هل ترتفع أسعار النفط الخام إلى 200 دولار للبرميل؟

هل ترتفع أسعار النفط الخام إلى 200 دولار للبرميل؟

قبل سنة من الآن كان السؤال: هل يمكن أن تصل أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل؟ وصل سعر الخام الأمريكي في أيار (مايو) 2008 م إلى حدود 130 دولارا للبرميل ولم نشهد حتى الآن أي مظاهر اضطراب أو حدوث أي انهيارات في الحياة العامة في دول العالم، أي بمعنى آخر استوعبت دول العالم الارتفاع الكبير في أسعار النفط كل مجتمع بطريقته منهم من اتجه لوسائل النقل العامة وقلل من استخدام السيارات الخاصة لأنها ببساطة أصبحت غير مجدية.
والآن يتساءل الكثير: هل ستصل أسعار الخام إلى 200 دولار للبرميل؟ وماذا سيكون حال العالم والاقتصاد العالمي حينئذ؟ وفي هذا السياق صرح شكيب خليل رئيس منظمة (أوبك)، أن ارتفاع أسعار النفط يرجع إلى تراجع قيمة الدولار، وأنه لا يستبعد ارتفاع سعر النفط إلى 200 دولار للبرميل. وجاءت تصريحات خليل في وقت سجل سعر برميل النفط رقما قياسيا جديدا وصل إلى 120 دولارا.
ومن جهة أخرى, قال عبد الله بن حمد العطية وزير الطاقة والصناعة القطري، في 29 نيسان (أبريل) الماضي، إنه من غير المستبعد إمكانية ارتفاع أسعار النفط الدولية إلى 200 دولار للبرميل قبل نهاية العام الحالي. وأضاف العطية أن إمدادات النفط الخام متوافرة في الأسواق الدولية، إلا أن ارتفاع أسعار النفط مازال مستمرا وذلك بسبب عوامل عديدة ولا صلة كبيرة له بعلاقة العرض والطلب.
أما المشرف على وكالة الطاقة الأوروبية فعلق على هذا التساؤل أنه عندما تسلم منصبه في نيسان (أبريل) 2004م كانت أسعار النفط نحو 50 دولارا للبرميل والآن بعد أربع سنوات زادت الأسعار بأكثر من 150 في المائة، كل هذا يدعنا لا نستبعد أن تصل أسعار النفط إلى 200 دولار للبرميل في 2011م. وأضاف قائلاً إنه عندما توقع بنك استثماري أمريكي قبل نحو ثلاث سنوات أن أسعار النفط ستصل إلى 100 دولار سخر الكثير منه ومن توقعاته.
يعتقد كثير من الخبراء أن أحد أهم أسباب ارتفاع أسعار النفط، إضافة إلى ضعف الدولار، هو اعتقاد المستثمرين أن (أوبك) أو حتى المنتجين من خارجها لا يملكون طاقات إنتاجية فائضة تستطيع المساعدة على تلبية أي زيادة عالمية في الطلب. وقال مسؤول في وكالة الطاقة الدولية إن التوازن بين العرض والطلب في سوق النفط العالمية سيظل متقارباً على الأرجح حتى العام 2015، لكن من شأن الاستثمار أن يحول دون أي نقص في العرض. وقال وليام رامزي نائب الرئيس التنفيذي للوكالة (هناك الكثير من النفط وينبغي ألا تحدث أزمة معروض). وأضاف (ليس من السهل الحصول عليه. إنه مكلف. نعتقد أننا مكبلون استثماريا). وأضاف رامزي أن الوكالة ترى ضرورة أن يضيف منتجو النفط 37.5 مليون برميل يوميا إلى الطاقة الإنتاجية بحلول العام 2015 للحيلولة دون حدوث اختناقات في المعروض منها 13.6 مليون برميل يوميا للوفاء بزيادة الطلب. وأوضح أن الكمية المتبقية تعد ضرورية لتعويض تناقص الإنتاج بسبب نضوب أو شح إنتاج بعض الآبار.
وأفادت دراسة بريطانية أن ذروة الإنتاج العالمي للنفط ستحدث في هذا العقد، ما جعل الكثير يتشاءم بخصوص إمكانية زيادة الإنتاج لمقابلة الطلب العالمي المتنامي. ويتوقع كثير من الخبراء أن تظل إمدادات النفط العالمية متقاربة جداً مع الطلب أي دون أي فائض إلى نهاية العقد الحالي، ومن المتوقع أن تضاف نحو 12.5 مليون برميل إلى نهاية العقد الحالي، نصف هذه الكمية سيعوض نقص الإنتاج من الآبار المخضرمة، أي أن الزيادة في الإنتاج العالمي نحو سبعة ملايين برميل بحلول 2010م.
