الاعتداء على الوقف بالسلب .. جريمة
شدد الشيخ عبد الله بن خنين عضو هيئة كبار العلماء على ضرورة صرف الوقف في مصارفه المناسبة التي تتحقق فيها شروط الوقف بما ينفع المسلمين, وليس من الضروري أن يكون سائراً على نهج من قبله فيما يتعلق بمصارف الوقف. جاء ذلك في محاضرة ألقاها أخيرا في جامع الأمير تركي بن عبد الله عن خطر الاعتداء على الوقف, وأوضح فضيلته أن من مصارف الوقف في الوقت الحاضر حلقات تحفيظ القرآن، تشييد المساجد وبنائها وصيانتها, أجهزة علاج المرضى, ومساكن للفقراء ونحو ذلك من المصارف· فينبغي أن نفهم مصارف الوقف بهذا النفس ولا نسير على ما كان يعمل بالوقف سابقا، فبعض الناس ما زال يجعل غلة وقفه تصرف في الحج أو الأضاحي· وقد كان للوقف وظيفة عظيمة في تاريخ الإسلام ونصرة الإسلام وفي تحقيق المثوبة الجارية للوقف· فالوقف لا بد أن تكون له وظيفة إيجابية في واقع المسلمين وحالة الناس واحتياجهم· وصيغ الوقف تكون قولية أو تكون فعلية كأن يقول حبست أو سبلت ونحوه مما يحقق معنى إرادة الواقف، وقد يكون ذلك بالفعل كأن يخصص أرضاً للصلاة ويفتح أبوابها للمسلمين للصلاة فيها أو أرضا تخصص لإقامة أحد المشاريع الخيرية ونحو ذلك·
وحذر فضيلته من الاعتداء على الوقف, مبيِّناً أن الهدف السامي الذي يحققه الوقف، يوجب على المسلمين أن يحترموه، فالوقف كما تبيَّن له وظائف عظيمة في المجتمع المسلم، ولا بد أن يعلم الجميع أن الاعتداء على الوقف سواء بسلبه أو أي صورة من صور الاعتداء يعد جريمة عظمى وخطراً عظيماً لأن الاعتداء على الوقف يعني قطع الطريق على تحقيق الأهداف المرجوة من هذا الوقف الذي تم الاعتداء عليه، ومن هنا جاءت النصوص عامة وخاصة بالوعيد الشديد لمن يعتدي على الأوقاف ومن ذلك قول الله عزَّ وجلَّ {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (188) [البقرة]· وأبان أن الوقف هو مال من أموال الناس قد خصصه صاحبه ليكون قربة له عند الله, عزَّ وجلَّ, وتكون غلاته في خدمة الإسلام والمسلمين، والمعتدي على الوقف يهدم هذه الأغراض النبيلة السامية· ومن النصوص أيضاً في صور الوصية {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ } (181) [البقرة]· وهذا نهي صريح عن تبديل الوصية والوقف مثلها أو أولى, فالاعتداء على الوقف بالتغيير أو التبديل منهي عنه, وهذا يبين خطورة تعريض الوقف للتبديل, وهو أحد صور الاعتداء على الوقف·
وأشار الشيخ ابن خنين إلى صور من الاعتداء على الوقف وذكر منها تبديل صيغة الوقف وتغيير مصارف الوقف إما بتعطيلها وإما أن يزاد فيها ما ليس منها، وإما أن ينقص من غلة الوقف أو من مصارفه· وطالب بعدم الاعتداء على الوقف وكتم هذا الوقف والمقصود هنا بعض الورثة الذين يكتمون وقفاً أوقفه مورثهم، فإذا وجدوا ورقة كتبها المورث وتركها, تجد مثل هؤلاء يخفون هذه الورقة أو يمزقونها ثم يتصرفون في الوقف بالبيع وهذا خطر عظيم لأن كتم الوقف أشد إثماً من تغييره، فإذا كان الله ـ عزَّ وجلَّ ـ نهى عن تغيير الوقف فكيف بكتمه الذي هو أشد؟ ومن صور الاعتداء على الوقف الاستيلاء عليه والتصرف فيه تصرف المالك له, وهذه الصورة شائعة بكل أسف في بعض المجتمعات الإسلامية, وهذا عمل مشين وينطبق عليه قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (188) [البقرة]·
وحدد عددا من صور الاعتداء ومنها الخيانة من قبل متولي الوقف وهذا أمر منكر ومنهي عنه قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } (58) [النساء]· ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم" والذي يقصر في أمر الوقف من الذين يتولونه خانوا الأمانة· وأوضح أن مما يسبب الاعتداء على الأوقاف تساهل النظار وإهمالهم في حفظ الوقف ورعايته وإصلاحه كي يبقى صحيحاً منتجاً يغطي غلاله التي أوقف لأجل نفعها، وهذا التساهل من هذا الناظر هو اعتداء, فناظر الوقف إما أن يقوم بحماية هذا الوقف على الوجه الصحيح وإما أن يبلغ القاضي بأنه لا يستطيع أن يقوم بهذه المهمة لكي تعيِّن المحكمة ناظراً آخر على هذا الوقف· والحل في مثل ذلك يعني في تساهل النظار وخيانتهم أن تتم مراقبتهم, والرقابة أمر مهم للغاية, وتكون الرقابة قبلية ومع التصرف وتكون بعد التصرف, وكلها أمور مهمة أن يراقب النظار في تصرفاتهم على الأوقاف من قبل القضاء ومن قبل الجهات الإشرافية على الأوقاف· وكل ذلك داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو أصل من أصول الإسلام· فالولاية على الأوقاف تحتاج إلى مواصفات ولا بد أن يكون ناظر الأوقاف قوياً وأميناً لحماية الوقف وأن تكون هناك قواعد إجرائية يضمن معها حسن تصرف الناظر· ومن ضوابط وقواعد الوقف أن العين التي توقف لا بد أن تشتمل على منفعة دائمة لأنه إذا لم يكن لها منفعة دائمة فما الفائدة من الوقف فلا يصح وقف ما لا نفع فيه· ومن هذه الضوابط أن يكون الوقف على جهة بر, لأن المقصود بالوقف الثواب عند الله والنفع للآخرين، فلا يجوز الوقف على جهة معصية أبداً وإلا انقلب إلى هذه، فالوقف على جهة غير بر وقف باطل ولا يصح كالوقف على الغناء ونحو ذلك· ومن الضوابط في هذا الباب أن يكون الوقف ناجزاً فلا يصح الوقف المؤقت كأن يقول أحدهم وقفت داري لمدة شهر ثم تعود إليَّ, ولا يجوز أن يعلق الوقف بالموت فما دام أوقف بالقول أو الفعل فلا ينتظر حتى يتوفى لكي ينجز هذا الوقف بل ينجز في الحال، والأوقاف إما أن تكون خيرية كبناء المساجد ودور القرآن وغيرها وإما أن تكون أهلية ينفق منها على الأهل والأقارب ونحو ذلك·