دفاع عن شرعية "الصكوك".. واهتمام بـ "التورق" وأدوات التحوط
في الوقت الذي أثار فيه المؤتمر السابع للهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية، أهمية تطوير أدوات للتحوط الإسلامي وإدارة المخاطر، والاهتمام بـ "التورق" للالتزام بمعاييرها الشرعية، عكس المؤتمر الذي افتتح أعماله في المنامة أمس، دفاعا عن شرعية الصكوك المتداولة قبل أو بعد بيان هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية قبل أكثر من شهرين، بيد أنه فتح الباب أمام "التورق" وضرورة الالتزام بضابطتها الشرعية.
ودافع محمد تقي العثماني رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة، عما أثاره حول الصكوك، وقال أمام المؤتمر "أصبحت متهما بأنني تآمرت ضد الصكوك الإسلامية الصادرة في بلدان العالم الإسلامي وغير الإسلامي، مع أنني حاولت أن تكون تلك الأداة في صالح الصيرفة الإسلامية"، بيد أنه قال لـ "الاقتصادية" الصكوك الجديدة تعمل على مراعاة ضوابط المجلس الشرعي، من عمل بفتاوى علماء معروفين، لا يلامون على ذلك"، متفقا مع محمد علي القري الذي قال إن كل الصكوك التي صدرت قبل وبعد بيان المجلس الشرعي "جائزة".
وقال العثماني لـ "الاقتصادية"، إنه أثار سابقاً في عدة ندوات وملتقيات موضوع الصكوك بسبب أهميته، "فلابد من التأكد بأنها مطابقة للشريعة الإسلامية، لتكون مسيرتها مقبولة شرعاً، وأن الناس تستثمر فيها وفقا للضابطة الشرعية".
وبخصوص مدى التزام المصارف الإسلامية بالبيان الذي أصدرته هيئة المحاسبة، أوضح أنه ليس لديه معلومات مستقاة في هذا الخصوص، "ولكنني عرفت أن الصكوك الجديدة تعمل على مراعاة ضوابط المجلس الشرعي"، مبديا تفاؤله بأن تتمتع جميع الصكوك بالصبغة الشرعية.
وخلال الرد على أسئلة حضور المؤتمر بخصوص الصكوك القديمة، أكد أن بيان المجلس الشرعي كان تأصيلا للمبادئ الشرعية مستقبلاً، و معالجة تلك الصكوك يقع بيد الهيئات الشرعية للمصارف الإسلامية، وقد يكون هناك اجتهاد من بعض تلك الهيئات، ولذلك يمكنهم تعديلها أو السير فيها، مشيرا إلى أن "من عمل بفتاوى علماء معروفين، لا يلامون على ذلك".
وكان العثماني قد فاجأ الحضور بقوله عند بداية كلمته حول محور الصكوك "أصبحت متهما بأنني تآمرت ضد الصكوك الإسلامية الصادرة في بلدان العالم الإسلامي وغير الإسلامي، مع أنني حاولت أن تكون تلك الأداة في صالح الصيرفة الإسلامية"، واصفاً الصكوك بأنها أفضل الصيغ لتمويل المشاريع الكبيرة، وقناة جيدة لفائض أموال المستثمرين واستردادها بسهولة عندما يحتاجون اليها، وهي أسلوب جيد لإدارة السيولة والتوزيع العادل للثروة.
وعرض بعض الملاحظات التي كانت سابقا بحاجة إلى معالجة، منها ظهور بعض الصكوك التي يشك في كونها ممثلة للملكية، مشيراً إلى أن الصكوك في عامة الأحوال تمثل حصة شائعة في أصول تدر ربحا أو دخلا مثل الأعيان المؤجرة أو مشروع تجاري أو صناعي أو وعاء استثماري يحتوي على عدة مشاريع "وهي النقطة الوحيدة التي تميزها عن السندات الربوية".
وقال إن معظم الصكوك المصدرة كانت قد اكتسبت خصيصة السندات الربوية من حيث إنها توزع أرباح المشروع بنسبة معينة مؤسسة على سعر الفائدة "الليبور"، وكذلك تضمن رد رأس المال إلى حملتها عن إطفائها، مؤكداً أن العمليات الحقيقية التجارية في الشريعة لا يُضمن فيها استرداد رأس المال" فإن غُنم الربح الحقيقي في الشريعة الإسلامية يتبع الغرم دائما، فكان الأصل في الصكوك التجارية ألا يتم ضمان رأس المال لحملتها".
