16 بنكاً دولياً تطلب مصادقة هيئة المحاسبة والمراجعة على منتجاتها الجديدة

16 بنكاً دولياً تطلب مصادقة هيئة المحاسبة والمراجعة على منتجاتها الجديدة

كشف الدكتور محمد نضال الشعار الأمين العالم لهيئة المحاسبة والمراجعة المالية - مقرها البحرين- أن نحو 16 بنكاً تتبع لدول مثل الولايات المتحدة، كندا، جنوب إفريقيا، وبعض الدول الخليجية, أبدت رغبتها في أن تكون منتجاتها الجديدة حاصلة على مصادقة الهيئة، وذلك بعد محادثات مبدئية تمت خلال الفترة الماضية، مبدياً امتناعه عن التصريح بأسماء تلك البنوك، في الوقت الذي تحفظت فيه وكالة "ستاندرد آند بورز" على مدى ردة فعل البنوك الإقليمية لقبول هذه المبادرة.
وقال الشعار خلال مقابلته مع "بلومبرج" إن الهيئة تهدف إلى البدء في المصادقة على العقود في هذا الشهر، وستقدم الخدمة مقابل رسوم معينة لكونها- الهيئة - مؤسسة غير ربحية.
ووصف مراقبون في صناعة المال الإسلامية "برنامج تصديق عقود الأدوات المالية الإسلامية" الذي أطلقته هيئة المحاسبة والمراجعة أخيراً، بأنه بمثابة "المبادرة الاستباقية" الذي يمنع تكرار نشوء أزمة صكوك "ثانية" في المستقبل القريب لهذه الصناعة الناشئة.
واعتبرت وكالات تصنيف دولية قرارات هيئة المحاسبة والمراجعة الأخيرة بأنها ستسهم بقوة في تعافي سوق الصكوك الخليجية نظرا لأن هذه "التنظيمات" ستعمل على ضخ سيولة جديدة لصناعة تحاول لملمة جراحها من جراء تبعات أزمة الصكوك الأولى.
وأعلن فقهاء مسلمون قبل أسبوعين عن مبادرة مهمة تهدف إلى تعميق أسس التحقق من التزام العقود المالية الإسلامية بأحكام الشريعة، من خلال برنامج ينظم عملية تصديق العقود المالية التي تبرمها المؤسسات المالية الإسلامية مع عملائها بما يضمن التزامها بأحكام الشريعة، في خطوة وصفت بأنها ستجلب معها "تجانسا معياريا عالميا" لصناعة تحاول استعادة ثقة المستثمرين بها من جديد.
وأطلقت هيئة المحاسبة و المراجعة على البرنامج اسم "برنامج تصديق عقود الأدوات المالية الإسلامية"، فيما سيتمحور دورها على مراجعة جميع أنواع العقود التي تبرمها المؤسسات المالية الإسلامية مع عملائها، وبالتالي التركيز على عملية تصديق العقود والتأكد من موافاة تلك العقود الضوابط والاشتتراطات المنبثقة عن أسس الأحكام الشرعية ذات الصلة.
هذا البرنامج الذي ترعاه هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية, يعتزم فيه الفقهاء المسلمون الذين يصنعون المعايير للأوراق المالية الإسلامية, إصدار "شهادة إتباع عالمية" لإيقاف المخالفات والتجاوزات في الأحكام الشرعية في صناعة الأوراق المالية وجعلها أكثر جاذبية في أعين المستثمرين.
وسيكون البرنامج - بحسب الفقهاء- بمثابة المصدر المستقل لقياس درجة التزام عقود ومعاملات المصارف التقليدية والإسلامية بالأسس والأحكام الشرعية المنظمة لها، الأمر الذي يساعد تلك المؤسسات على تسويق منتجاتها الموافقة لأحكام الشريعة لجمهور عملائها.
وقال الدكتور محمد نضال الشعار الأمين العالم للهيئة, إن السندات والقروض والحسابات البنكية ستكون من بين المنتجات المالية التي تُفحص للحصول على مصادقة الهيئة.
وتابع في مقابلته مع "بلومبرج" "هذا سيعطي المستثمرين المسلمين والغربيين الثقة بأن المنتجات التي يشترونها في البحرين أو ماليزيا أو الولايات المتحدة تفي جميعاً بالمعايير المشتركة للإتباع، كما أن ختم وموافقة الهيئة ستجلب معها التجانس العالمي، ما يعزز صدقية الاستثمارات ورضا المستثمرين".
وشدد مراقبون في الصناعة المصرفية على أهمية خدمة مصادقة الصكوك من قبل الهيئة. وعلق أنور حسون, كبير المحللين الائتمانيين لدى "موديز", على ذلك قائلاً " بالتأكيد تستحق صناعة الصكوك والصناديق الإسلامية الملتزمة بالأحكام الشرعية قدراً من توحيد المعايير، لأنها في سبيلها إلى أن تصبح منتجات معترفا بها عالمياً وإن لم تكن جميعها".
وهنا قال لـ "الاقتصادية" خالد هولادار, مسؤول ائتماني أول "حصلت هيئة المحاسبة والمراجعة على قبول واسع في المنطقة لمعاييرها المحاسبية، وهي تحاول الآن فعل الشيء نفسه بالنسبة للصكوك، كما أن الهيئة في موقع جيد يؤهلها للحصول على الإجماع، وهو أمر مفيد للسوق".