ويتساءل البعض عن وجود الطاقة الإنتاجية الفائضة في كثير من دول العالم المنتجة، حيث أن الأسعار في قمة القمم ومعظم الدول النفطية تنتج بأقصى طاقتها لأن الربح كبير والنفط مطلوب وحال السوق هل من مزيد. وهذا يدل بشكل واضح على أن عصر النفط الرخيص قد ولّى إلى غير رجعة، لأن هناك الكثير من التساؤل عن كميات النفط المنتجة في المستقبل وعن إمكانية زيادتها وعن وجودها من عدمه.
ينبغي أن ينمو المعروض من النفط، لأنه إذا لم يحدث ذلك، سيصل سعر البرميل إلى 200 دولار في وقت قريب. ومن شأن ذلك أن يتسبب في حدوث خلل اقتصادي خطير ويزيد من التوترات العالمية ويؤدي إلى أزمات في العملات بالنسبة لبعض البلدان الفقيرة.
لقد ارتفعت أسعار الخام لأكثر من خمسة أمثالها منذ العام 2002، ويعرض شكل (1) الاتجاه القوى لتغير الأسعار في السنوات القليلة الماضية. ومن أحد أهم أسباب الارتفاع الكبير في الأسعار هو تزايد الطلب على النفط من اقتصادات صاعدة مثل الصين والهند. وسجل النمو في الاقتصاد الصيني نحو 10 في المائة سنوياً بدأ من عام 1980م، ما ساعد على انتشال أكثر من 300 مليون نسمة من خط الفقر إلى حياة أكثر راحة، ولكن تبع ذلك زيادة في الطلب الصيني على النفط فتحولت الصين من دولة تنتج ما يكفيها من النفط إلى مستورد كبير له.
فعلى سبيل المثال فإن شريحة كبيرة من سكان الصين والهند استبدلوا الدراجات الهوائية بالسيارات نتيجة الازدهار الاقتصادي الذي تعيشه بلدانهم، حتى أن مبيعات السيارات تزداد سنوياً في الصين 20 في المائة، كل هذا بدأ يشكل نمو في الطلب على وقود السيارات.
يعيش نحو ثلث سكان العالم في الصين والهند، وعليه فإن أي ارتفاع لأداء الاقتصاد فيهما من شأنه أن يخل بمعادلة الطاقة العالمية ويحدث بعض الاضطرابات في أسعار النفط والطلب على الطاقة. ويتوقع أن تستورد الصين والهند عام 2030م كميات من النفط تساوى ما تستورده كل من الولايات المتحدة واليابان حالياً. وما يثير الرعب هو أن لو كل شخص من سكان الصين والهند استهلك استهلاك الفرد الأمريكي نفسه من النفط لأصبح حاجة العالم إلى النفط أكثر من 200 مليون برميل بدلا من 86 مليون برميل في الوضع الحالي.
تعتبر المملكة اللاعب رقم واحد في ميدان الطاقة العالمي بوصفها أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، وتمتلك أيضا أكبر احتياطي مثبت وموثق للنفط، وعليه فإن من استراتيجيها المعلنة استقرار أسعار النفط العالمية وضمان تدفق هذه السلعة للأسواق العالمية. ولقد صرح وزير البترول والثروة المعدنية السعودي أن المملكة ستنفق نحو 90 مليار دولار لزيادة إنتاجها إلى 12.5 مليون برميل يومياً بنهاية 2009م وبناء ثلاث مصافي للنفط بطاقة مليون برميل يومياً، ما سيزيد الطاقة التكريرية العالمية الأمر الذي من شأنه أن يخفف بعض الضغوط على طاقة العالم التكريرية الضيقة والتي قد لا تواكب النمو المتصاعد على المشتقات النفطية، خاصة من الدول الآسيوية. وفعلاً تم الإعلان في أيار (مايو) الحالي أن المملكة قد أضافت 300 ألف برميل لإنتاجها في خطوة للجم أسعار النفط، ويبدو أن تطوير حقل الخرسانية والمنيفة على وشك الانتهاء مما يعنى زيادة نحو 1.5 مليون برميل من الإنتاج.
على كل حال، الأرجح إنه لا مفر من الوقوف في محطة 200 دولار للبرميل سواء هذا العام أو العام المقبل، لكن يبقى السؤال الأهم: ماذا بعد الوصول إلى سعر 200 دولار للبرميل؟

* خبير في شؤون تكرير النفط والبتروكيماويات

الأكثر قراءة