دعوهم يجهلون حقوقهم في التأمين!

دعوهم يجهلون حقوقهم في التأمين!

[email protected]

قابلت أحد المعنيين بقضية التوعية بالتأمين وتجاذبنا أطراف الحديث حول هذه المسألة والجهود التي يبذلها هذا الزميل في قضية التوعية بالتأمين، فذكر لي وبألم قصة حدثت له مع أحد مسؤولي شركات التأمين، وذكر لي كيف أنه كان يخاطب هذا المسؤول ويحثه على الدخول في برنامج للتوعية بالتأمين، فقال له هذا المسؤول يا أخي: هل تريد أن تنبه الناس على حقوقهم في التأمين؟ دعهم يجهلون حقوقهم في التأمين، ولا تفتح الأبواب علينا، نحن نريد أن يبقى هؤلاء الناس جاهلين لحقوقهم في التأمين!
حقيقة فوجئت بكلام هذا المسؤول ووازنت على الفور بين مصلحة شركة التأمين في أن يبقى عملاؤها جاهلين بحقوقهم التأمينية، وبين مصلحتها هي نفسها في أن يعي هؤلاء العملاء حقوقهم في التأمين، وكذلك واجباتهم المفروضة عليهم. وفكرت كذلك في جدوى وجود وعي عام بالتأمين لدى الجمهور، ومن ضمنهم بالطبع شريحة العملاء الذين ترتبط معهم شركات التأمين بوثائق تأمين، وهل سيؤدي ذلك إلى تحقيق مصالح اقتصادية بعيدة المدى بالنسبة لشركة التأمين؟!
من البديهيات التي سأذكرها هنا أن العاملين في شركات التأمين يعرفون جيداً أن التأمين قائم في الأساس على الثقة وتنمية روح المسؤولية بين أطرافه وأن شركات التأمين تحرص على إيجاد شريحة مميزة من العملاء، مثلها في ذلك مثل المربي الذي يخلق جيلاً واعياً بحقوقه والتزاماته، ولا أبالغ أبدا في هذا القول، بل على المستوى الشخصي فأنا أعرف شركات تأمين وأصحاب شركات تأمين متميزين خلقوا جيلاً واعيا من العملاء واحتفظوا بهم ولم يفرطوا فيهم بل ويتفاخرون بهم أمام شركات التأمين الأخرى التي عجزت عن أن تجذبهم إليها، بل قدمت لهم مغريات مهمة ولكنهم أصروا على البقاء في إطار هذه العلاقة (الأبوية) مع تلك الشركات، والسبب بسيط جدا وهو أن هذه العلاقة بنيت على التفاهم والتعاضد بين هذه الشركات وعملائها ضد المخاطر التي يقومون بالتأمين عليها.
صحيح أن هذه الشريحة من العملاء تمثل في معظمها شركات ومصانع ومنشآت كبيرة وقلة قليلة من الأفراد العاديين إلا أنها غرست مبادئ مهمة ورائعة في أصول التعامل وطبيعة العلاقة التي يجب أن تسود بين شركات التأمين وعملائها. واللافت للنظر حقاً أن هذه الشركات لم تهتم بالتوعية المباشرة بحقوق عملائها فحسب بل تجاوزت ذلك إلى توعية عملائها بالمخاطر المحدقة بهم وكيفية التعامل معها فاهتمت اهتماماً كبيراً بتوعية عملائها بما يعرف اصطلاحاً بفن إدارة المخاطر وكيفية درئها وكذلك التعامل معها في حالة حدوثها لا قدّر الله.
فقامت هذه الشركات بعمل دراسات ميدانية مهمة عن المخاطر والبيئة المساعدة لها وزارت عملاءها في مصانعهم ومنشآتهم ومواقعهم وقدمت لهم النصح والإرشاد بخصوص هذه المخاطر كلاً بحسب طبيعة نشاطه وقدمت له المساعدة التقنية والفنية للحد منها، وهذا الأمر بلا شك هو في صالح شركات التأمين في النهاية وهو يحقق الغرض الأساس من التأمين نفسه وهو الشعور بالأمن والطمأنينة (للطرفين)، وهذه العلاقة يحكمها كذلك مبدأ مهم في التأمين وهو مبدأ المصلحة التأمينية وفحواه أنه ينبغي أن تكون لدى الطرفين (الشركة والعميل) المصلحة نفسها وبالقدر نفسه في عدم حصول الخطر المؤمن ضده.
إذاً العلاقة بين شركات التأمين وعملائها هي ليست علاقة تضاد وتضارب في المصالح كما يصورها البعض، بل هي علاقة تعاون وتكامل بين الطرفين.
ولذلك فإنه ينبغي على شركات التأمين ألا تخشى ارتفاع درجة الوعي لدى جمهور المستهلكين للتأمين لأن هذا في النهاية سيصب في صالحها، بل أنصح شركات التأمين بالمساهمة حتى في برامج التوعية غير المباشرة التي تخدم سوق التأمين في النهاية، مثل دعم الحملات المرورية الهادفة إلى التقليل من حوادث السير وإجراء الدراسات الميدانية حول الحوادث وسبل الحد منها ودعم أنشطة الدولة في هذا المجال، وكذلك دعم إصدار الأنظمة التي تعنى بالشأن المروري لأن هذا في النهاية سيقلل من تكلفة التأمين على السيارات نظراً لأن الحوادث المرورية ستقل. كما أن شركات التأمين يجب أن تكافئ عملاءها الملتزمين بالقيادة السليمة للمركبات والذين لا يوجد لديهم سجل حافل بالمخالفات التي تؤثر في السلامة المرورية وذلك بإعطائهم حسومات مناسبة على أقساط التأمين وهي بذلك أيضاً ستشجع الجميع على الفهم الأمثل للتأمين والتقيد بالأنظمة التي تهدف إلى الحرص على سلامتهم والتقليل من تكلفة التأمين أيضاً على الطرفين وأقصد بذلك العميل وشركة التأمين، وما ينطبق على التأمين على المركبات ينطبق كذلك على التأمين الصحي والحديث عن هذا الأخير يطول أيضاً. لكن ما يهمنا من طرح هذا الموضوع هو أن قضية الوعي التأميني مهمة جدا وأنه ينبغي على شركات التأمين أن تخلق وعياً تأمينياً عاما لأنه سيخدم مصالحها بكل تأكيد قبل أن يخدم مصلحة العميل نفسه.

خبير في قطاع التأمين

الأكثر قراءة