النظام الرأسمالي سيبقى الأفضل والقافلة تسير .. إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا
أشد ما يغيظني هو مقالات تصدر من متنطعين أو سطحيين يحاولون أن يسخروا من النظام الرأسمالي العالمي والنظام الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية. فذاك يتفذلك بأن الرأسمالية تترنح والآخر يرى أنها تحولت إلى نظام مركزي أو شيوعي تمتلك فيه الدولة الاقتصاد الوطني. والآخر يعتقد أن الجامعات ستغير تدريس مناهج الاقتصاد وأن الولايات المتحدة ستنهار تحت نظامها الرأسمالي. وهي شعارات مضللة لنا لأنها لم تبنى على الحقائق. والحقيقة أن النظام الرأسمالي كنظام هو نظام لا غبار عليه وهو النظام الذي تسير عليه معظم دول العالم المتحضر سواء أوروبا أو أمريكا أو اليابان والصين. ولكن الاختلاف أو الخلط بين النظام الرأسمالي كنظام ومن يسيئون استخدامه هو الذي يجعل هؤلاء المتنطعين ينتقدونه. ما حدث في الولايات المتحدة لم يكن بسبب النظام الرأسمالي بل بسبب التلاعب أو الاستغلال السيئ له. أو ما يسمى بغفلة التنظيم الحكومي له. ولا يعني تدخل الحكومة الأمريكية لضخ 700 مليار دولار للتخفيف من الديون أنها تحولت إلى نظام مركزي أو شيوعي، بل إن أساس النظام الرأسمالي هو أن السوق هو الذي يحرك الاقتصاد كما سماها آدم سميث باليد الخفية للسوق. ويبقى دور الدولة أو الخزانة المركزية لضمان النظام الرأسمالي وضمان البنوك( معظم البنوك الأمريكية هي مضمونة من الحكومة الفيدرالية).
ويعتقد كثيرون أن تدخل الحكومة الأمريكية في حل الأزمة أنه نوع من شراء الدولة للبنوك وأنها أصبحت مثل النظام المركزي. وهذا غير صحيح فالدولة في النظام الرأسمالي يحق لها أن تتدخل في السوق متى ما رأت ذلك سواءَ سلوكياَ أو هيكلياً. وليس غريبا أن تتدخل الحكومة الأمريكية في السوق فقد سبق أن تدخلت لمنع الاحتكار عندما جزأت شركات الاتصالات التي تحتكر السوق الأمريكية. كما سبق أن تدخلت قبلها في إعادة تنظيم سوق الطيران وأسعار التذاكر. لقد سبق أن تدخلت الحكومة الأمريكية في فرض حساب التوفير للمتقاعدين على جميع الشركات في السوق. بل إن القانون يجيز للحكومة ويعطيها الحق في التدخل بوضع سياسات لزيادة فرص العمل أو التنمية الاقتصادية أو رفع أو تخفيض الأسعار أو سقف أدنى للرواتب أو سقوط السوق. بل إن الحكومة الفيدرالية لا تسمح باندماج البنوك أو الشركات الكبرى إلا بإذنها. وهي أول من وضع نظام منع الاحتكار. وهناك أكثر من مائة وكالة فيدرالية لتنظيم السوق. وكل وكالة بها أكثر من ألف موظف. ومهمتها مع الحكومة الفيدرالية هي أن ترد على سقوط السوق وتمنعه وأن تتحكم في عدم سيطرة القوى على السوق أو يستغلونه وذلك بهدف الرفع من مستوى فعالية الاقتصاد.
