الخلط بين النظام الرأسمالي والنظام الأمريكي.. وحتى لا نصيب قوما بجهالة
هناك خلط واضح بين الرأسمالية كنظام دولي والسياسات التي تضاف إلى النظام كالتي يضعها النظام الأمريكي لتغير النظام الرأسمالي. وهناك فرق بين النظام الرأسمالي والسياسات المالية والنقدية التي تتبعها كل دولة. فالرأسمالية كما درستها في علم التخطيط الوطني، هي نظام اقتصادي يعرف على أنه قائم على فكرة التملك الشخصي للأفراد على وسائل الإنتاج. وإن هؤلاء الأفراد يجب أن تكون لهم الحرية في التصرف في أموالهم كما يشاؤون. وهؤلاء الملاك هم عماد وصناع القرار. لذلك فهو نظام أقرب لنا من نقيضه النظام الشيوعي (الاجتماعي المركزي والكميون) الذي تمتلك فيه الدولة أملاك ومدخرات المواطنين. لذلك فإن النظام الرأسمالي هو أقرب لمبدأ الشورى وللنظام الاقتصادي الإسلامي، وليس له دخل بالخمور والربا والدعارة. ولكن لا أدري لماذا دائما نركز على هذه الأمور ونعتقد أنها تأتي في كل شيء، أو أن كل إناء بما فيه ينضح. وأرى أننا يجب أن نعرف عدونا قبل أن نحاربه، وألا نصدق الأخبار التي تجعلنا نتوهم أنه مات بينما وهو مازال حيا، وألا ينسينا كرهنا لأمريكا أن النظام الرأسمالي ليس حكراَ لها. بل إن الأفراد فيها تغرر بهم شركات كبرى لها جذور سياسية ودينية. وهذه الشركات أو التحالفات هي التي أصبحت تصنع القرارات وتغير النظام، لذلك فإنني أرى أن من أراد أن يكره أمريكا فليكرهها بيده ورجليه ولكن لا نصيب قوما بجهالة. فشتم النظام الرأسمالي قد يصل أقواما أخرى عربية وإسلامية. وهناك فرق واضح بين النظام الرأسمالي أو النظام المالي الأمريكي.
أشرت في مقالي السابق إلى أن معظم المقالات التي نطالعها هي أفكار سطحيين يحاولون أن يقللوا من قيمة النظام الرأسمالي العالمي. أحدهم يرى الرأسمالية تترنح والآخر يرى أنها تحولت إلى نظام مركزي أو شيوعي. والآخر يعتقد أن الجامعات ستغير تدريس مناهج الاقتصاد. وهي شعارات مضللة لنا لأنها لم تبن على الحقائق. ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن بسبب النظام الرأسمالي بل هو بسبب التلاعب أو الاستغلال السيئ له. أو ما يسمي بإغفال التنظيم الحكومي له. وضعف أو فتح الباب من قبل الحكومة الأمريكية للتغير والتلاعب في بعض الأنظمة مثل نظام الرهن العقاري. وترك الحبل على الغارب لبعض الشركات لإعطاء قروض عقارية دون التحقق من مستنداتها أو من مدى مطابقتها للشروط. وكذلك قيام بعض البنوك والمؤسسات المالية لتصنيف القروض بالتلاعب أو فتح المجال أكثر من اللازم وإعطاء قروض مضاعفة أو بعشرات أضعاف المرات للأصول. إضافة إلى بعض الفساد الإداري سواء في الحكومة الأمريكية أو القطاع الخاص.
وقد جاءتني ردود أكثر سطحية. فمنهم من يرى أو يسأل أيهما أفضل نظام وضعه البشر (مخلوق) أم نظام وضعه خالق البشر. بالطبع هو نظام خالق البشر ولكن أين النظام فإنني لم أر نظاما إسلاميا متكاملا. خاصة في بلادنا الإسلامية، حيث يطبق النظام الرأسمالي ولكن بأسلمته. أي أنه لا يتعامل بالربا ولكن بالتورق ونسينا أن النية محلها القلب وأن لكل أمرئ ما نوى!!
والدليل على أن ليس لدينا نظام إسلامي للجميع أن كل بنك لديه نظامه الإسلامي بل إن بعض البنوك أصبحت توظف هيئات شرعية داخلها لترخيص منتجاتها مقابل مبالغ تدفع لهم. ونسينا ما نهينا عنه في ديننا. بينما لو كان هناك نظام متفق عليه ومتكامل ومعتمد من مجلس الفقه الإسلامي والقضاء الأعلى لما احتجنا إلى وسيط. ولما أصبح الدين تجارة حتى رسائل الجوال أصبحت تعطيك الأحاديث والدعاء مقابل رسوم.
وردا على من يقول إن النظام الرأسمالي - الغربي على الأقل - يتضمن (الربا) فهل يصح من (مسلم) أن يقول: (النظام الرأسمالي سيبقى الأفضل). فأنا أرى أن النظام الرأسمالي ليس له علاقة بالربا. بل إن الربا جزئية بسيطة منه قام النظام الأمريكي بإضافتها ويمكن معالجتها أو تركها دون أن يتأثر النظام الرأسمالي. فالولايات المتحدة عندما تبنت النظام الرأسمالي وغيرت فيه، كان الربا والخمر والدعارة ممنوعة فيها. ولم يسمح بالخمر إلا بعد عام 1920م ومازالت بعض الولايات فيها تمنعها حتى الآن. كما أن الدعارة حتى اليوم ممنوعة. لذلك فإنني أرى أن المسلم الحق هو من يخرج من كسله ويشد الهمم لنصرة النظام الإسلامي بالعمل على صياغته فإنه حتما سيكون الأفضل. ومهمتنا كمسلمين هي أن نقوم بصياغة النظام الإسلامي الحقيقي. وليس أسلمة النظام الرأسمالي الغربي، وكأننا نلبسه حجاب، وأن نزاوله ونثبت للعالم أنه النظام الأفضل. وأن نجعله مثال يحتذى به.
