الدبلوماسية الثقافية .. القوة «الكامنة» للرؤية السعودية
الدبلوماسية الثقافية وتعزيز التبادل الفني والأدبي بين المملكة العربية السعودية وبقية الدول، فعل جديد ومؤثر في عرف السياسة الثقافية السعودية تؤسس له الوزارة المستقلة الجديدة، يمكن التقاط إرهاصاته الأولى بوضوح من خلال سيرة عمل وزيرها الشاب الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، المدرك لأهمية الحضور السعودي العالمي فنيا وثقافيا. فضلا عن تصريح الوزير المتلفز عشية تعيينه بتشديده على إعادة الاعتبار للثقافة السعودية كقوة ناعمة، تنفيذا لتوجيهات القيادة وتحقيقا لرؤية السعودية 2030.
والدبلوماسية الثقافية وفقا لتقدير الباحثين، يمكن فهمها على مستوى النشاط، بأنها نوع من المزج أو التفاعل التكاملي بين مـا يسميه جـوزيـف س. نـاي "القـوة الناعمة" soft power التي تعني القدرة على تحقيق الأهداف عن طريق جاذبية الثقافة بدلا من الضغط والإرغام، وبين "الدبلوماسية العامة" public diplomacy التي ترعاها الحكومة، وتهدف إلى إعلام الجماهير أو التأثير في الرأي العام في بلدان أخرى.
ولعل المفارقة اللافتة هنا أن النماذج الدولية الناجحة عالميا في هذا التوجه الثقافي لم تبدأ حيث بدأ جوزيف ناي قوته الناعمة. أو القوة "الكامنة" كما يمكن الإشارة إليها هنا تبعا لتغلغلها في بنية الحضارة. بل استبقت ذلك بمئات الأعوام مع ظهور أولى مؤسسات الدبلوماسية الثقافية ضمن الهيكلية الحكومية في فرنسا منتصف القرن التاسع عشر.
وحاليا، لدى فرنسا، كما يشير الموقع الرسمي للمركز الثقافي الفرنسي في القاهرة، نحو 101 معهد فرنسي، 125 فرعا للمعاهد الفرنسية على اختلاف أنواعها تعمل كلها على نشر "الفرانكفونية" التي تتجاوز حدود التعامل باللغة الفرنسية. ولا تزال فرنسا من بين أكثر الدول إنفاقا في مجال التعاون الثقافي الخارجي. أما ألمانيا فقد أسست في عام 1951 معهد جوتة ومقره الرئيسي في ميونيخ، ويعمل الآن في نحو 80 بلدا. أما بريطانيا ذات الإرث الاستعماري الطويل، فقد أسست المجلس الثقافي البريطاني عام 1934، حيث يعمل حاليا في أكثر من 100 دولة على تعزيز المعرفة بالمملكة المتحدة وباللغة الإنجليزية، في حين أسست الولايات المتحدة الأمريكية برنامجها الثقافي الرسمي عام 1938.
وتقدم سويسرا نموذجا مختلفا لكونها بلدا ليست لديه خبرات استعمارية، وهو غير متورط أيضا في نزاعات سياسية من أي نوع، ومع ذلك أسست سويسرا نحو 10 مكاتب للمؤسسة الثقافية السويسرية "بروهلفستيا" حول العالم للعمل على تعزيز التبادل الفني والثقافي بين سويسرا والعديد من دول العالم من أجل زيادة الوعي بالثقافة السويسرية، وتوطيد العلاقات مع المنظمين المحليين لتطوير ورعاية شراكات طويلة المدى، وطرح مشروعات إنتاج مشترك مع الفنانين من المناطق المعنية، إلى جانب برامج الإقامة الفنية.
نماذج متنوعة ومتفاوتة تاريخيا وجغرافيا، ولكنها في مجملها تعبر عن إدراك واحد ومتزايد بأهمية الإرث الحضاري والثقافي لكل دولة على حدة في تعزيز الدور السياسي وتمكينه. والتجربة السعودية في هذا المضمار ليست حديثة عهد بل سبق أن مثلت هذا الدور عمليا وبشكل مؤثر في السنوات الأخيرة من خلال فعاليات وجولات مؤسسة محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الخيرية "مسك"، ومعهدها للفنون الذي يرأس مجلس إدارته وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان ال سعود.
ولأن هذا الإرث الحضاري لا يمكن التعبير عنه أمثل تعبير إلا من خلال مبدعي الوطن وشبابه فقد جاء تصريح وزير الثقافة عشية تكليفه مشددا على دور المثقفين والأدباء والمبدعين في دعم جهود الوزارة للرقي بثقافة الوطن وتقديم الصورة العملية والذهنية الأجمل عن هذه البلاد محليا وعالميا.