دفع مخصصات حسب حجم الأسرة أحد الحلول لمشكلة التضخم
عدّ خبير اقتصادي قضاء الدين الحكومي بالمقايضة مع زيادة القيود على الإقراض المصرفي الموجه للتمويل الاستهلاكي وفرض رسوم جمركية على الصادرات في حال عدم تلبية الطلب المحلي ودعم دخول الفقراء بتفعيل الزكاة والأوقاف ودفع مخصصات حسب حجم الأسرة حلولاً لمشكلة تضخم الطلب في الوقت الحاضر.
فيما وضع الخبير حلولا لمشكلة التضخم المستورد برفع قيمة الريال أمام الدولار والعمل على تخفيض أسعار النفط والبحث عن بدائل للسلع العالمية المستوردة التي ارتفعت أسعارها وإلغاء الرسوم الجمركية مع تقليل الوسطاء والوكالات التجارية ومنع الاحتكار وتشجيع المنافسة.
مفهوم التضخم وأقسامه
في البداية عرف الدكتور ناصح المرزوقي البقمي الأستاذ المساعد في الاقتصاد في المعهد الدبلوماسي خلال ندوة عقدتها الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل بالتعاون مع صحيفة "الاقتصادية" في مقر الصحيفة في الرياض مساء الثلاثاء الماضي خلال ورشة عمل بعنوان "التضخم وارتفاع الأسعار", التضخم بأنه الارتفاع المستمر في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات, وقام بتقسيمه إلى أقسام هي: تضخم الطلب والتكاليف والتضخم المستورد.
أسباب تضخم الطلب المستورد ثلاثة
تحدث الدكتور ناصح عن أسباب تضخم التكاليف وأرجعها إلى ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وارتفاع الأجور ومعدل الفائدة وتلاعب التجار والمنتجين وارتفاع أسعار الأراضي، وأتبع ذلك بالحديث عن أسباب تضخم الطلب وأعادها إلى الزيادة في الإنفاق الحكومي والزيادة في الطلب الاستهلاكي الخاص والزيادة في الطلب الاستثماري والزيادة في الطلب الخارجي على المنتجات المحلية, فيما أوضح أسباب التضخم المستورد وجعلها في ثلاثة هي: انخفاض الدولار, ارتفاع أسعار النفط, وارتفاع أسعار السلع العالمية بسبب غير النفط.
إرهاق الموازنة للدولة أبرز آثار التضخم
أكد الخبير الاقتصادي أن للتضخم آثارا عديدة لعل من أهمها انخفاض القيمة الشرائية للنقود وانخفاض الدخول الحقيقية وزيادة التفاوت بين فئات المجتمع وإرهاق الموازنة العامة للدولة وانخفاض القيم الحقيقية للديون وانخفاض الطلب على الصادرات. ثم تحدث عن العلاج وبدأ بذكر كيفية معالجة التضخم في النظرية الاقتصادية الغربية, وقال إن أدوات السياسة المالية في النظرية الاقتصادية الغربية لتخفيض التضخم هي تخفيض الإنفاق وزيادة الضرائب وزيادة الإعانات, وأما أدوات السياسة النقدية في النظرية الاقتصادية الغربية لتخفيض التضخم فهي زيادة معدل الفائدة وزيادة الاحتياطي القانوني وبيع السندات الحكومية.
تطبيق سياسة التسعير عند التلاعب
النقطة المهمة التي تحدث عنها البقمي هي الحلول الاقتصادية والشرعية للتضخم في المملكة. حيث قال إن حلول مشكلة تضخم التكاليف تكمن في إلغاء رسوم الخدمات العامة والتعجيل بإنشاء هيئة حكومية لحماية المستهلك, إلى جانب الجمعية الأهلية لمراقبة الأسعار وإيقاع العقوبات على المخالفين وتطبيق سياسة التسعير في حال وجود تلاعب بأسعار بعض السلع والعمل على تخفيض أسعار الأراضي ومنع التعامل بالفائدة الربوية والأخذ بنظام التمويل بالمشاركة الشرعي.
زيادة القيود على الإقراض.. حل آخر
أشار الباحث الاقتصادي إلى حلول مشكلة تضخم الطلب وعد توعية الناس بخطورة الإسراف في الدنيا أهمها, وأضاف إليها قضاء الدين الحكومي بالمقايضة وتمويل المشاريع عن طريق الصكوك الإسلامية, زيادة القيود على الإقراض المصرفي الموجه للتمويل الاستهلاكي, فرض رسوم جمركية على الصادرات في حال عدم تلبية الطلب المحلي, دعم دخول الفقراء بتفعيل الزكاة والأوقاف, ودفع مخصصات حسب حجم الأسرة.
