هل يعيد اجتماع محافظي البنوك المركزية رسم برنامج العملة الخليجية الموحدة؟

هل يعيد اجتماع محافظي البنوك المركزية رسم برنامج العملة الخليجية الموحدة؟

يجتمع محافظو البنوك المركزية الخليجية اليوم في الدوحة لمناقشة الاتحاد النقدي الخليجي، ووفقا لمراقبين، جاءت تصريحات عبد الرحمن بن حمد العطية الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي أشار فيها إلى أن المسؤولين الخليجيين سيناقشون في اجتماعهم الخامس والأربعين تنفيذ قرار المجلس الأعلى لمجلس التعاون في قمة الدوحة التي عقدت في كانون الأول (ديسمبر) 2007، بشأن وضع برنامج مفصل لاستكمال جميع متطلبات الاتحاد النقدي، وتحقيق الدول الأعضاء المعايير المالية والنقدية لتقارب الأداء الاقتصادي المعتمدة في العام الماضي، جاءت هذه التصريحات لتضفي المزيد من الإثارة على هذا الموضوع الذي بات يحظى باهتمام ومراقبة الخبراء والمسؤولين الخليجيين والدوليين على حد سواء.
ومصدر الإثارة – وفقا لهؤلاء المراقبين - أن قمة مسقط التي عقدت في كانون الأول (ديسمبر) 2001 وافقت على البرنامج الزمني لإقامة الاتحاد النقدي، الذي يقضي بتطبيق اعتماد الدولار الأمريكي مثبتا مشتركا لعملات دول المجلس، كما يقضي البرنامج بأن تتفق الدول الأعضاء على معايير تقارب الأداء الاقتصادي ذات العلاقة بالاستقرار المالي والنقدي اللازمة لنجاح الاتحاد النقدي قبل نهاية 2005م، وذلك تمهيدا لإطلاق العملة في موعد لا يتجاوز الأول من كانون الثاني (يناير) 2010م. وبالتالي فإن الحديث عن مناقشة محافظي البنوك المركزية الخليجيين وضع برنامج "مفصل" للوحدة النقدية قد ينطوي ضمنا على مراجعة البرنامج السابق وتعديله سواء من حيث معايير الوحدة النقدية, وآلياتها، والفترة الزمنية المقررة لإنجازها تمهيدا لإطلاق الاتحاد.
وهذا بدوره يزيد التكهنات حول التباين الحاصل بين دول مجلس التعاون الخليجي بشأن معايير الوحدة النقدية، وشكل السلطة النقدية المشتركة، ومهامها الرئيسية المتمثلة في رسم وتنفيذ السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف ووضع مواصفات العملة الموحدة والتعليمات المتعلقة بإصدارها وإدارة احتياطياتها. وسبق لمحافظ بنك عُمان المركزي أن صرح بأن دول المجلس الست لن تستطيع إنجاز الاتحاد النقدي في مطلع عام 2010، وقال إن الدول الخليجية لن تتمكن من تحقيق الوحدة النقدية بحلول هذا الموعد، ما أثار حالة من التشاؤم في الأوساط الخليجية التي عاشت طويلا على أمل صدور هذه العملة.
وتطول نقاط التباين التشريعات اللازمة في المجال النقدي، وصلاحيات البنك المركزي الخليجي، وإنشاء هيئة قضائية كإحدى منظمات مجلس التعاون تسمى "محكمة الاتحاد النقدي". ويشير الخبراء إلى أن أهم التحديات المقبلة التي قد تواجه التفعيل الكامل للسوق الخليجية المشتركة هو إنجاز مشروع توحيد العملة بحلول عام 2010، خاصة بعد الخطوات التي قامت بها كل من الكويت وعمان، على صعيد فك الربط بالدولار بالنسبة للأولى، وإعلان الانسحاب من الوحدة النقدية لعدم القدرة على الوفاء بمستلزماتها في الوقت المحدد بالنسبة للثانية.
