رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«نيمو» .. حيث لا أحد

قد تحتاج إلى الوحدة يوما ما، وترغب في الهرب من كل ما حولك ومن حولك، فتقفل عليك باب غرفتك، أو باب مكتبك، أو تذهب في رحلة برية لتختلي بنفسك. أما إذا أردت الانعزال التام، فما عليك إلا الذهاب إلى أكثر الأماكن عزلة على وجه الأرض، على تلك الجزيرة الواقعة في منتصف المحيط الهادئ، التي تحتضن "نقطة نيمو"، أبعد مكان عن أي كائن أرضي. وسميت بهذا الاسم تيمنا ببطل رواية الكاتب "جول فيرني" الخيالي لربان سفينة يجوب البحار، ويتصف بسمات تختلف عن تلك التي يتسم بها الأبطال الروائيون عادة. و"نيمو" تعني باللغة اللاتينية "لا أحد"، ويبدو الاسم ملائما لتلك البقعة التي لا تزار إلا نادرا، ولم يكن يعرفها أحد قبل عام 1992، حيث ساعدت التقنية الحديثة والأقمار الصناعية على اكتشافها! لكن ماذا لو اختارتك قسرا؟ من المؤكد أنك شعرت بها يوما، فهي زائر ثقيل يخنق أنفاسك. يشعرك أنك غريب وسط هذا العالم، حتى مع وجود عشرات البشر من حولك، تتضاءل نفسك أمامك، تنهار ببطء، إنها الوحدة!
فالبشر اجتماعيون بطبعهم. حياتهم تكاملية. يعتمدون على بعضهم كي يعيشوا. والوحدة ضد هذا التكامل، قد تعزل أنت نفسك برغبتك وتتواصل مع عدد قليل من البشر، ولكن الأصعب أن تعيش وسط الناس ولا تشعر بهم ولا يشعرون بك!
ومثلها غربة الوطن، الذي يشعر بها من حزم أمتعته وترك أهله ودياره لأي سبب كان، عمل أو دراسة، أو دفاع عن وطن مثل أبطالنا على الحدود. وصف "هوميروس" في ملحمته الأوديسة، حال الجنود السويسريين وحنينهم لأهلهم وأوطانهم، حتى عد ذلك مرضا يحتاج إلى علاج، حيث قدرت نسبة من يشعرون بهذا النوع من الوحدة بـ 70 في المائة من الأشخاص، ومن أبرز أعراضها، الأرق ونوبات الهلع والكوابيس وانسحاب كامل من المحيط الجديد غير المستقر.
ومن أغرب ما في الوحدة، أننا نقترب أكثر من الجمادات، كالدمى، ونعاملها كما لو أنها بشر، خصوصا ذات الوجوه البشرية، حسبما توصل إليه الباحثون من كلية دار تموند، أن الفترات الطويلة من الوحدة تجعلنا نغير من نظرتنا نحو الجماد!
وتخيل أنه من مرارة الوحدة وقسوتها، حسب دراسة أجرتها جامعة هارفارد، جعلت 67 في المائة من الرجال و25 في المائة من النساء يفضلون تعريض أنفسهم للصعق الكهربائي على أن يبقوا وحيدين في عزلة تامة لمدة 15 دقيقة فقط.
حتى دماغك في الوحدة يعمل بطريقة مختلفة، وبمشاعر أحيانا مغايرة للواقع، وحتى الإحساس بالجو يكون مختلفا تماما عن الواقع. يشعر الوحيد بالبرد حتى في درجة الحرارة المرتفعة، ويميل لشرب المشروبات الساخنة علها تعوضه ما فقد من دفء المشاعر!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي