انعكاسات ارتفاع أسعار النفط على الصناعات البتروكيماوية
ارتفع سعر النفط الأمريكي من بداية عام 2008م وإلى نهاية أيار (مايو) من العام نفسه بنحو 35 في المائة، وارتفعت بنحو 300 في المائة خلال السنوات الثلاث الماضية لأسباب كثيرة، منها ما هو معروف ومنها ما زال محل خلاف ما بين منظمة أوبك والدول الصناعية، حيث ترى (أوبك) أنه لا يوجد خلل في العرض وإنما أصل المشاكل من المضاربين ومن الدولار المريض، بينما يرى العالم الصناعي ضرورة زيادة الإمدادات النفطية وذلك لزيادة استهلاك العالم، وخصوصاً زيادة حصص كل من الصين والهند للنفط، وفي الفترة الأخيرة (نهاية مايو 2008م) صرح شكيب خليل رئيس منظمة (أوبك) الحالي، بأن ارتفاع أسعار النفط له علاقة بتناقص إنتاج الدول من خارج (أوبك) مثل روسيا والنرويج، وأيضا يعزى إلى تنامي الطلب الآسيوي الكبير بقيادة الصين والهند، أي بمعنى آخر الطلب أكبر من العرض.
وفي خضم هذا الجدل تستمر أسعار النفط في الارتفاع والوصول إلى مستويات وأرقام جديدة لم يعرفها العالم من قبل، حتى اقتربت أسعار الخام الأمريكي من 140 دولارا للبرميل في منتصف الشهر الحالي، ولم تكن قبل ثلاث سنوات لتتوقع هذه الارتفاعات كبرى المؤسسات الاستشارية المختصة في العالم.
للصناعات البتروكيماوية مصدران أساسيان وهما: النفط والغاز الطبيعي. ويعد استخدام النفط ك لقيم للصناعات البتروكيماوية من الاستخدامات الرئيسية للنفط، حيث تستخدم مشتقات النفط الخفيفة وأيضا يتم استخدام بعض المشتقات الثقيلة بعد تكسيرها. وتقدر نسبة ما يستهلكه العالم من النفط في الصناعات البتروكيماوية نحو 30 إلى 40 في المائة من الإنتاج العالمي للنفط، حيث يتم تكسير بعض المشتقات البترولية مثل النافثا وغاز البترول المسال LPG لإنتاج الأوليفينات مثل الإيثيلين والبروبيلين ليتم تحويلهم في عمليات كيميائية إلى بلاستيك بمواصفات مختلفة، وأيضا يتم تهذيب النافثا إلى مواد عطرية ليتم تحويلها لاحقاً إلى بولي إستر وبولي ستايرين، لذلك فإن أي ارتفاع في أسعار النفط سيلقي بظلاله على أسعار البتروكيماويات.
ومن البدهيات الاقتصادية الاعتقاد بارتباط أسعار النفط الخام وأسعار الغاز الطبيعي بأسعار المنتجات البتروكيماوية بعلاقة وطيدة، باعتبار أن النفط يعتبر مصدرا رئيسا لإنتاج المواد البتروكيماوية في كثير من دول العالم، وخاصة في أوروبا ودول آسيا المحيط الهادي، حيث لا يوجد الغاز الطبيعي.
ويعد الغاز الطبيعي وسوائل الغاز NGL المصدر الرئيس لإنتاج المملكة ودول الخليج العربي وإيران وأمريكا وكندا بشكل عام من البتروكيماويات، حيث يتم فصل غاز الإيثان وتنقيته من الشوائب ومن ثم إرساله إلى وحدات التكسير البخارية لإنتاج الإيثيلين، ولذلك فإن معظم إنتاج المملكة من الإيثيلين والبروبيلين لا يأتي من النفط بل من الغاز.