والآخر يتبلى علي بأنني جعلت من يؤيد النظام السماوي "فاسق" لأنه جاء بنبأ فشل الرأسمالية، وأنا لم أتعرض لمن يؤيد النظام الإسلامي ولم أتكلم عنه ولم أشر إليه أو من يؤيده. ولكن من جاء بنبأ فشل النظام الرأسمالي فإنني أرى أن يتحقق من ذلك ويتحرى الدقة وأن يبني ذلك على الحقائق ولا يوهمنا بأن العدو مات أو أنه يترنح، بينما قد لا يكون ذلك صحيحا. وحتى لا نصيب أقواما أخرى مسلمة بجهالة. وقد سقت عبارة "على مبدأ وإذا جاءكم" فقط من حيث المبدأ وليس التشبيه. وأن هذه الأمور أصلا ليس لها علاقة بالنظام الرأسمالي فهي سلوكيات وسياسات يمكن للنظام الرأسمالي أن يسير من دونها. والدليل أن جميع الدول الإسلامية حاليا تطبق النظام الرأسمالي في الوقت الذي تمنع فيه الربا والخمور والدعارة. ومع ذلك فإن هذه الدول قد تغرق في هذا المجال أكثر من الانحراف الحاصل في الولايات المتحدة الأمريكية. بل إن الترشيح لرئاسة الدولة في أمريكا لا يسمح به لمن كان له سوابق في الخمر أو الدعارة أو المخدرات. بينما في بعض الدول الإسلامية لا يسأل عن ذلك. ولا ننسى موضوع "الجفرة" والتدين والعشرة بثلاثة عشر والآن وصلت عشرين وهو صورة من الربا الموجود لدينا. والحمد لله الذي حرم الزنا ولكننا وجدنا مخرجا بزواج المسيار والمقيال وفي بعض الدول زواج الصديقة. والله أعلم إلى أين نبتعد عن ديننا.
وحتى لا يغرر بنا ونصدق ما يقوله البعض من أننا عالميا آمن دولة للاستثمار المباشر. فنحن عسانا كمواطنين نأمن على أموالنا في بلدنا، فما بالك بالأجانب! نحن نعتبر أنفسنا في نظام رأسمالي وسوق حر ولكننا مع الأسف ومع سيطرة وزارة المالية على جميع الإيرادات من الجامعات والوزارات والأمانات أصبحنا نظاما رأسماليا مركزيا أو مثل الغراب الذي ضيع مشيته. فهل نحن تحت نظام رأسمالي أم مركزي؟ ومتى نطبق النظام الإسلامي.
واتهمني أحدهم بقوله: يعني كل من لا يؤمن بالرأسمالية فهو متطرف وسطحي. وأنا فقط اتهمت من لا يبني على الحقائق أنه سطحي ولم أشر إلى كلمة متطرف أو اتهم أحدا بها. ولم أقص أحدا.
وللبقية الذين يجهلون تخصصي في علم التخطيط ويعتقدون أنني أتكلم في تخصص دقيق في الاقتصاد ودون تقصي الحقائق لن أقول إنهم سطحيون. بل أرى أنهم يجهلون أن علم التخطيط وخاصة الدراسات العليا يدرس فيه علم الاقتصاد من مبادئه الأولية في العرض والطلب إلى تحليل السياسات الاقتصادية (مايكرو وماكرو إكنومي) والتحليل الإحصائي أكثر مما يدرس في بكالوريوس الاقتصاد. وهناك امتحانات شاملة له قبل الحصول على شهادة عليا في التخطيط، كما يدرس فيه السياسة وعلم الاجتماع. وعلى أي حال فهذه صفحة الرأي وليست مجال تخصص بل إن المواطن يدلي برأيه فما المشكلة. ولماذا عندما يكتب شخص لديه شهادة عليا يستغرب عليه بينما ولو كان الكاتب شخصا غير متعلم أو ليس لديه شهادة لمجدناه. الكثير يكتبون وهم ليسوا دكاترة أو متخصصين.
وأعود مرة أخرى للحث على الاستفادة من سلبيات عدم وجود التنظيمات ومعاقبة من يتلاعب بها. وأن نستفيد من النظام الرأسمالي والأنظمة الأخرى والأخذ منها بالمفيد لتطويرها لتكون ضمن النظام الإسلامي والاحتياط لها مستقبلاَ في أنظمتنا. وليس هناك ما يمنع أن نستفيد من الغرب فهم سبق أن استفادوا من علم علمائنا المسلمين وطوره والآن آن الأوان لنا أن نأخذ منهم ونطور أنفسنا وفق تعاليم ديننا الحنيف. وأن ندعوهم للإسلام ليبدعوا كما أبدع سيبويه الذي صحح لغتنا أو البخاري ومسلم اللذين أخرجا الأحاديث النبوية. وغيرهم من الأطباء وعلماء الفلك الذين جاءوا إلى الإسلام ليرفعوا منه.
مستشار تخطيط وعمران