تواضع دور مستثمرنا المؤسسي (1 من 2)
يعتمد الاستثمار المؤسسي في قراراته الاستثمارية على الدراسات والإحصاءات التي تقدمها الشركات, إضافة إلى إحصاءات الأسواق التي يستثمر فيها. في حين أن الاستثمار الفردي يعتمد في توجهاته واستثماراته على قرارات ارتجالية إذ لم يكن يعتمد على الشائعة أو المعلومة غير معروفة المصدر.
ومن المفارقات الواضحة أن حجم مشاركة الاستثمار المؤسسي في أسواق المال العالمية يشكل أكثر من 85 في المائة من إجمالي حجم التداول, في حين نجد العكس تماماً في المنطقة العربية. إذ إن المستثمرين الأفراد هم غالبية المتداولين في أسهم الشركات المدرجة. وهؤلاء على الأرجح يستندون في قراراتهم الاستثمارية إلى معلومات ضئيلة ويتأثرون كثيراً بالشائعات في الوقت الذي يأملون فيه أن تعود عليهم استثماراتهم المتواضعة بأرباح مضاعفة خلال فترة زمنية قصيرة. سبب هذه الفجوة في منطقتنا العربية، والثقة بالاستثمار المؤسسي وأنماطه، وأثر ذلك في الاقتصاد الوطني جميعها محاور جديرة بالمدارسة في وقت تنتظر فيه السوق المالية السعودية دورا أكبر للمستثمر المؤسسي عن الدور الحالي.
لعل وجود الفجوة بين نمطي استثمار المستثمر المؤسسي والمستثمر الفردي أمر طبيعي عطفا على مجموعة من الأسباب, التي من أهمها حداثة عمر الأسواق المالية العربية، باستثناء سوقي عمان والقاهرة الماليتين، وجود الاتصال المباشر بين المستثمر الفردي والسوق المالية. وعلى الرغم من ذلك إلا أن السوق المالية السعودية تحاول إعادة هيكلتها بما يقلل هذه الفجوة. تعني هذا التحولات انتقال منظومة السوق المالية السعودية من منظومة آحادية تمثلت في علاقة مباشرة بين المستثمر الفردي والسوق المالية، إلى منظومة متعددة الأطراف ستتمثل في علاقة غير مباشرة بين المتداول والسوق المالية. قد يشكل هذا الانتقال في العلاقة من آحادية إلى متعددة أرضية خصبة لنشأة تجاوزات مقبلة ليس بسبب حداثة التجربة فحسب، وإنما بسبب تواضع الوعي الاستثماري لدى المستثمر الفردي. وبسبب أن تعدد الأطراف في المنظومة الواحدة يعني زيادة حدة التواصل بين أطراف المنظومة، وإمكانية تعارض المصالح الاقتصادية، فإنه يجب تأكيد أهمية تطوير حوكمة عمل المستثمر المؤسسي ومراجعتها وتطويرها بشكل مستمر بحيث يراعى فيها الاستقلالية والتكاملية.
أسهم تراجع أداء السوق المالية السعودية في الفترة الأخيرة في نقص الثقة بالاستثمار المؤسسي. يدعو هذا النقص إلى التساؤل عن المسؤول عن هذا النقص والحلول العملية الكفيلة بعون ـ الله تعالي ـ بتعزيز الثقة بالمستثمر المؤسسي وعلى رأسهم الصناديق الحكومية الثلاثة: التقاعد، والتأمينات، والاستثمارات العامة.
يعود تاريخ صناديق الاستثمار في السوق المالية السعودية إلى بداية التسعينيات الميلادية عندما سمحت مؤسسة النقد العربي السعودي للمصارف السعودية القائمة في ذلك الوقت بإنشاء صناديق استثمارية للاستثمار في السوق المالية السعودية.
كان من أهم محفزات قرار السماح هذا وجود آلية جديدة من شأنها المساهمة في استثمار السيولة المتوافرة في القطاع المصرفي السعودي من جراء عودة كمية ليست بالقليلة من الاستثمارات السعودية في الخارج عقب أزمة الخليج الثانية.
عندما نقرأ تطور ربحية وتنافسية هذه الصناديق منذ نشأتها إلى قبيل منتصف العام الحالي نجد أن أداءها كان متواضعا مقارنة بحجم استثماراتها عطفا على مجموعة من المسببات, التي من أهمها تواضع الخبرات الاستثمارية لدى القائمين على هذه الصناديق، وعدم استثمار المصارف السعودية الاستثمار الكافي في التسويق لهذه الصناديق في مجتمع المستثمرين الأفراد السعوديين.
ليس وحدها نقص الثقة بالاستثمار المؤسسي المسؤول الوحيد عن تراجع أداء السوق المالية السعودية في الفترة الأخيرة. حيث يلقى باللوم أيضا على تواضع الصعيد المعرفي بأنماط الاستثمار المؤسسي المتاحة أمام المستثمرين.
لعل الاستشهاد بدراسة حول السوق المالية التايوانية في هذه الجانب يساعد على توضيح النقص في الجانب المعرفي. نشرت التجربة في المجلة الدولية لعلم الاقتصاد والمالية International Review of Economics and Finance. حيث حاول باحث دراسة تأثير أزمة الأسواق المالية الآسيوية في 1997 في منهجية الاستثمار وسلوك التداول للمستثمر المؤسسي الأجنبي في السوق المالية التايوانية.
نُشرت الدراسة تحت عنوان "هل غيرت الأزمة الآسيوية دور المستثمرين الأجانب في الأسواق الناشئة: التجربة التايوانية؟". توصلت الدراسة إلى أربع نتائج مهمة تشكل في مجملها إجابة شمولية حول منهجية استثمار وسلوك تداول المستثمر المؤسسي في الأسواق المالية الناشئة خلال الأزمات المالية الحادة.
النتيجة الأولى أنه ليست هناك علاقة مباشرة بين استثمارات المستثمر المؤسسي ونمو العائدات على الاستثمار في السوق المالية الناشئة. والنتيجة الثانية أن هناك علاقة مباشرة بين استثمارات المستثمر المؤسسي ومستوى التذبذب السعري لأسهم الشركات المدرجة.
والنتيجة الثالثة أن المستثمر المؤسسي الأجنبي يضاعف استثماراته بعد زوال الأزمة أكثر من المستثمر المؤسسي المحلي. والنتيجة الرابعة أنه يزداد تأثير المستثمر المؤسسي الأجنبي في مستوى التذبذب السعري لأسهم الشركات المدرجة بعد زوال الأزمة أكثر من تأثير المستثمر المؤسسي المحلي.
الفجوة بين نمطي استثمار المستثمر المؤسسي والمستثمر الفردي، ونقص الثقة بالاستثمار المؤسسي، وتواضع الصعيد المعرفي بأنماط الاستثمار المؤسسي المتاحة أمام المستثمرين، والنتائج العملية الأربعة أعلاها جميعها أسباب نظرية لتواضع دور المستثمر المؤسسي في السوق المالية السعودية. تشكل هذه الأسباب النظرية الأربعة أرضية نقاش لواقع السوق المالية السعودية في الأسبوع المقبل ـ بعون الله تعالى.