تشريعات متفاوتة
وكانت "الاقتصادية" قد نشرت قبل شهر مطالبة بعض المصرفيين بتدخل البنوك الخليجية المركزية من خلال إنشاء مجلس فقهاء خاص بها من أجل توحيد المعايير وصيانة هذه الصناعة الناشئة. وتهدف هذه الخطوة إلى لمَ شمل بنوكها المحلية عبر إلزامها باتباع الفتاوى المصرفية الموحدة التي يصدرها كل بنك مركزي خليجي. ويشير المطلعون على بواطن هذه الصناعة إلى أن المجالس الفقهية المزروعة في كل بنك, تسهم في خلق تشريعات إفتائية للمنتجات الإسلامية تتفاوت فيما بينها. ويستدلون بذلك على منتج المرابحة المثير للجدل الذي يباح ويحرم وفقاً لاجتهادات أعضاء الهيئة التشريعية في كل بنك.
وأسهم ذلك التباين في الفتاوى في خلق أزمة الصكوك في المقام الأول والتي بدأت تلك الصناعة في حصد تبعاتها، حيث تسببت أزمة الرهن العقاري الأمريكي بحسب المختصين في التأثير في مسيرة الصكوك الإسلامية بحكم تورط مصارف عالمية كانت تصدر صكوكا إسلامية، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن تصويب تلك الصكوك من خلال الالتزام بالمعايير والضوابط التي حددتها الهيئات التشريعية, دفع عددا كبيرا من المؤسسات المالية الخليجية إلى التحفظ على الإصدارات.

