رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


اللقطاء .. ما مدى التأثير الاجتماعي والاقتصادي للمشكلة؟ (2)

[email protected]

في مجتمعنا لا تزال النظرة الدونية القاسية تطارد اللقطاء فهم وُجِدوا رضعا متروكين في العراء لأسباب عديدة أهمها ارتكاب الخطيئة وأخرى مادية مردها الفقر، أو زواج المسيار، أو الخلافات الزوجية.. إلخ, ولا يمكن إلغاء معاناتهم، حيث لا يعرفون إلى أي أسر ينتمون ولم يشعروا بعطف وحنان الأبوين الطبيعيين، وصقل الشخصية وتعزيز أدوارهم في المجتمع كان ضمن برنامج إحساني. حسب الدراسات والملاحظات اليومية من قبل بعض دور الرعاية غالباً ما يبحث اللقيط أو اللقيطة عن الذات وكيف كانوا وفي أي بيئة نشأوا لذلك يقوم المشرفون بتجنب إفادتهم وإلهائهم بعديد من الوسائل الترفيهية المختلفة, حيث يحاولون خلق مجتمع بديل لهم عبر تنظم رحلات ترفيهية وإقامة برامج مشتركة مع دور أخرى مثل مراكز الإعاقة المتخصصة أو دور المسنين أو يعودونهم على جو العمل بتأمين وظائف موسمية تصقل شخصياتهم وتسهم في تطوير قدراتهم.
كل ذلك عبء تتحمله الدار والعاملون بها ولكن ماذا عن الأعباء الأخرى مثل الأعباء الصحية والاقتصادية؟ إن المولود من أم مصابة بالإيدز سيكون مصابا به, وهذا في حد ذاته سيصبح مشكلة اجتماعية وصحية مكلفة, فهناك أنظمة للتأمين الصحي وهناك مرافق محدودة مخصصة تعنى بمثل هذه الأمراض الخطيرة وفي مناطق معينة في المملكة. أما لو كان متأخرا في النطق أو كانت لديه مشكلة في السمع وما إلى ذلك فلنا أن نتخيل أن متابعة إصحاحهم عبء لا بد أن ينظم وضعه وتعزز فيه الثقة بين القطاعات الثلاثة (العام والخاص والخيري) وهذا كأنه سيستغرق تنظيمه سنوات طوالا. إن إنشاء أو تأسيس دور للأيتام أو اللقطاء بكامل وظائفها وقواها العاملة المتخصصة وإمكاناتها التي قد لا يعرفها إلا المختصون فهي مشاريع ضخمة يحتاج إلى كثير من العناية والحرص في تصميمها وتنظيمها وإدارتها, فحالة اللقطاء النفسية ابتداء من عمر 3 سنوات تدخل مراحل حرجة جدا حسبما تشير الأبحاث. أما البحث عن الأبوين أو أحدهما أو عن متبنين لائقين لهذا الطفل أو تلك الطفلة فذلك يعني استمرار الإنفاق عليهم إلى أن توجد الأسرة المناسبة أو يصل الشاب سن الرشد ليكافح في حياته بنفسه. هذا يعني تخصيص ميزانية ثابتة وخطة طويلة المدى تشرفان عليها وزارة الشؤون الاجتماعية. هذا في حد ذاته قد يجعلنا نعيد الحسابات ونعيد صياغة بعض الفقرات والبنود، ومن ثم يقر مستوى الدعم بناء على معادلات علمية مبنية على ما تم إنفاقه خلال السنوات العشر الماضية. إن تسجيل ستة لقطاء أسبوعيا في منطقة واحدة ولا تعتبر الأولى في عدد الحالات يعني أن معدل الحالات الأسبوعي على مستوى المملكة هو 52 حالة، أي أن عدد الحالات السنوية قد يصل إلى 2650 حالة مسجلة, الذي يعني جدلا إن بعد عشر سنوات سيكون في هذه الدور ما يقارب 25 ألف لقيط بحساب أنه هناك نسب خطأ وأسرا تكفلت بالبعض الآخر, فهل هذا واقعي؟ التساؤلات هنا هل حسبت تكلفة تنشئة طفل واحد وبالتالي حسبت تكاليف ما يمكن أن تتحمله الدولة والجمعيات الخيرية إلى أن يصل اللقيط أو اللقيطة أو إذا اعتبر يتيما سن 18؟ هل سيؤمن لهذه الأعداد وظائف؟ وفي أي المهن وعلى أي مستوى وفي أي منطقة سيعينون أو يساعدون أو يدعمون؟ من جهة أخرى وأخيرا هل يمكن قياس حجم المشكلة بمقارنة الوضع بين المملكة ودولة أخرى مثل لبنان مثلا ذات الـ (أربعة ملايين نسمة)، حيث يسجل 22 لقيطا سنويا فقط! ومنذ بداية القرن الماضي أخذت الثقة تزداد بين المؤسسة المدنية والمجتمع إلى أن أصبح العمل الاجتماعي عملاً منظماً مدعوما من جهات مختلفة سعيا وراء إنهاء ظاهرة مؤلمة ووضع آليات دقيقة كفيلة بالحد من انتشارها.
إن وطننا ـ ولله الحمد ـ يتسم بأمن وأمان وخيرات حسان يحسدنا عليها سكان الأرض قاطبة, ولا بد أن يكون هناك تحرك إيجابي حيال القضية خصوصا بعد النهضة والازدهار اللذين نشهدهما ويتوقع لهما أن يدوما ـ بإذن الله ـ. في البداية لا بد أن يقتسم المسؤولية مع الدولة وبنظام يحدث كل عام قطاعا الأعمال والخيري. كما لا بد أن يكون تناولنا للقضية إنسانيا ونستفيد من رسائل الآخرين كالعبارات المرنة في صياغتها, القوية في رسالتها وأهدافها مثل التي تستخدم في بعض البرامج التثقيفية أو الأفلام والمسلسلات الهادفة كتمهيد لبدء البرنامج. من ناحية أخرى قد تيسر الجهات المختصة أمر استعادة الابن أو الابنة إذا ما أظهر أحد الأبوين أو كلاهما رغبتهما في تصحيح ما اقترفاه باستعادة المولود امتثالا لما أنزله الله في كتابه الكريم في سورة آل عمران "والذين إذا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ.... الآيتان, (135، 136)". قد تقوم وزارة الصحة بالاستفادة من إجراءات الفحص لما قبل الزواج, وإجراءات فحص العمالة والوافدين, وإجراءات الفحوص الطبية اليومية المختلفة في تكوين قاعدة بيانات يستدل بها على الأبوين لهذه الحالات - حتى ولو استغرقت عشر سنوات - فالمهم أن يكون لدينا قاعدة بيانات تساعد على تتبع أصول اللقطاء ووضع حد للظاهرة. اعتقد أيضا أن من المهم الآن أن تتبنى وزارة العمل مع وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الخدمة المدنية ووزارة التجارة أو الغرف التجارية تسخين ملفات هذه الفئة بين الجهات المعنية الأخرى لدراسة أو وضع استراتيجية تأهيلهم وتوظيفهم لاستمرار كل المحاولات لاندماجهم في المجتمع. في الواقع هناك آليات تنفيذية لا بد أن تتخذ وتنظيم لا بد أن يعاد النظر فيه ولكن الأمل أن يتم في أقصر وقت ممكن فما بعد ذلك هو المهم, والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي