دعوة للعدل في الحكم على جمال الزوجة وتعاملها

دعوة للعدل في الحكم على جمال الزوجة وتعاملها

[email protected]

من المشكلات التي عُنيت الشريعة الغراء بمعالجتها وتوجيه الناس حيالها: ما يتصل بالعلاقة بين الزوجين، وما قد يعرض لهما من مشكلات، وهذا بيِّنٌ لمن تأمل في نصوص الكتاب والسنة.
وأسباب المشكلات الزوجية أنواع منوعة، وفي الغالب تكون أسباباً يمكن تجاوزها لو تعقَّل الزوجان وعملا بمقتضى توجيهات النصوص الكريمة.
ومن أسباب المشكلات الزوجية: ما قد ينتاب بعض الأزواج من شعور يخيَّل إليه معه أن زوجته قبيحة ـ أو غير مناسبة لتطلعاته ـ إما في خِلقتها، أو في أخلاقها وتعاملها، أو فيهما معاً، ولاشك أن هذا الشعور لدى الزوج مهدِّدٌ لحياته الزوجية بالاختلال وعدم الاستقرار، وإذا لم يوفَّق الزوج لمعالجة هذا "الشعور" أصابه العنت والإرهاق إلى حدٍّ كبير، مع أن علاجه سهلٌ ميسَرٌ لمن شاء الله تعالى من عباده.
أما إحساس الزوج وشعوره بأن زوجته قبيحة، أو غير مناسبة له في خلقتها، فذلك ناشئ في كثير من الأحيان من أوهام لدى الزوج لا حقيقة لها، وقد يكون منشؤها في أحيان كثيرة أن ذلك الزوج ممن يقلب ناظريه في وجوه النساء من خلال مشاهدتهن عبر الشاشات أو المجلات أو غير ذلك، فيقع بصره على وجوه قد علتها أطباق "المكياج" والمحسنات المصطنعة فيحار طرفه لتلك المناظر، ويضرب كفَّاً على كف إن لم تكن زوجته مثلهن، مع أنه لو عقد المقارنة بين زوجته وبينهن من غير تلك المحسنات لكانت زوجته فائقة الجمال والحسن عليهن، كما أنه لو تذكر أن تلك الوجوه المعروضة عبر الشاشات والمجلات للممثلات والمغنيات تفتقد الجمال " الأخلاقي " وأنهن غير مهيآت لحفظ الزوج في عرضه، لو تذكر ذلك لما تطلع إلى مثلهن.
وفي أحيان أخرى كثيرة ـ كما نبه العلامة ابن الجوزي ـ قد يرى الزوج إحدى النساء بثيابها فيتخايل له أنها أحسن من زوجته، مع أنه لا يعلم عن حالها شيئا، ثم لو حصل تلك المرأة فإن نفسه ستطمح إلى غيرها، وهكذا، لأن من طبع الإنسان أن يزهد فيما في يده ويتطلع لما لا يملك.
ثم إن كثرة المخالطة بين الزوجين – وهذا أمر طبيعي – قد تجعل مشاعر الود بينهما باردة، مما يلزم كلا الزوجين أن يهتم بهذا الجانب ويحيي تلك المشاعر ويحرص على إبقاء بهائها ورونقها من خلال التجديد الحياتي بينهما في اللباس والكلام وعموم أساليب التعامل اليومي.
أما إذا انتاب الزوج شعور بقبح تعامل زوجته وأخلاقها معه ـ مما هو في حدود المعروف ـ فينبغي له أن عند المعالجة أن يبعد عن فكره تلك المقارنات غير المتكافئة، إذ يعمد بعض الأزواج لأن يواجه زوجته بقوله: "فلانة" أكثر فهماً وإدراكاً ولباقةً منك، هي تفعل " كذا " وأنت تفعلين "كذا "، هي أجمل منك وأنت دونها، ونحو هذه العبارات غير الموزونة ولا المتعقلة.
وفي حقيقة الأمر أن هذه المقارنة في غير محلها من جهتين:
الأولى: أنه لو كان ما يقوله حقاً فهذا الكلام في غير محله! لأن العلاج لا يكون من خلالها ولا بهذه الطريقة الفجة، بل هذا يصعِّد الوضع ويعقد الأمور.
الثانية: أنه ما يدري ذلك الزوج عن بقية تعامل "فلانة" التي يستشهد بها؟، فقد تكون زوجته أفضل منها بمراحل، فالأخلاق لا يُكشف عنها إلا بالمخالطة.
علاوة على ذلك فإن الزوج الذي ينشد كمال زوجته فإنه يكون قد طلب المحال، إذ إن طبيعة البشر هي النقص والخطأ.