تقارب عالمي
وتكمن أهمية برنامج تصديق العقود في كونه يعد من أهم المحاولات الجادة التي ينتظر منها أن تسهم في توحيد معايير الممارسات ضمن صناعة التمويل الإسلامي، وكان الانتقاد الرئيس الموجه ضد هذه الصناعة هو أنه لا يوجد أنموذج معياري موحد للتمويل الإسلامي، وإنما توجد عدة معايير لكل سوق محلية أو إقليمية إسلامية.
يعلق محمد دمق, كبير المحللين الائتمانيين لدى ستاندرد آند بورز , على ذلك بقوله "نرى أن الإعلان الصادر حديثاً عن هيئة المحاسبة والمراجعة لخلق "شهادات التزام عالمية" هو جزء من اتجاه عام نحو توحيد معايير صناعة التمويل الإسلامي. وإذا افترضنا أن هذه المبادرة ستؤدي إلى قدر أعلى من توحيد المعايير، فإننا نرى أن هذا يعد تطوراً إيجابياً. " وتابع من مقر إقامته في باريس "وفي الوقت نفسه فإن من غير الواضح الآن إذا كانت هذه المبادرة ستُقبَل على نطاق واسع من قبل المؤسسات التي تتعامل من خلال الأحكام الشرعية. وفي نهاية المطاف فإن المؤسسات الإسلامية وزبائنها يعدون الجهات التي تحدد مدى قبول الأدوات المالية الملتزمة بالأحكام الشرعية".
وتابع خلال مقابلة "الاقتصادية" معه "إن توحيد المعايير، على الأقل من الناحية النظرية، ينبغي أن يساعد على تطوير سوق التمويل الإسلامي ويعزز من انتشارها الجغرافي، وينطبق هذا بصورة خاصة على الصكوك، إذ يمكن لتوحيد المعايير أن يزيد من قبول السوق العالمية للصكوك ويعمل على تحسين سيولتها. فإذا كان النجاح من حظ هذه المبادرة، فإن هذا يمكن أن يساعد على تقليص الخطر من حيث النظَر إلى صكوك معينة من جهات إصدار معينة على أنها غير صادرة بموجب الأحكام الشرعية".
وفي السياق ذاته تقول موديز "إن النتيجة التي نخلُص إليها من دراستنا الخاصة بتوحيد المعايير هي أن توحيد المعايير يكون أكثر نفعاً ولزوماً، وبالتالي يصبح مرغوباً وضرورياً، حين تصبح سوق التمويل الإسلامي أكثر انتشاراً على المستوى العالمي، وبالتالي فإن هذا مهم لصناديق الاستثمار المشتركة الإسلامية، والصكوك، كما إن توحيد المعايير للمنتجات التي من هذا القبيل هو بالدرجة الأولى قضية فنية، وهو ما يساعد على إحضار المزيد من السيولة إلى السوق ككل، وإلى أقسامها المتعددة".
وهنا قال أنور حسون "إن توحيد المبادئ الدينية التي تقوم عليها الاستثمارات يعتمد إلى حد كبير على الاستراتيجيات التجارية المرتبطة بتلك الأدوات المالية. فعلى سبيل المثال فإن المنتجات المالية الإسلامية لا تُسوَّق على النحو نفسه في ماليزيا أو في تركيا أو شمال إفريقيا أو منطقة الخليج، أو حتى في أوروبا". وأضاف الباحث الاقتصادي" ذلك لأن كل قاعدة للعملاء لديها توقعاتها ومتطلباتها الخاصة بها في ما يتعلق بالاجتهادات المحافظة على شكل أو آخر للأحكام الشرعية، وهي الاجتهادات التي تُنقَل إلينا عبر الفتاوى التي تصدرها المجالس الشرعية، حتى من حيث المنتجات الاستثمارية أو منتجات البنوك التجارية. وينطبق هذا على الأخص على قطاع أعمال التجزئة المصرفية، وهو قطاع ذو طابع محلي كبير للغاية من الناحية الجغرافية".
وطالما كان أحد المنتجات بحاجة إلى تبني مواصفات محلية فإنه يوجد قدر من المرونة، وإن درجات الحرية المتاحة تعتمد على الطلب الذي يتميز بأنه فردي وخاص".

وكالات بلا تزكية
وأشارت "ستاندرد آند بوردز" لـ "لاقتصادية" إلى أنها لا تتوقع أن يؤثر برنامج تصديق العقود في التصنيفات الائتمانية الخاصة بالصكوك, وأضافت "إن وكالة ستاندارد آند بورز لا تعلق على مدى الالتزام بالأحكام الشرعية سواء من قبل جهات الإصدار أو الإصدارات نفسها، ولا تعطي النصح أو المشورة التي تتعلق بتزكية أدوات مالية بعينها وصلاحيتها للاستثمار". وستحول الهيئة الخليجية, التي تحظى بثقل واحترام عالميين, برنامجها الفريد إلى منتج يدر عليها الأرباح.
واستناداً إلى الوثائق التي قدمها الدكتور الشعار إلى "بلومبيرج"، فإن الرسوم تبدأ من 2500 دولار للحساب الجاري وحساب التوفير، وترتفع إلى نسبة 0.1 في المائة من بيع السندات الإسلامية، على أن يكون الحد الأدنى للرسوم عن عقود السندات سبعة آلاف دولار. ويتبين من المستندات المقدَّمة أنه إذا لم يصادق الفقهاء على عقد معين، يُدفع قدر أقل من الرسوم عند تقديم العقد للمصادقة مرة أخرى بعد إدخال التعديلات المطلوبة عليه.

الأكثر قراءة