عدم كفاية الرقابة في أسواق السلع واستثمارات المضاربة فاقما صعود الأسعار
رحب المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة بالحضور في اجتماع جدة للطاقة وتلبيتهم الدعوة الكريمة من خادم الحرمين للتناقش والتباحث حول أسعار النفط السائدة حاليا التي تؤثر في المنتجين والمستهلكين كيانات حكومية ودولية وقطاع خاص وشركات نفط وطنية وعالمية ومنظمات وهيئات ومؤسسات من خارج الصناعة البترولية. وقال في كلمته "بالنظر إلى أهمية البترول في الحياة المعاصرة والطابع العالمي لأسواق النفط والآثار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بعيدة المدى لارتفاع الأسعار وتقلبات السوق فإننا جميعا معنيون بهذا الموضوع فأحوال السوق الحالية لا تصب في مصلحة المنتجين ولا المستهلكين والوضع الراهن لا يرضي أحدا.
وأضاف "قبل سنة من الآن كانت الأسعار في حدود 65 دولارا للبرميل إما الآن فهي ضعف ذلك تقريبا فإذا كان الطلب العالمي على النفط قد ارتفع مابين 800 ألف برميل و1.2 مليون برميل في اليوم خلال الفترة من الربع الثاني من عام 2007 إلى الربع الثاني من عام 2008 فإن إمدادات النفط قد زادت بنحو 1.4 إلى 1.6 مليون برميل في اليوم خلال نفس الفترة نفسها أي بما يفوق بكثير الزيادة في الطلب وبناء على ذلك ارتفع المخزون النفطي التجاري من نحو 52 إلى 54 يوما خلال الأشهر الـ 12 عشر الماضية كما أن مستويات المخزون ضمن المستوى الطبيعي في الوقت الحاضر". ومضى يقول "مع ذلك شهدنا هذه القفزة الهائلة في الأسعار مصحوبة بتقلبات واسعة النطاق ولعلكم تتذكرون كيف أن خام غرب تكساس الوسيط والذي ارتفع مطلع هذا الشهر بمقدار 11 دولارا في جلسة تداول واحدة على الرغم من عدم وجود أية اضطرابات كبيرة في الإمدادات أو زيادة حادة في الطلب ذلك اليوم فمن الواضح أن هناك شيئا آخر غير عوامل العرض والطلب يقف وراء ذلك وأن التركيز ببساطة على زيادة العرض لن يكبح جماح الأسعار الحالية".
ولفت النعيمي إلى أن هناك هواجس تتعلق باحتمال نقص المعروض على المدى البعيد يبدو أنها تلعب دورا في أسعار العقود الآجلة، مؤكدا أن هذه الهواجس لا مبرر لها، لأن العالم لديه ما يكفي من الموارد البترولية التقليدية وغير التقليدية القادرة على تلبية الطلب لعقود عديدة مقبلة حتى ولو لم نضع في الحسبان عامل التقدم التكنولوجي المستقبلي الذي سيمكننا من زيادة فاعلية الإنتاج من تلك الموارد، كما أن هناك انخفاضا مطردا في الاستهلاك الياباني للبترول وأثر الأسعار في الطلب على المدى الطويل مع وجود ضغوط لخفض مستوى الطلب كل تلك العوامل يجب أن تؤخذ في الحسبان، على الرغم من نمو الطلب في بعض البلدان النامية مثل الصين والهند.
وأوضح أن المطلوب على المدى البعيد، ليس النفط الموجود في باطن الأرض، بل المزيد من المرافق لاستخراجه ومعالجته وإيصاله إلى الأسواق العالمية، مشيرا إلى أن المملكة من جانبها توفر هذه المرافق من خلال برنامجها الاستثماري المتكامل في جميع الأعمال البترولية.
وأكد أن الصناعة البترولية تشهد ضغوطا على طاقة التكرير العالمية وصعوبات بسبب بعض الاختناقات في البنية الأساسية العالمية، لافتا النظر إلى أن هناك نقصا في الطاقة التحويلية لمعالجة أنواع الزيت الخام المر والثقيل، إلى جانب تشدد وتباين متزايدين فيما يتعلق بمواصفات المنتجات المكررة، ما يزيد معاناة المستهلك النهائي لتلك المنتجات. وأشار وزير البترول والثروة المعدنية إلى أن صناعة البترول مرت بظروف في الماضي، ولكن دون أن تشهد هذا الحد من ارتفاع الأسعار وتقلبات السوق وعدم الانسجام بين موازين العرض والطلب والأساسيات الأخرى في الصناعة من ناحية وسلوك الأسعار وتقلبات السوق من ناحية أخرى. وقال "أعتقد أن مجموعة واسعة من العوامل الأخرى لا تستطيع الصناعة البترولية معالجتها أو حتى التأثير فيها تغذي ارتفاع الأسعار وتقلبات السوق، ولعل من أبرز هذه العوامل تلك التوجهات الأخيرة في الأسواق المالية العالمية بما في ذلك ضعف أسواق الأسهم والسندات التي شجعت المستثمرين على توجيه رساميلهم إلى سلع مثل النفط".