وكانت معايير الوحدة النقدية المتفق عليها تتمثل في الآتي: ألا تتجاوز نسبة العجز في الموازنة 3 في المائة، وألا تتجاوز نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي 60 في المائة، إلى جانب عدم تجاوز نسبة التضخم 2 في المائة. كذلك تبرز قضية التضخم كتحد آخر أمام تفعيل أداء السوق الخليجية المشتركة، ويرتبط التضخم في الخليج بمؤثرات محلية وخارجية، تتمثل الأخيرة في الربط بالدولار المتراجع واضطرار مصارف المنطقة المركزية إلى خفض فوائدها تماشيا مع قرارات "الاحتياطي المركزي" الأمريكي. هذا فضلا عن تحدي عدم التطبيق الكامل للاتحاد الجمركي، رغم أنه مرحلة سابقة لمرحلة السوق المشتركة. وتتمثل أبرز النقاط العالقة في ملف الاتحاد الجمركي الخليجي في آلية تحصيل ونسب الإيرادات الجمركية بين دول الخليج.
وقد اتفقت دراسة أعدها مسؤول الخزانة والأسواق العالمية في بنك ستاندرد تشارتر السيد دانيل حنا أن دول مجلس التعاون الخليجي اتفقت على تبني معايير الوحدة الأوروبية الخمس السابقة حسب اتفاقية ماسترخيت. وفي حين اعتبرت اتفاقية ماسترخيت هذه المعايير شرطا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإنه في حالة الدول الخليجية اعتبرت معايير لازمة للتوصل إلى الوحدة النقدية عام 2010.
وأوضحت الدراسة أن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الثلاث الماضية، مكن جميع الدول الخليجية الست من الالتزام بالمعايير الأربعة الأولى في نهاية عام 2005. بينما في عام 2004 كان المعيار الثالث بالنسبة إلى البحرين أقل من النسبة المستهدفة بقليل (الاحتياطيات تعادل 3.8 مرة من الواردات)، والمعيار الثاني لدى السعودية يتجاوز قليلا النسبة المستهدفة حيث كانت نسبته 65 في المائة إلا أنه انخفض إلى 41 في المائة عام 2005.
أما بالنسبة للمعيار الخامس الخاص بالتضخم فقد مثل بعض التحدي خاصة في البحرين وقطر والإمارات، حيث زاد في البحرين معدل التضخم بنسبة بسيطة، بينما اتسم الاقتصادان القطري والإماراتي بارتفاع معدلات التضخم فيهما طوال العقد الماضي. ومع ذلك، لم يكن لهذا الارتفاع تأثير واضح على القدرة التنافسية للصادرات من خلال التأثير في أسعار الصرف، كون معظم الصادرات تتمثل في النفط (60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي). إلا أن هذا المعيار زاد تحديا خلال العامين الماضيين مع تفاوت ملحوظ في معدلات التضخم في دول التعاون.
ويضيف خبراء حتى في حالة إمكانية تحقيق معايير التوصل والدخول في وحدة نقدية خليجية عام 2010 في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، فإن إضفاء الاستقرار طويل الأجل على هذه الوحدة يتطلب إعادة النظر في بعض معايير الوحدة النقدية المشتقة من التجربة الأوروبية، نظرا لاختلاف الأوضاع والهياكل الاقتصادية للبلدان في كلتا المجموعتين. ففي حالة الدول الخليجية الست، فإن الاستقرار طويل الأجل للوحدة النقدية سوف يعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية: أولا الانخفاض التدريجي في الإيرادات النفطية، حيث من المعروف أن ثلاث دول خليجية هي البحرين وقطر وسلطنة عمان يتوقع نضوب مواردها النفطية خلال العقدين المقبلين. غير أنه في حالة قطر سوف تعوض ذلك عن طريق إنتاج الغاز الذي يتوقع أن تكفي احتياطياته لمدة 300 سنة وفقا لمعدلات الاستهلاك الحالية. وثانيا عملية التنويع الاقتصادي وخفض الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية، حيث يلاحظ هنا أيضا تفاوت درجة نجاح الدول الست في تحقيق هذا الهدف. وثالثا، الضغوط المتعلقة بالنمو السكاني وأسواق العمل، حيث تعاني بعض الدول الخليجية من ضغوط حادة فيما يخص توفير فرص العمل للمواطنين بينما لا تزال هذه الضغوط في بدايتها في دول أخرى. وتبلغ نسبة المواطنين الخليجيين ما دون سن العشرين نحو 50 في المائة من السكان، بينما يتوقع نمو حجم القوى العاملة بنسبة 3 في المائة حتى عام 2020. لذلك، فإن معدلات البطالة في بعض هذه الدولة بدأت منذ الآن بالارتفاع إلى مستويات مقلقة.