النظام الرأسمالي بخير وهو ليس حكرا على الولايات المتحدة بل تبنته جميع الدول. ولكن ما حدث في الولايات المتحدة هو ضعف أو تهميش أو فتح الباب من قبل الحكومة الأمريكية للتغير الذي حصل في بعض الأنظمة مثل نظام الرهن العقاري، وترك الحبل على الغارب لبعض الشركات لإعطاء قروض عقارية دون التحقق من مستنداتها أو من مدى مطابقتها للشروط، وكذلك قيام بعض البنوك والمؤسسات المالية بتصنيف القروض بالتلاعب أو فتح المجال أكثر من اللازم وإعطاء قروض مضاعفة أو بعشرات أضعاف المرات للأصول. إضافة إلى بعض الفساد الإداري سواء في الحكومة الأمريكية أو القطاع الخاص.
النظام الرأسمالي والاقتصاد الأمريكي لن ينهار ويسقط، بل سيكون له حركة تصحيحية ولكن أقل ما سيصل إليه هو أفضل مما نحن عليه في دولنا فالولايات المتحدة تملك شعبا يعمل وخبراء ومستشارين وثروات أكبر ولكنها بالغت في الإنفاق في جميع الميادين. ولو قامت فقط بشد الحزام والبدء في تخفيف الإنفاق غير المبرر لرواتب بعض مديري الشركات وبعض البرامج الاقتصادية وبرامج الفضاء والحروب لكفاها للخروج من هذه الأزمة.
لست هنا لأدافع عن الولايات المتحدة ولكنني لا أحب أن تغسل عقولنا من قبل أناس سطحيين لم يصدقوا خبرا. ولكنه من مبدأ إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا. وحتى لا يغرر بنا ونصدق ما يقوله البعض من أننا عالمياً آمن دولة للاستثمار المباشر عسانا كمواطنين نأمن على أموالنا في بلدنا، فما بالك بالأجانب! نحن نعد أنفسنا في نظام رأسمالي وسوق حر ولكننا مع الأسف ومع سيطرة وزارة المالية على جميع الإيرادات من الجامعات والوزارات والأمانات أصبحنا نظاما رأسماليا مركزيا أو مثل الغراب الذي ضيع مشيته فهل نحن تحت نظام رأسمالي أم مركزي ؟ أم أننا في نظام اقتصاد مختلط؟ وكم عدد المستشارين الماليين والاقتصاديين لدينا الذين يستطيعون تفسير السوق والاقتصاد السعودي وما خبراتهم المتراكمة؟ كم عدد المستشارين والمحللين الماليين والخبراء الذين يديرون استثماراتنا ومدخراتنا في المؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية؟
الأهم من ذلك هو هل لدينا سياسة نقدية ومالية واقتصادية؟ وهل لدينا اقتصاد متأمل ومترابط يرد على بعضه بعضا؟ معظم أنظمتنا لم ترى النور بعد. هل لدينا نظام متكامل للمرور بينما نرى موظفي المرور هم الذين لا يستعملون إشارة الالتفاف إلى اليمين أو الشمال ويقودون فوق الخط الفاصل بين الممرات ويقفون وقفة مزدوجة ويضيقون الطريق. وسق ذلك على جميع الأنظمة الأخرى للتعليم أو الصحة أو الإعلام.
بدلاَ من أن نسخر من دول لديها أنظمة واقتصاد متكامل ومترابط وهيكلة وتنسيق متناغم بين جميع الجهات الحكومية والخاصة، كان الأولى لهؤلاء المتنطعين أن ينصحونا للاستفادة من سلبيات تلك الهفوة في النظام الرأسمالي لنستفيد منها في الاحتياط لها مستقبلاَ في أنظمتنا. وألا نقع في المشكلة نفسها مرة أخرى.
النظام الرأسمالي لا غبار عليه وسيبقى إلى ما شاء الله إلى حين يظهر نظام أحدث منه. والسوق الأمريكية مقارنة بغيرها ستبقى الأفضل. بل إن الأسواق الأخرى قد تنهار قبلها. ومن لم يشتر هذه الأيام فهو سيعض أصابع الندم فمهما نزل السوق فإنه سيكون نسبيا أفضل من غيره.