بدائل للسلع العالمية المستوردة..حل أيضاً
ختم الخبير الاقتصادي بالحديث عن حلول مشكلة التضخم المستورد حيث أعادها إلى رفع قيمة الريال أمام الدولار, العمل على تخفيض أسعار النفط, البحث عن بدائل للسلع العالمية المستوردة التي ارتفعت أسعارها, إلغاء الرسوم الجمركية, تقليل الوسطاء والوكالات التجارية, منع الاحتكار, وتشجيع المنافسة.
التضخم يتأثر بالمواد الغذائية وأسعار الخدمات
يشير الدكتور خالد المشعل عميد الدراسات العليا في جامعة الإمام في مداخلة إلى أن الدكتور ناصح جاء بسلة ووضع فيها جميع الاحتمالات, وسأختلف معه تماما في أمور كثيرة جدا, وأضاف، في نظري, التضخم له مفهوم معين, وعندما أتكلم عن التضخم في بيئة معينة يجب أن يكون العرض والطرح مختلفا تماما, كان بودي أن يكون لدينا أرقام في السعودية والتضخم في المملكة عبارة عن ارتفاع المستوى العام في أسعار المستهلكين, وأسعار المستهلكين هي عبارة عن مجموعات سلعية تعطى بأوزان مختلفة, وتابع التضخم في المملكة متأثر بشيئين رئيسين هما أسعار المواد الغذائية وأسعار الخدمات. وذكر أن النظرية الاقتصادية على اختلاف مدارسها تكاد تجمع على أن سعر الصرف هو الذي يحكم التضخم, ولا أستطيع إنكار هذا, وأي دولة تتبنى نظام سعر العملة الثابت فإن التضخم الموجود فيها هو التضخم المستورد.
وتابع المشعل: "عندما ننظر إلى المملكة نجد أن أكثر من 50 في المائة من التضخم إنما هو من التضخم العالمي والـ 50 في المائة الأخرى هي اختناقات هيكلية تعالج بالطرق التي ذكرها الدكتور ناصح". وفي الختام تساءل الدكتور المشعل قائلا: هل التضخم المذموم شرعا هو الذي يمس السلع الضرورية فقط؟
ارتفاع الأسعار ربما ينجم من العوامل الصناعية
تناول بعد ذلك الحديث الدكتور يوسف الزامل مساعد الأمين العام للهيئة فقال هناك نقطة مهمة خاصة من الناحية الشرعية وهي مسألة ارتفاع الأسعار في كثير من الأحيان مختلقة وعرض الدولار بكميات كبيرة من الولايات المتحدة يسقط قيمتها وقيمة العملات المرتبطة بها, وهذا لا يجوز من الناحية الشرعية ويجب علاجها أولا برفع قيمة الريال أمام الدولار, وأضاف أنه قد تعرض الريال لإسقاطات كبيرة خفضت الدخول وخفضت الثروات وهذا من الناحية الشرعية ومن الناحية الأخلاقية بعد ذلك يجب تعويض الناس, فارتفاع الأسعار في الأساس قد ينجم من العوامل الصناعية. وأنبه إلى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ امتنع عن التدخل في التضخم عندما كان من العوامل الصناعية. نقطة أخرى هو أنني أرى أن تخفيض أسعار النفط لا يخدمنا فلو قارنا الأسعار بالأسعار أيام الطفرة فهي لا تختلف كثيرا, وثانيا في تخفيض الأسعار تشجيع الناس على الإسراف في مورد مهم جدا للأجيال.. فيجب الملاحظة.
آلية لتقدير معدل التضخم في المستقبل
فسح المجال للدكتور محمد السحيباني عضو هيئة التدريس في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بمداخلة فقال: هناك بعض الملاحظات قال المحاضر إن من المتضررين الأساسيين ذوي الدخلين المتوسط والقليل, أقول كثير من أفراد المجتمع عليهم ديون وربما هم مستفيدون من التضخم والمتضرر هو القطاع المصرفي. وأضاف ذكرتم أن هيئة حماية المستهلك أحد الحلول وأنبه إلى أنه صدر قرار بإنشاء هذه الهيئة وهيئة أخرى باسم تشجيع المنافسة, وهناك حاجة إلى إسراع قيامهما. وتابع ذكرتم أيضا إلغاء الرسوم الجمركية وأن تتحملها الدولة, الدولة اختارت خيار تحمل الرسوم بدل خيار إلغائها لأنها لن تستطيع العودة إلى رفع الرسوم في ظل منظمة التجارة العالمية, وهذا يعوقها عن خطط في المستقبل لذلك فضلت تحملها بدل إلغائها. بالنسبة لقياس التضخم في المملكة هناك نقطة مهمة هي مسألة أن يكون هناك آلية لتقدير معدلة التضخم المتوقعة في المستقبل, نقطة مهمة أخرى هي أن كثيرا من الحلول المطروحة هي حلول وقتية وليست حلولا للحل الأمثل على المدى البعيد.
