تحامل الدول المستهلكة على "أوبك" .. غيوم تخفي الحقيقة
من المحتمل أن تجدد الدول المستهلكة ومعظم كبريات شركات النفط العالمية في اجتماع جدة للطاقة الأحد المقبل، تأكيد تحميل دول منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وزر الارتفاع المستمر لأسعار النفط في الأسواق العالمية.
ويعد حضور الدول المستهلكة والشركات العملاقة في مجال الطاقة اجتماع جدة للطاقة إلى جانب الدول المنتجة فرصة لطرح النقاط المثيرة للجدل على طاولة البحث.
ورغم اعتراف الدول المستهلكة من أن العالم بحاجة إلى مزيد من الطاقة الإنتاجية لمصافي التكرير، إلا أنهم يلقون اللوم على دول "أوبك" في ارتفاع الأسعار الجنوني بسبب عدم زيادة الإنتاج وبسبب عدم تخفيض الأسعار، في إغفال مباشر لتأثير عوامل السوق.
ومن المقرر أن يناقش اجتماع جدة للطاقة "وضع السوق البترولية الدولية، والارتفاع الحالي في أسعار البترول، وكيفية تعاون الدول المنتجة والمستهلكة والمنظمات الدولية ذات العلاقة، وشركات البترول الرئيسة من أجل التعامل مع هذه الظاهرة التي ليس لها ما يبررها من حيث المعطيات البترولية وأساسيات السوق، واقتراح الحلول المناسبة للتعامل معها"، كما أشار إلى ذلك المهندس علي بن إبراهيم النعيمي، وزير البترول والثروة المعدنية في تصريح صحافي أخيرا.
وبينما يتفق غالبية المحللين على أن "نقص الطاقة الإنتاجية لمصافي التكرير"، و"مشاكل التكرير في الولايات المتحدة"، و"المضاربين"، و"التوترات الجيوسياسية" هي التي دفعت بالأسعار إلى مستويات قياسية قاربت 140 دولاراً للبرميل، يرسم بعض كبار المستهلكين صورة أخرى مغايرة بصورة متناقضة.
ففي اجتماع وزراء الطاقة في أكبر خمس دول مستهلكة للطاقة وهي الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية، اليابان، الصين، الهند، صدرت تصريحات متضاربة وخلافات واضحة حول الأسباب الحقيقية لارتفاع أسعار النفط.
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قد دعا أخيرا إلى عقد اجتماع لوزراء الطاقة للدول المنتجة والمستهلكة للنفط.
وأشاد مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة بالترحيب العالمي والسرعة في الاستجابة والرغبة في المشاركة في الاجتماع.
يأتي الاجتماع "من منطلق دور المملكة الإيجابي في العلاقات الدولية بمختلف جوانبها واهتمامها بالاقتصاد العالمي واستقرار السوق البترولية وحرصها على تعاون الدول المنتجة والمستهلكة في هذا الشأن"، كما عبر المجلس أخيرا.
وهذه الدعوة من جانب المملكة تشير بوضوح إلى رغبتها الأكيدة في المعالجة والمساعدة على موضوع ارتفاع الأسعار وتأثيراته المختلفة.
ويرى فريق من بعض كبار المستهلكين أن سياسات دعم الوقود في بعض الدول هي أحد أسباب ارتفاع أسعار النفط، بينما يرى فريق آخر أن "الدول النامية تدعم منتجات الطاقة في أسواقها المحلية بغية تخفيف الأعباء على الطبقات الفقيرة". وقال وزير الطاقة الأمريكي صامويل بودمان إن دعم الصين والهند لمنتجات في أسواقهما قد أدى إلى زيادة الطلب على الطاقة، بالتالي إلى ارتفاع أسعار النفط. وقال "إن الطلب على النفط يزداد بسبب استمرار عديد من الدول في دعم أسعار النفط في بلدانها وهو ما يجب أن يتوقف". وترفض كل من الهند والصين إلغاء أو تخفيض الدعم عن منتجات النفط بسبب المخاوف من احتمال وقوع اضطرابات اجتماعية وسياسية فيهما. وفي الولايات المتحدة، ضغط سياسيون أمريكيون على صناديق التحوط التي تقوم بمضاربات في أسواق السلع بهدف وقف ارتفاع أسعار النفط.
وفي هذا السياق، أكد وزير المالية الكندي جيم فلاهيرتي أخيرا "أن الأسواق هي القادرة وحدها على تحديد الأسعار"، وليس الدول المنتجة.
ويدخل في حقائق الأسواق التي أشار إليها فلاهيرتي عاملا الطلب والعرض. وفي هذا الخصوص، أشار رئيس وكالة الطاقة الدولية إلى توقع منظمته تراجع حجم الطلب العالمي من النفط.
وقال في تصريحات صحافية أخيرا في لندن "ربما نشهد مزيدا من تباطؤ الطلب العالمي، ... لا أدري كم سيكون حجم التراجع".
وتشير التقديرات الحالية للوكالة إلى نمو الاستهلاك بمقدار 1.03 مليون برميل يوميا في عام 2008 نزولا من تقديرات في حزيران (يونيو) من العام الماضي، التي بلغت 2.2 مليون برميل يوميا.
وتدرك كبريات الدول المستهلكة للنفط أن "أوبك" تنتج برميلين من كل خمسة براميل تنتج في العالم، إلا أنه من غير المحتمل أن تعترف بسهولة بوجود أسباب أخرى غير "أوبك" تقف خلف ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة.
ومن الواضح أن هذا الاعتراف وما يتبعه من إجراءات تصحيحية تجاه المضاربين والمتعاملين في صناديق التحوط هو وحده القادر والكفيل بتهدئة أسواق النفط وبالتالي وقف الصعود السريع والكبير في أسعاره وما عدا ذلك من ردود أفعال من الدول المستهلكة فهي مجرد أداء على المسرح الدولي لإخفاء هذه الأسباب تحت "بروباجندا" موجهة ضد الدول المنتجة.