وتابع "وكما لا يجوز للمضارب أن يضمن رأس المال لرب المال، كذلك لا يجوز أن يضمنه احد الشركاء للشركاء الآخرين، فإنه يقطع الشركة بين الشركاء في حالة الخسارة، ولم يقل بجوازه أحد".
وأضاف "هيئات الرقابة الشرعية والمجامع والندوات الفقهية أجازت للمصارف الإسلامية بعض العمليات (بالحيلة) أشبه منها بالعمليات الحقيقية، ولكن هذه الإجازة كانت لتسيير عجلتها في ظروف صعبة وعدد تلك المصارف فيها قليل جداً"، مشدداً على القول " كان من المفروض أن تتقدم تلك المصارف إلى العمليات الحقيقية المؤسسة على أساس أهداف الاقتصاد الإسلامي والابتعاد من مشابهة العمليات الربوية".
ودعا في ختام حديثه إلى إصدار الصكوك على أساس مشاريع تجارية أو صناعية جديدة، وإذا أصدرت على أساس مشروع قائم، فالواجب أن تمثل الصكوك ملكية تامة لحملتها في موجودات حقيقية، لافتا لضرورة أن توزع عوائد المشروع على حملة الصكوك "بالغة ما بلغت" بعد خضم المصروفات.
وحينما سألته "الاقتصادية"، حول الصكوك، أجاب محمد علي القري، "أن موضوع الصكوك كان يستحق كل هذا الاهتمام كونه يتعلق بمليارات الدولارات"، معتبراً أن كل الصكوك التي صدرت قبل وبعد بيان المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة "جائزة".
وفي حديثه أمام المؤتمر قال إن الصكوك ـ في الأصل ـ أوراق مالية ذات مخاطر متدنية مقارنة بالأسهم، وعائد متوقع وغير مضمون كما هو الحال بالنسبة للسندات، منوها إلى انحراف الصكوك عن الصورة الأصلية هو الذي دفع " بالعثماني " للتحفظ عليها بعضها ومن ثم أصدر مجلس شرعي هيئة المحاسبة بيانا للالتزام بالضوابط الشرعية في هذا المجال.
ودعا الصيرفة الإسلامية للإبداع استناداً إلى النظام الإسلامي، وعد محاكاة منتجات الصيرفة التقليدية، "ففي الصكوك نريدها معتمدة على الربح والخسارة، ونرغب في المضاربة لتقديم مخاطر متدنية بدلاً من الأسهم، ومن هذه الأموال "نتوقع عائدا دون ضمان".
وقال القري إن تصنيف الصكوك يعتمد على عدة عناصر من أهمها صيغة العقد الدائم بين مصدر الصكوك وحملتها، مرجعاً ذلك إلى أنه يحدد نوع المخاطر التي تواجهها حملة الصكوك.
وبين أن المهندسين الماليين سعوا إلى جعل هيكل إصدار الصكوك أقرب ما يكون إلى هيكل سندات الدين التقليدية رغبة منهم في جعل تلك الصكوك بديلا تاما عن السندات، مضيفاً "فجعلوها مطابقة لسندات الدين الموثقة برهن عيني".
وتحدث عن مشروعية الصكوك قائلاً "صدر عن هيئة المحاسبة والمراجعة بيان يتعلق بالصكوك، أكدت فيه ما سبق صدوره عنها على صفة المعيار الشرعي للصكوك، والجوانب المهمة لتحقيق مشروعية إصدار الصكوك".
ولفت القري "بناء على ما صدر عن الهيئة وما اتجهت إليه الهيئات الشرعية بشان إصدار الصكوك، فلا يجوز للشريك أو المضارب أو الوكيل أن يتعهد بشراء القيمة الاسمية، ويجوز له الوعد بالشراء بالقيمة السوقية أو بثمن يقدره الخبراء عن وقت البيع".
وعقّب الدكتور عجيل النشمي على ما قاله القري والعثماني قائلاً "استشف الحاجة إلى التقويم المستمر، المراجعة، الهيكلة، والتطبيق لأدوات المؤسسات المالية الإسلامية بين فترة وأخرى، بيد أنه دعا إلى بحث وتقويم موضوع التورق أيضاً إلى جانب الصكوك "بل إننا نعاني من الأول أكثر من الثاني، وقد بدأنا بتقويم الصكوك، لكننا نحتاج إلى آلية للنظر في التورق لضمان التزام المؤسسات المالية".