تنويع القاعدة الاستثمارية أصبح مطلباً
يعد الدكتور خالد المقرن عميد كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية أن هذا موضوع مهم وإذا خلي طرحه من الأرقام القياسية فإنه ينقص من قيمة البحث أو الورقة المقدمة، وقال في تصوري إن ارتفاع الأسعار ارتفاع عالمي ولذلك يجب تنويع القاعدة الاستثمارية بدل الاعتماد على منتج واحد وهو النفط. وبين نقطة أخرى وهي أنه يجب أن ننظر إلى أن الثقافة الاستهلاكية في المجتمع متأصلة بشكل كبير بسبب الزخم الإعلامي الهائل المشجع على الثقافة الاستهلاكية والإقراض من البنوك والعذر لبعض الأشخاص أنه لا يجد ملجأ آمنا لمدخراته إلا توظيفها بهذه الطريقة فيجب إيجاد قنوات استثمارية أخرى. وقال المقرن: أذكر أنني قرأت كتابا عن الاستثمار في باكستان قال المشكلة ليست في عدم وجود الأموال بل عدم وجود قنوات لاستثمار صغار المدخرين.
رسوم الجمارك والاستقدام واحدة!
من جهته، أكد الدكتور عبد الله الباحوث وكيل عمادة الدراسات العليا في جامعة الإمام, أنه لم يتبين له من خلال الطرح ما سبب التضخم في المملكة, وأضاف أن تحديده مهم جدا لمعرفة العلاج. أما النقطة الثانية ذكر في الحلول التمويل عن طريق الصكوك, وهذا يلجأ إليه عند نقص السيولة والدولة الآن عندها زخم مالي كبير، كما تحدث عن كون دعم الفقراء يزيد السيولة ومن ثم زيادة التضخم، وأما رسوم الجمارك فإنها ليست دائما من أجل تحصيل الأموال بل هي لها أهداف أخرى, فمثلا رسوم استقدام العمالة لها هدف وهو الحد من الاستقدام.
الاقتصاديون يشككون في الأرقام والإحصائيات
تبعت ذلك مداخلة الدكتور يوسف القاسم عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء, فبدأ بقوله: الحقيقة أتفق مع المعقبين وأرى أن الأسباب التي طُرحت واقعية وكذلك الحلول ورأى أن الإشكالية هو أنه يجب تحديد تضخم كل سلعة لا وضعها معا جميعا, فسعر الصرف مشكلة وأوجد التضخم المستورد لكن كل سلعة لها سبب مختلف كالأرز له سبب خاص مختلف عن ارتفاع سعر الحديد وهكذا. فوضع الأسباب جميعا في سلة واحدة خطأ في رأيي وتقرير الأمم المتحدة يقول إن من أسباب ارتفاع بعض السلع الأساسية هو الوقود الحيوي، ما أدى إلى قلة الأراضي الزراعية. أما بالنسبة للأرقام والإحصائيات فأظن أن كثيرا من الاقتصاديين يشككون في الأرقام الصادرة من الجهات الرسمية إذا كيف نحصل عليها ولا يجب أن نعلق الأمر على شيء من الصعوبة بمكان.
حفز التجار لتعزيز المنافسة الحرة
وتحدث القاسم عن قضية أخرى وحل من الحلول وهو تعزيز الإنتاج المحلي ودعم الشركات لفتح مصانع تنتج الأسمنت ومواد البناء, ومشكلة البناء تعود إلى وجود شركات محدودة, فيجب حفز التجار على ما يعزز المنافسة الحرة. وأما دعم الأسعار فأرى أنه ليس فقط يفيد التاجر بل حتى المستهلك يستفيد منه, وأقول أيضا الحلول المؤقتة لا بد منها وأنا أخالف من يرفض هذه الحلول ويدعو إلى الحلول بعيدة المدى فقط هذا لا يكفي بل لا بد من الجمع بينهما. وأضاف: الكلام عن السوق الحرة لا تلتزم به حتى الدول الراعية لمنظمة التجارة العالمية, فأمريكا ضخت مليارات الدولارات بعد أزمة الرهن للأسواق المالية لإنقاذها, وهذا يخالف السوق الحرة. واقتراح آخر هو أن تقوم الدولة وعندها قدرة مالية كبيرة باستيراد مواد البناء من الخارج.