ثم ليتذكر الزوج أن لدى زوجته أخلاقاً وخصالاً يحبها وتعجبه، فلتكن ماحية ومخففة لما كرهه منها، وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك ـ أي لا يبغض ـ مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" رواه مسلم.
وهذا الحديث يتضمن الخبر أن المؤمنة لا يتصور فيها اجتماع كل القبائح حيث إن الزوج يبغضها البغض الكلي، وحيث إنه لا يحمد فيها شيئاً أصلاً، هذا هو معنى الفرك، ووقوع هذا مستحيل، فإنه إن كره قبح وجهها مثلاً قد يحمد جمال بدنها، أو كره رقتها فقد يحمد حلاوة منظرها، أو كره الأمرين قد يحمد فراشها، أو كره الكل قد يحمد دينها أو قناعتها أو حفظها لماله وحرمته أو شفقتها عليه أو خدمتها له، فلا تخلو المؤمنة من خلة حسنة يحمدها الزوج، هذا معنى ما قاله السيوطي في شرح الحديث.
وليعلم الزوج أن الجمال بين النساء أمرٌ نسبيٌّ وأنهن متقارباتٌ في ذلك، فلا يوجد من تكون وحيدة دهرها في جمالها، كما أنه لا يوجد من تكون تعيسة عصرها بدمامتها، ومن العجيب أنه قد يوجد من يهيم بمن يقال عنها دميمة! ولا يبغي بها بدلاً ولو اجتمع الناس كلهم على إقناعه بذلك!! كما أنه يوجد من يستقبح من توصف بالجمال!!
ثم إن على الزوج أن يعلم أن في النساء من هي أقل من زوجته خُلُقاً وأقل جمالاً، فليرضَ من زوجته بما قسم الله له.
وما أحسن ما قاله الحافظ ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ إذ قال: "من عرف النساء رضي بزوجته". وقال منبهاً بعض من لم تطب نفسه تجاه زوجته: "فليقنع بما باطنه الدين، وظاهره الستر والقناعة، فإنه يعيش مرفه السر، طيب القلب، ومتى استكثر فإنما يستكثر من شغل قلبه ورقة دينه".
وقال ابن المقفَّع: من البلاء على المُغْرَمِ بالنساء: إنه لا ينفك يكره ويذم ما عنده وتطمح عيناه إلى ما ليس عنده. وإنما النساء أشباه، وما يتزين في العيون والقلوب من فضل مجهولات على معروفات باطلٌ وخدعة، بل كثيرٌ مما يرغب عنه الراغب مما عنده أفضل مما تتوق إليه نفسه منهن، وإنما المرتغِبُ عمَّا في رحله منهن إلى ما في رحال الناس كالمرتغب عن طعام بيته إلى ما في بيوت الناس!! بل النساء بالنساء أشبه من الطعام بالطعام، وما في رحال الناس من الأطعمة أشد تفاضلاً وتفاوتاً مما في رحالهم من النساء.
وبعد: فيا أيها الأزواج الكرام هذه قصة النساء.. قصتهن قصةٌ واحدة، وقد أعظم لنا نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ النصح وبيَّن لنا ما ينبغي أن يكون معياراً في المفاضلة بين النساء فقال: "تُنكَح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
قال النووي ـ رحمه الله ـ : الصحيح في معناه أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين فهذا هو اللائق بأرباب الديانات وذوي المروءات أن يكون الدين مطمح نظرهم في كل شيء لا سيما فيما يدوم أمره ؛ ولذا اختاره الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بآكد وجهٍ وأبلغه، فأمر بالظفر الذي هو غاية البغية.
وأما النساء وما قد يكون عندهن من زهد في أزواجهن لكراهة خَلْقٍ أو خُلُق فالحديث إليهن على نحو ما قدَّمناه من قبل في حقهن، فلا كامل من الرجال أحد إلا من كمَّله الله من أنبيائه ورسله، وفي كل وادٍ بنو سعد، وكلٌّ مقصر ومخطئ، والمعوَّل على سلامة الدين واستقامة الأخلاق في الجملة، والكمال محال.
رزقنا الله القناعة ووفقنا والمسلمين لكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأكثر قراءة