وتساءل الشيخ عاصم إسحاق عن مدى انتقال مخاطر ومنافع "الأعيان" بعد تصكيكها من البائع، مؤكداً "إننا تجاوزنا وصف صكوك المضاربة بأنها قائمة على أساس الملك، فهي قائمة الآن على العقد".
وقال إن بعض وسائل الإعلام صورت دعوات الالتزام بالضوابط الشرعية للصكوك بأنه "اغتيال للصكوك"، معتبراً ذلك حملة موجهة لمجلس شرعي هيئة المحاسبة وللصيرفة الإسلامية، وطرحت مداخلات من قبل الحضور ركزت على الإشادة بالمجلس الشرعي لهيئة المحاسبة لتصديه للالتزام بالضوابط الشرعية، وبالبيان الذي أصدره في آذار (مارس) الماضي في هذا الشأن.
وكان محافظ مصرف البحرين المركزي رشيد المعراج قد ألقى كلمة في بداية افتتاح المؤتمر، قال فيها إن اهتمام العالم بهذه الصناعة المصرفية الإسلامية قد زاد بعد الاضطراب الذي شهدته الأسواق المالية العالمية على أثر أزمة الرهن العقاري وتضرر العديد من المؤسسات المالية العالمية، مشيرا إلى عدم تأثر المؤسسات المالية الإسلامية جراء هذه الأزمة، ما وجه الأنظار مجدداً إلى الإمكانيات المتاحة لهذه المؤسسات في خريطة التمويل الدولية.
ورأى أن حجم أعمال الصيرفة الإسلامية وانطلاقتها القوية تضع على عاتق المؤسسات الراعية لهذا العمل سواء أجهزة رقابية أو تنظيمية أو لجان رقابة شرعية مسؤولية كبيرة في الاحتفاظ بدعم واستمرار هذه الصناعة وتطورها، مضيفا "أن هذه المسؤولية تكمن في التأكيد على أهمية تطبيق المعايير الدولية المناسبة لجميع أوجه عمل هذه المؤسسات سواء في مجال حوكمة الشركات أو المعايير الرقابية المصرفية أو المحاسبية، وأن مصداقية عمل هذه المؤسسات ستكون مرتبطة بمدى فعالية الالتزام بتطبيق تلك المعايير".
وأكد المعراج أهمية تطوير أدوات للتحوط الإسلامي وإدارة المخاطر مما يساعد على تطوير الصناعة المصرفية الإسلامية وكذلك حماية المصارف الإسلامية وعملائها من شتى أنواع المخاطر التي قد يتعرضون لها، مرجعاً ذلك إلى النمو السريع في الصناعة المالية الإسلامية وازدياد تقدير السوق للأدوات المالية الإسلامية.
ولاحظ أن أدوات التحوط وإدارة المخاطر، لا تزال بعيدة عن مواكبة هذا النمو المطرد في حجم الأصول التي تدار على أساس متوافق مع الشرعية، مضيفاً "وعليه يتعين مضاعفة الجهود لتطوير أدوات التحوط الإسلامي وأدوات معاملات الخزينة الإسلامية وغيرها من الأدوات لخلق سوق مصرفي إسلامية أكثر فعالية".
ودعا لزيادة التنسيق والتعاون بين الهيئات المسؤولة عن وضع المعايير وتطوير المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية كهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، والسوق المالية الإسلامية الدولية، لتحقيق أعلى مستوى من التجانس في صناعة العمل المصرفي الإسلامي، "فضلاًعن تكثيف التشاور مع المؤسسات والهيئات الدولية المعنية أيضاً بوضع معايير دولية".
وفي جلسة الافتتاح اعتبر إبراهيم بن خليفة آل خليفة وزير الإسكان البحريني ورئيس مجلس أمناء هيئة المحاسبة والمراجعة، أن القبول الواسع لمعايير الهيئة من شأنه أن يسهم بشكل فعال في تحقيق التجانس للعمليات والممارسات المالية والمصرفية وضبطها وفق أحكام الشريعة الإسلامية، لافتاً إلى أن ذلك من شأنه أيضاً أن يعزز ثقة السوق في الصناعة المالية والمصرفية الإسلامية "الأمر الذي ينعكس في اتساع حصتها في السوق العالمية".
وأشار إلى أن التوسع في برنامج تصديق العقود للتحقق من مطابقة العقود المالية لأحكام الشريعة الإسلامية، من شأنه إضفاء المزيد من التجانس على الممارسات والعمليات المالية الإسلامية، وتعزز الثقة في النظام المالي الإسلامي.