ورأى أن هناك علاقة على مدى العامين الماضيين بين مخزونات النفط العالمية وبين أسعار الزيت الخام، حيث كانت هناك علاقة قوية بين تزايد حجم تجارة النفط الخام الآجلة في سوق "نايمكس" وارتفاع الأسعار، مبينا أنه وفقا للعديد من المراقبين والمحللين فإن عدم كفاية الرقابة والتنظيم وتقارير استثمارات المضاربة في السلع قد فاقمت من هذا الوضع. وأكد النعيمي أن المملكة التزمت تاريخيا بدعم استقرار السوق وحرصت على المحافظة على طاقة إنتاجية احتياطية تكلفها الكثير، ولا يخفى على الجميع أن المملكة بادرت إلى توظيف هذه الطاقة الاحتياطية في الماضي عندما تطلب سوق النفط العالمي ذلك. وبين أن موازين العرض والطلب ومستويات إنتاج النفط الخام ليست هي المحركات الأساسية لأوضاع السوق الراهنة وأن في الأسواق من الإمدادات ما يكفي وعلى الجميع أن يفعل ما باستطاعته لتخفيف هذه الظروف الصعبة. وأعلن استعداد المملكة لرفع إنتاجها خلال الفترة المتبقية من هذا العام فوق مستوى 9.7 مليون برميل في اليوم التي سيتم التخطيط لتطبيقها خلال تموز (يوليو) إذا كان هناك طلب على هذه الكمية.
وقال وزير البترول "ومع أننا نملك قدرة فاعلة على المحافظة استمرار الزيادة الحالية التي أضفناها إلى مستويات الإنتاج دون عناء لعدة سنوات أخرى فإن المملكة ستواصل تنفيذ مجموعة مشاريع جديدة لزيادة طاقتها الإنتاجية من الزيت الخام وهي المشاريع التي من شأنها أن تزيد الطاقة الإنتاجية القصوى للملكة إلى 12.5 مليون برميل في اليوم بنهاية العام المقبل وسيمكننا ذلك من مواصلة الحفاظ على طاقتنا الإنتاجية الاحتياطية لمصلحة استقرار السوق العالمية ولمصلحة الجميع".
وأضاف يقول "إضافة إلى ذلك فقد حددنا مجموعة من المشاريع الكبرى المستقبلية التي ستحقق زيادة إنتاجية إجمالية قدرها 2.5 مليون برميل في اليوم والتي يمكن تنفيذها إذا دعت مستويات الطلب إلى ذلك ومن بين هذه البرامج المحتملة برنامج زيادة الإنتاج بمقدار 900 ألف برميل في اليوم من حقل الظلوف وبمقدار 700 ألف برميل في اليوم من حقل السفانية وبمقدار 300 ألف برميل في اليوم من حقل البري وبمقدار 300 ألف برميل في اليوم من حقل خريص وبمقدار 250 ألف برميل في اليوم من حقل الشيبة".
وأكد النعيمي أن المملكة ستمضي، بمشيئة الله، قدماً في خططها الاستثمارية في قطاع التكرير بإضافة طاقة تكريرية إجمالية على مدى السنوات الخمس المقبلة تبلغ نحو مليوني برميل في اليوم من مشاريع داخل المملكة وخارجها، مشيرا إلى أنه في وقت لاحق من هذا المساء ستقوم كل من "أرامكو السعودية" و"توتال" بالتوقيع على اتفاق شراكة لإنشاء مصفاة تصدير في الجبيل بطاقة 400 ألف برميل في اليوم، وهي مصفاة ستصمم لتكون قادرة على تكرير الزيت الخام العربي الثقيل ولتساعد بالتالي على سد الفجوة بين المواصفات الحالية للمصافي وأنواع الزيت الخام العالمية.
وقال "إن تلك استثمارات ضخمة ستبلغ قيمتها على مدى السنوات الخمس المقبلة نحو 129 مليار دولار في أعمال التنقيب والإنتاج والتكرير والتسويق، فنحن كعادتنا تصدق أفعالنا أقوالنا فتمشيا مع سياستنا الراسخة تضطلع المملكة بهذه المشاريع والاستثمارات لمصلحة الاقتصاد العالمي ومن أجل تلبية احتياجات المستهلكين في كل أنحاء العالم فنحن ننظر إلى مسؤولياتنا والتزاماتنا كموردين للطاقة على أنها أمانة في أعناقنا".
وأوضح أن المملكة تنفذ تلك الاستثمارات متطلعة إلى أن تقوم الدول والمؤسسات والشركات الأخرى أيضا بدورها في مواجهة التحديات متعددة الجوانب التي يفرضها الوضع الحالي للسوق، وأن تعزز من جهودها في الوقت الذي تواصل فيه المملكة تعزيز استثماراتها وطاقتها وأعمالها.
وقال "إننا نؤمن بأن الدول المستهلكة تستطيع أن تلعب دورا بالغ الأهمية في مشاركتنا التعامل وبفاعلية مع الوضع السائد في السوق، ورغم كون القضايا التي نحن بصددها شديدة التعقيد، إلا أن هناك عدداً من المبادرات التي يمكن أن تحقق أهدافنا المشتركة فيما يتعلق بتلك القضايا، من هذه المبادرات ما يلي:
أولا: من خلال تغييرات مدروسة في عدد من السياسات الوطنية والعالمية يمكن خلق بيئة مستقرة ومساعدة تزدهر فيها الاستثمارات والتوسع في جانب العرض من قطاع البترول.
ثانيا: بناء على الاتفاق الذي أبرم أخيرا بخصوص مد الرقابة التنظيمية لتشمل العقود الآجلة في أوروبا فإنه من المستحسن دراسة إضافة إجراءات تنظيمية ورقابية، وأن يتم تحسين تقارير السوق لكبح عمليات المضاربة غير المسؤولة.
ثالثا: يستحسن أن يتم بشكل مناسب تخفيف مواصفات المنتجات البترولية وأنظمة الوقود لزيادة المعروض من المنتجات باستخدام المصافي وأنواع الزيت الخام الموجودة.
رابعا: يجب أن نعمل جميعا لتخفيف حدة التوترات السياسية التي تلعب دوراً في ارتفاع أسعار البترول.
خامسا: لمساعدة المستهلك النهائي يجب أن يدرس تخفيض الضرائب على المنتجات البترولية.