رسائل السعودية الـ 3

رسائل السعودية الـ 3

[email protected]

أرسلت السعودية ثلاث رسائل إلى مؤتمر جدة الذي يبدأ اليوم، يلاحظ فيها: أنها جاءت قبل انعقاد المؤتمر من ناحية التوقيت، وتم الإعلان عنها بواسطة بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة ثانيا. وعند المقارنة بما حدث مع جورج بوش من تجاهل في المرة الأولى والإشارة بوضوح إلى أن الزيادة التي أعلن عنها وقت زيارته الثانية في أيار (مايو) إنما تقررت قبل حضوره بأسبوع، بينما الآن يتم الإعلان عبر الموظف الأممي الأول، أي أن الخطوة مقصود بها كل العالم من منتجين ومستهلكين وهو محور مؤتمر جدة.
ثالثا إن حجم الزيادة مع الوضع الحالي للأسعار يبدو صغيرا ولن يعطي التأثير المطلوب، لكن الخطوة لا تهدف إلى تحجيم الأسعار بواسطة ضخ المزيد من الإنتاج فقط، فالموقف السعودي الثابت أن المشكلة ليست قاصرة على الإمدادات فقط، هذا إلى جانب وضع الاعتبار لبقية المنتجين خاصة داخل (أوبك)، ولدفع الآخرين ليسهموا بقدر من الجهد سواء بتقليل استهلاكهم أو التعامل مع المضاربين الذين أصبحوا قضية لها تأثيرها في السوق.
قبل فترة استخدم نوبو تاناكا مدير الوكالة الدولية للطاقة كلمة لا تتناسب والقاموس السائد في الساحة الغربية واليابانية تحديدا وهي كلمة: ثورة، إذ دعا إلى القيام بثورة في مجال الطاقة. ورغم الإشارة إلى التقنيات الجديدة وزيادة الفاعلية في الاستهلاك، إلا أن كلمة ثورة بظلالها السياسية تبدو وافدة من ناحية، كما تشير في الوقت ذاته إلى الحاجة إلى تناول جذري لقضايا الطاقة في القرن الـ 21.
صحيح أن تفعيل التقنية والعمل في مناطق جديدة يمكن أن يسهم في تحسين وضع الإمدادات، لكن تظل القضية المحورية أن هناك ملايين جدد من المستهلكين يحتاجون إلى تلبية احتياجاتهم، لكن يظل وضع تقسيم كعكة الإمدادات هاجسا يزداد بروزا مع التحولات الجيوسياسية في مراكز القوى وموازينها.
في الأسبوع الماضي نشرت شركة "بي. بي" كتابها الإحصائي السنوي عن مختلف أوجه الصناعة النفطية حول العالم. وبنظرة سريعة يمكن التقاط الأرقام التالية حول الاستهلاك. فالولايات المتحدة صعد استهلاكها في ميدان الطاقة من 18.6 مليون برميل يوميا قبل عشر سنوات إلى 20.6 مليون بنهاية العام الماضي، أوروبا وأوروبا الآسيوية حققت 20.1 مليون استهلاكا بنهاية العام الماضي مقابل 19.7 مليون قبل عقد من الزمان. آسيا الباسفيكية استهلكت 25.4 مليون العام الماضي مقابل 20 مليونا قبل سنوات عشر. أما إفريقيا، التي تتركز عليها الأنظار ميدانا جديدا للصراع على الموارد، فقد بلع استهلاكها 2.9 مليون برميل، بزيادة 600 ألف برميل يوميا فقط خلال عقد من الزمان.
لكن هذه الأرقام تكتسب لها بعدا جديدا بإضافة أرقام أخرى إليها، فالولايات المتحدة، التي تستهلك واحدا من كل أربعة براميل ينتجها العالم، إنما تلبي احتياجات 301 مليون نسمة فقط، بينما يقل الاستهلاك الأوروبي عن رصيفه الأمريكي رغم عدد سكان دول الاتحاد البالغ 495 مليون نسمة. ومن الناحية الأخرى فإن آسيا، التي يبلغ عدد سكانها أربعة مليارات نسمة تجاوزت الاستهلاك الأمريكي نفطيا بمقدار الربع فقط.
بعض الساسة الغربيين أصبح يفسر حالة الارتفاع التي تشهدها أسعار المواد الغذائية بسبب دخول أنماط جديدة من مستهلكي العالم الثالث إلى الساحة أصبحوا يتناولون وجبتين وأحيانا ثلاثا. ومع ما في القول من تلميحات عنصرية، إلا أنه لا يخلو من الحقيقة، وهي حقيقة لا تقتصر على الطعام فقط، وإنما تتعداها إلى السفر حول العالم، وهو ما يعبر عن نفسه بهذا الازدحام الذي تشهده المطارات في كل اتجاه وكل وقت من العالم، وكذلك الاستخدام المتزايد للسيارات ووسائل النقل الحديثة.
مؤتمر جدة ليس في وارد الخروج بحلول شاملة كاملة لما تعانيه السوق من متغيرات عميقة تتزايد القناعة بوصفها بالأزمة النفطية الأولى في القرن الـ 21. وإذا كان أحد ملامح هذه الأزمة نهاية عهد النفط الرخيص، فإن الجانب الثاني لذلك دخول مستهلكين جددا يعكسون إلى حد ما متغيرات في موازين القوى الدولية ولا بد من أخذها في الحسبان.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تحدث فيها تحولات في ميزان القوى حول العالم، والتسابق نحو القارة الإفريقية في القرنين الـ 18 والـ 19 دليل على هذا، لكنها المرة الأولى التي يجتمع فيها كل اللاعبين تحت سقف واحد وتبادل لوجهات النظر وربما بلورة بعض الآراء والأفكار، وأهم من ذلك إذا كان يمكن حسم الاختلاف في المصالح والرؤى عبر وسائل سلمية بدلا من اللجوء إلى السلاح الذي ميز التاريخ الإنساني.
وهذا ما يعطي مؤتمر جدة مذاقا مختلفا، لكن من غير العدل تحميله كل المسؤولية، فهو في أفضل الأحوال سيكون أحد العوامل التي ستساعد العالم على اكتشاف سبل جديدة، تبقى مسؤولية المضي أمرا متفاوتا بين مختلف اللاعبين.

الأكثر قراءة