمات الخارجية ـ قد حدد شكل هيكل القطاع الخاص في هذه المنطقة، فضلاً عن تحديد وتيرة الإصلاحات وتسلسلها الزمني. ونتيجة لذلك، لا يزال القطاع الخاص صغير الحجم نسبياً. فهو يتركز في عدد صغير من الشركات الكبيرة الحجم التي تستفيد من السياسات الحمائية، إضافة إلى عدد كبير من مؤسسات الأعمال التجارية الصغرى/ والصغيرة والمتوسطة الحجم، التي غالباً ما تستوعب جزءاً كبيراً من العمالة، ولكن قدرتها على الوصول إلى الموارد التمويلية والأسواق وبرامج المساندة الحكومية محدودة.
يذكر أن الاهتمام بتنمية أنشطة القطاع الخاص برزت على الساحة في الأعوام الأخيرة كمكون ضروري لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة في البلدان النامية. وتساند إدارة تنمية القطاعين المالي والخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البنك الدولي أهدافاً خاصة لتسريع خطى النمو الذي يقوده القطاع الخاص، والاستثمار، وخلق فرص العمل، وتعزيز قدرة الصادرات على المنافسة، وتحقيق التكامل الاقتصادي مع الاقتصاد العالمي. وتوافر تقييمات مناخ الاستثمار قوية من شأنها أن تساعد البلدان على صياغة استراتيجياتها المعنية بزيادة معدلات النمو الذي يقوده القطاع الخاص عبر توضيح تلك القضايا التي تفرض قيوداً أكبر على الإنتاجية والنمو. إضافة إلى ذلك تتيح هذه الإدارة تقييمات حول مناخ الاستثمار وخدمات استشارية بشأن كلٍ من إصلاحات السياسات والمساعدة الفنية وعمليات الإقراض، مع التركيز على خمسة مجالات رئيسية هي الحواجز الإدارية والتنظيمية أمام الاستثمار، والقدرة على الحصول على التمويل، وتسهيل التجارة، واللوائح التنظيمية والبنية الأساسية، وسياسات الأراضي والقدرات المؤسسية، وأخيرا تحسين تقديم الخدمات من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص PPPs.