للتضخم أسباب طبيعية وأسباب مفتعلة!
كان من المداخلين الدكتور عبد الله العمار عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الذي قال:" أنا لست متخصصا في موضوع التضخم لكنها خواطر أقولها دارت في ذهني من خلال المحاضرة والنقاش وهي بعض الأمور الشرعية التي أرى أنها لو درست دراسة جيدة ووظفت في هذا الموضوع التضخم وارتفاع الأسعار لكان فيها فائدة عظيمة، وتابع للتضخم أسباب طبيعية وأسباب مفتعلة, فأما الطبيعية فسببها من الله تعالى يبتلي الله العباد به نتيجة عصيانهم وطغيانهم وهو أمر يثبته التاريخ, ولاسيما ما يتعلق بمنع الأمور المطلوبة شرعا في المال من بذل الزكاة والتوسيع على المحتاجين, وكذلك المكاسب المحرمة ولا سيما الربا ونحوه, فسنة الله تعالى أن يحصل العكس وينبغي بل الواجب على الناس البحث عن أسباب هذا البلاء وأن يسعوا جاهدين إلى علاجها, أما الأسباب المفتعلة وهي كثيرة جدا والواجب على الناس ولا سيما المسؤولون منهم عليهم أن يقفوا ضدها, ونبه العمار إلى أن لدينا قواعد فقهية ونظريات شرعية كبرى تعالج كثيرا من هذه الأشياء, فمنها قاعدة نفي الضرر وقاعدة تحريم أكل مال الناس بالباطل, وما هي المعاملات التي تدخل ضمنهما وكثير من الأسباب الصناعية داخلة فيه.
تلاعب التجار من الأسباب المفتعلة
من جهة أخرى، أشفق الدكتور عبد الله المعجل عضو هيئة التدريس في كلية الاقتصاد ومدير إدارة الرقابة الشرعية في مصرف الراجحي، على المحاضر ماذا يقول في هذا الموضوع لأنه ـ بحسب وجهة نظره ـ موضوع كبير ومتشعب وقال:" هناك أسباب كبيرة جدا للموضوع, فمثلا تلاعب التجار هو من الأسباب المفتعلة, وهناك أسباب سياسية, فمثلا لا يمكن لدولة مثل أمريكا ترى عملتها تنحدر بهذا المستوى ثم تتغاضى عن ذلك وتسكت إلا لأن هناك فوائد لها وأيضا بلد مثل بلدنا يرفض فك الارتباط إلا أن هناك فوائد أكبر له".
سلوك الناس بالنسبة للسلع لم تتغير
وأضاف: " هناك أشياء غير مبررة فمثلا تكاليف الإيجارات مرتبط بارتفاع أسعار مواد البناء إلى حد كبير, وتساءل ماذا عن الأراضي, هذه محلية بحتة لأن أغلبها ممنوحة إلا أن المضاربة رفعت أسعارها, وأيضا من أجمل ما قرأت في المعالجات فنحن شئنا أم أبينا مع الأسف بلد نعتمد على غيرنا فحتى الدواجن ارتفعت الأسعار لتكلفة الأعلاف التي نستوردها, ولذا نظل تحت رحمة الدول التي نرفع عليها سعر البترول ترفع علينا الأسعار والعجيب, أن الدول المتضررة من ارتفاع النفط لم نجد منها مطالبات كبيرة أو تهديدات من أجل تخفيض أسعار النفط ما يعني أن الأمر سياسي, الحل الذي أعجبني هو المقايضة, فهل يمكن أن نقايض بالبتروكيماويات السلع الضرورية التي نحتاج إليها؟ أما دعم الأسر المحتاجة ما يدعو للدهشة أنه ليس هناك تغير في سلوك الناس بالنسبة للسلع الاستهلاكية فتجده يشتري سيارة موديل جديد ويشتكي من كيس الأرز, وأرى أنه من أصعب الأشياء التفرقة في الدعم".
المحاضر يؤيد بقوة اقتراحات الهيئة
اقترح الدكتور عبد الله العمراني في الهيئة الإسلامية للتمويل مشروعين الأول بحث في التضخم في الأسباب والحلول يبنى على قواعد علمية ويجمع كل الأطروحات ويحللها ويناقشها, والثاني تبني برنامج توعوي للمجتمع في كثير من قضايا السلوك الاستهلاكي لمعالجة قضية التضخم, فيما علق المحاضر الدكتور ناصح على مداخلات الحضور وبين وجهة نظره في الآراء التي يخالفهم فيها وأيد بقوة اقتراحات الهيئة.