ونظر لهذه الأوضاع، فإن دول الخليج الست سوف تواجه تحدي التعويض عن الإيرادات النفطية في أزمنة متفاوتة بعضها خلال 20 عاما والبعض الآخر مثل دولة الإمارات خلال 100 عام. كما أن زيادة مساهمة العمالة الوطنية في القوى العاملة سوف يكون له مردود إيجابي على الاقتصاد ككل، إلا أنه سيقلص من مرونة تكيف هذه الأسواق من حيث الأجور في حالة تراجع النشاط الاقتصادي. كما أن معدلات الصرف سوف تتأثر بدورها من هذه الفروق في الأداء الاقتصادي.
ونتيجة لهذه المعطيات، توضح الدراسة أن معايير الوحدة النقدية الأوروبية غير دقيقة في حالة الدول الخليجية الست، وخاصة معيار نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي يفترض ألا يتجاوز نسبة 60 في المائة. لذلك، تقترح الدراسة أن يتم تبني معايير مالية للوحدة النقدية تمثل بشكل أدق العوامل الأساسية المتحكمة في استقرار الأوضاع المالية في دول التعاون الست، وتساعدها في المحصلة النهائية على الاستعداد التدريجي لمرحلة نضوب النفط والإيرادات المتأتية منه. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبني معيار العجز المالي غير النفطي، وهو يعني الرصيد المالي الكلي مطروح منه الإيرادات النفطية. وبالتالي، فإن على السياسة المالية لدى هذه الدول أن تعمل على تحقيق نسبة من العجز المالي غير النفطي التي تسمح بتراكم الموجودات المالية, بحيث يمول العائد المتأتي من هذه الموجودات العجز المالي غير النفطي المستهدف عندما يحين موعد نضوب الموارد المتأتية من النفط والغاز. وهذا يضمن بدوره توزيع مدة استهلاك الثروة النفطية على الأجيال بصورة عادلة، كما يضمن لدول المجلس أن كل دولة عضو قد ضمنت الاستقرار لمواردها المالية على المدى الطويل. إن تقدير حجم العجز المالي غير النفطي لكل دولة خليجية سوف يعتمد على حساب حجم الثروات النفطية لدى كل منها، وتقدير معدلات النمو السكاني المستقبلية.
إن الاتحاد الاقتصادي والنقدي هو فرصة لبلدان لا يزيد عدد سكانها على 36 مليون نسمة، فيما يبلغ إجمالي ناتجها المحلي أكثر من 600 مليار دولار، وحصّة الفرد من الناتج المحلي فيها تزيد على 17 ألف دولار. وهي تنتج 23 في المائة من النفط العالمي، إضافة إلى 8 في المائة من إنتاج الغاز، وتختزن 40 في المائة من مخزون النفط العالمي و23 في المائة من احتياطي الغاز، وقد حققت مجتمعة فائضاً في حساباتها الجارية سنة 2007 ناهز 200 مليار دولار، وبلغت احتياطياتها الرسمية الخارجية أكثر من تريليون دولار. حيث إنه ما زال أمام هذه الدول مشوار طويل كبير لتحقيق أهداف بعيدة، عبر الوحدة النقدية والاقتصادية. إذ إنها، على رغم ما تتمتع به من قوّة وثروات طبيعية، لا تمثل أكثر من 1.5 في المائة من الناتج المحلي العالمي، وحصّتها في التجارة العالمية لا تتناسب مع قدراتها وإمكاناتها.

الأكثر قراءة