قلق صيني من التضخم والسياسة النقدية الحالية

قلق صيني من التضخم والسياسة النقدية الحالية

اختتم رئيس الوزراء الصيني وين جياباو اجتماعات البرلمان الصيني في منتصف آذار(مارس) الماضي بالكشف بشكل مفاجئ عن توقعات متشائمة للنمو في العام الحالي على الرغم من أن البلاد تواصل نموها الاقتصادي المتسارع.
وقال وين بعد أن وافق البرلمان على سياسته الاقتصادية التي تستهدف كبح التضخم وتشجيع تحقيق مزيد من النمو المستدام: "أنا متخوف من أن هذا العام قد يصبح أكثر الأعوام صعوبة للاقتصاد الصيني".
وأضاف وين في تصريح للصحافيين أن "أكبر الهواجس هو ارتفاع الأسعار .. إذ إنها تجعل حياة المواطنين وخصوصا ذوي الدخل المتدني أكثر صعوبة".
وقالت ليو لينجلينج أستاذة الاقتصاد في جامعة تشينجهوا ببكين، إنه ثبت أيضا صعوبة تنفيذ سياسة الحكومة طويلة الأجل لتحفيز الطلب المحلي وتقليل اعتماد الصين على الصناعات القائمة على التصدير.
وأضافت أن "أسعار المواد الأولية والعمال منخفضة كثيرا عما يجب أن تكون عليه".
وتعوق عوامل كثيرة جهود الحكومة لتعزيز الطلب المحلي في مناطق تتجاوز المدن الغنية في شمال البلاد وجنوبها.
ويحد تدني أجور الوظائف العادية من القوة الشرائية لمعظم الصينيين بل إن تضخم أسعار الأغذية يجعل من المستبعد تقريبا اتجاه المستهلكين لشراء سلع ومواد غير أساسية في حين أن الكثير يتخوف من ارتفاع الأسعار المبالغ فيها في سوق العقارات.
وقالت ليو إن "المواطنين الصينيين لم يتمردوا (على هذا الوضع) نظرا لفقرهم الشديد في الماضي لذا فإن من السهل إرضاءهم بحفنة من النقود".
لكنها قالت إنه "بعد مرور ثلاثين عاما على (بدء الصين الإصلاحات الاقتصادية) فإن المواطنين بدأوا يطالبون بزيادة الأجور".
واتجهت الحكومة إلى التحكم في أسعار الحبوب ولحم الخنزير وزيت الطهي وسلع أساسية أخرى في غمرة تزايد التضخم الذي سجل 8.7 في المائة في شباط (فبراير) الماضي في أعلى مستوى له منذ 11 عاما.
ويقول الكثير من المنتقدين الغربيين إن خفض الصين قيمة عملتها اليوان أمام الدولار يجعل صادراتها أرخص ويعزز الفائض التجاري السنوي لها والذي يقدر بأكثر من 200 مليار دولار مع الولايات المتحدة وحدها.
وذكر المنتقدون أن الصين يمكن أن تساهم في السيطرة على التضخم وتقليل الفائض التجاري عبر السماح بارتفاع قيمة اليوان أمام الدولار بوتيرة أسرع، إلا أن ليو رفضت هذا الرأي، مشيرة إلى أنه "في حال ارتفاع اليوان بشكل أسرع فإنه سيجر الاقتصاد العالمي للتباطؤ بشكل أكبر".
وأضافت أن "الصين ستشتري المزيد من السلع والدول الأخرى يمكن أن تصدر أكثر إلينا .. وقد يستثمر الصينيون بشكل أكبر في الدول الأجنبية".
لكن ليو قالت إن محاولات الحكومة للحد من التضخم كان لها "تأثير ضئيل" خلال فترة الارتفاع التدريجي لقيمة اليوان الذي سجل ارتفاعا بأكثر من 10 في المائة أمام الدولار خلال العامين الماضيين.
وقالت إن أسعار النفط الخام والمواد الأولية الأخرى في الأسواق العالمية ارتفعت بوتيرة أسرع من ارتفاع العملة الصينية، "لذلك فلن تستفيد من ارتفاع سعر صرف اليوان".
وأوضحت أنه في حال تراجع الفائض التجاري الصيني هذا العام فإنه قد يؤدي إلى تراجع طلبها على السلع الأولية ويضر بنمو الاقتصاد العالمي في منطقة جنوب شرق آسيا ودول كالبرازيل.
وقدر تقرير أصدره أخيرا أساتذة اقتصاديون في جامعة الشعب ببكين أن ارتفاع أسعار الطاقة العالمية بنسبة 1 في المائة يضيف 0.1 نقطة مئوية لتضخم أسعار المستهلكين في الصين.
وقال التقرير إن تباطؤ النمو الاقتصادي في العالم وارتفاع الدولار أمام العملات الأخرى وتداعيات أزمة الائتمان في الولايات المتحدة على أسواق رأس المال الصينية "من شأنها إضافة مزيد من الغموض على مستقبل الاقتصاد الصيني هذا العام".
ويتوقع التقرير أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10.5 في المائة هذا العام فيما نقلت وسائل إعلام عن ليو فينجليانج أحد معدي التقرير قولها إن هناك "مؤشرات على تراجع" مخاطر نمو الاقتصاد بأكثر من اللازم.
وكان البنك الدولي قد توقع في شباط (فبراير) أن يتباطأ نمو الاقتصاد الصيني بشكل طفيف لكنه سيظل "قويا" عند 9.6 في المائة هذا العام بعد أن سجل نموا نسبته 11.4 في المائة في العام الماضي في أعلى معدل نمو منذ عام 1994.
وقال ديفيد دولار مدير مكتب البنك في الصين للصحافيين إن "تباطؤ الاقتصاد العالمي سيؤثر في الصادرات والاستثمارات الصينية في القطاع التجاري".
ورغم أن الحزب الشيوعي الحاكم في الصين يشجع الشركات الخاصة والاستثمارات الأجنبية منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي فإنه لا يزال يحاول الحفاظ على مصداقيته أمام المواطن العادي من خلال فرض ضوابط على الأسعار وتطبيق إجراءات لمساعدة المناطق الريفية الفقيرة والعمال الحكوميين المستغنى عنهم وجماعات اجتماعية أخرى.
وقالت ليو إن الدعم الحكومي لأسعار الفحم والطاقة والغاز والأغذية وسلع أخرى - وهو من بقايا ستين عاما من التخطيط الحكومي الصارم - لا يزال يشوه الاقتصاد. وأضافت أن "التغير في نمط الإنتاج لكل دولة في العالم يستغرق عقودا من
الزمان". لكنها أشارت إلى أن "حكومتنا وعدت بكبح جماح التضخم خلال بضع سنوات وكذلك الحفاظ على النمو الاقتصادي وهو أمر صعب للغاية".

الأكثر قراءة