يبقى أن نعلم أن أسعار لقيم الغاز ثابتة ولم تتأثر بالزيادة الهائلة الطارئة على أسعار النفط التي وصلت إلى أكثر من 700 في المائة منذ بداية هذا القرن، بينما تمتع منتجو الإيثيلين في المملكة ودول الخليج العربي وإيران بأسعار لقيم ثابتة عند مستويات غاية في الرخص.
ولا ننسى أيضا أن مكسرات الإيثان البخارية تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، إذ إنه يجب رفع درجة حرارة وحدة التكسير هذه إلى درجات تقارب 800 درجة مئوية، وهذا يؤدي إلى حرق كميات كبيرة من الغاز الطبيعي أو زيت الوقود، وأسعار الطاقة في دول الخليج أرخص من الدول الآسيوية والأوروبية وحتى الأمريكية.
ولأن إنتاج الإيثيلين من غاز الإيثان مربح جداً بالنسبة لإنتاجه من النافثا، فنرى أن معظم الإضافات في الطاقة الإنتاجية العالمية للإيثيلين من المتوقع أن تأتي من دول الخليج العربي وإيران، وعليه فإن هذه الدول أضافت للإنتاج العالمي للإيثيلين في الفترة 2000 إلى 2007م نحو 24 في المائة من كل الإضافات العالمية، ونرى أن التوقع (بناء على المشاريع المعلنة) أن تزداد كمية الإيثيلين المضافة من هذه الدول في الفترة 2008 إلى 2015م إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة الإنتاجية العالمية المضافة للإيثيلين.
زيادة إنتاج الإيثيلين من دول المنطقة سيتم على حساب منتجي الإيثيلين الآخرين والذين لم يتمتعوا بلقيم رخيص ولا بأسعار طاقة رخيصة، وعليه نرى أن شركات أوروبية وأمريكية بدأت تدرك صعوبة منافسة شركات دول الخليج البتروكيماوية فعرضت للبيع حتى توقف خسائرها أو قامت هذه الشركات بإقامة مشاريع بتروكيماوية مشتركة في منطقة الخليج.
وشهد العالم انخفاض أرباح الشركات البتروكيماوية العالمية مع استمرار ارتفاع أسعار النفط، حيث انخفضت أرباح عملاق البتروكيماويات الأمريكي داو كميكال لعام 2007م مقارنة بعام 2006م حيث أنفقت نحو 50 في المائة من إجمالي نفقات عام 2007م على اللقيم والطاقة لتصل إلى 24.6 مليار دولار، ما دفعها إلى رفع أسعار منتجاتها البتروكيماوية بنسبة 20 إلى 30 في المائة، وكذلك انخفضت أرباح عملاق البتروكيماويات الأوروبي (باسف) للفترة نفسها.
ارتفعت أسعار النافثا مصدر الإيثيلين لكثير من الشركات العالمية كثيراً في أيار (مايو) من العام الحالي حتى وصلت إلى 1200 دولار للطن، وكانت أسعار النافثا قبل ثلاث سنوات أقل من 600 دولار للطن، أي أن أسعار اللقيم قد زادت على منتجي البلاستيك الأوروبيين والآسيويين بنسبة 100 في المائة. وكذلك تعدت أسعار الغاز الطبيعي مصدر الطاقة في مثل هذه المصانع عشرة دولارات لكل مليون وحدة حرارية ووصلت إلى 12 دولارا لكل مليون وحدة حرارية في بورصة نيويورك في حزيران (يونيو) من العام الحالي، وهذا يعني أن أسعار الطاقة قد زادت بنحو 40 في المائة في ثلاث سنوات.
لذلك نرى أن أسعار أهم مركبات الإيثيلين وهي البولي إيثيلين قد زادت من بداية عام 2007م وإلى نيسان (أبريل) من العام الحالي بأكثر من 30 في المائة، حيث تعد سعر طن البولي إيثيلين 1600 دولار كما يعرض الشكل (المصدر موقع أرقام).